أبواب

إرثنا التاريخي!

خليل قنديل

تماماً مثلما يحدث مع الشعوب والدول والكيانات السياسية، يحدث أن تصاب كل هذه بنوع من القحط والفشل في رصيدها الحياتي فتصاب بالجدب وفقدان الحيلة وشح العطاء.

«ضمن قحطنا الإبداعي الراهن هذا نستذكر قامات مثل عبدالرحمن الكواكبي وطه حسين والجاحظ وابن المقفع والمتنبي، والعديد من الأسماء التي أضاءت بحضورها سماء أكثر من قرن».

«فقدنا بوصلة إرثنا في كل المعارف والمهارات الفكرية والإنسانية، وبتنا نعاني جدباً مزمناً في الوصل والتواصل مع التاريخ».

ومن عاش عربياً عصر تشكل الدولة العربية الحديثة وتشكل الثورات واستحداث النظم السياسية، يدرك مدى الجدب السياسي الذي عاشته - ومازالت تعيشه - الأمة العربية، مثلما يدرك أيضاً مدى الفشل السياسي ومدى الفقر التنظيري الذي عاشته الأمة العربية. ومن عاش عربياً زمن الأحزاب العربية وحداثة تشكيلها وتسارع تنظيمها سيدرك أيضاً مدى الفاقة الفكرية التي نعيشها!

ومن يطل على كل هذا الجدب بعين فاحصة لابد وأن يدرك حجم خسارتنا اليومية التي نسدد فواتيرها.

وعودة على بدء نقول إن الأمة العربية وطوال قرن انصرم ومضى أصيبت بالكساح والشلل وفقدان القدرة على التفاعل مع العصر، وبقيت تعاني نوعاً من الشلل وفقدان القدرة على النهوض بشعوبها، وزلزلة السكون الذي صار يشبه حالة كُساح كاملة الدسم!

ونحن هنا نتحدث عن المراحل الجماهيرية التي كانت تفرز المبدعين العظام والشعراء والكتّاب الذين كانوا يبشرون بالريادة وتأصيل الفكر الإبداعي والإيجابي، ويمهدون بظهورهم الأولي لولادات مبدعين لهم دوي إيقاعهم بالوجود.

ونحن هنا وضمن قحطنا الإبداعي الراهن هذا نستذكر قامات مثل عبدالرحمن الكواكبي وطه حسين والجاحظ وابن المقفع والمتنبي، والعديد من الأسماء التي أضاءت بحضورها سماء أكثر من قرن. ونسأل عن سر انقطاع النسل الإبداعي العربي على هذا النحو!

إن المواطن العربي الذي بات يعاني كل هذا القحط في الإنجاب، واستمرار انقطاع النسل الإبداعي على مثل هذا النحو صار يحق له أن يسأل عن سر هذا الجدب في الإنجاب.

إن العربي المعاصر يعاني فقدان الجد المخترع والجد العالم والسلالة المنجبة في التاريخ الإنساني. ويمكن القول إن العربي فقد غاب عن تاريخه الجد المؤسس في الأدب والجد المؤسس في الموسيقى والجد المؤسس لبقية الإبدعات الإنسانية، ويمكن الجزم بالقول إننا فقدنا بوصلة إرثنا في كل المعارف والمهارات الفكرية والإنسانية، وإننا بتنا نعاني جدباً مزمناً في الوصل والتواصل مع التاريخ.

وعليه يجب علينا إعلاء الصوت في التعبير عن فقدان مثل هذه المرجعية، والإعلان بجرأة عن هذا الفقر الخطير في المرجعية الحضارية والثقافية. وعلى العربي أن «يدب» الصوت جائحاً وهو يبحث عن الأجداد والسلالة التي فقدها في زحمة التكالب على المؤرخ والتاريخ الذي أوقعنا بكل هذا الهذر، ورعب فقدان البوصلة!

إن المؤتمرات والندوات التي تعقد عربياً، وهي تحاول أن تجيب عن أسئلة الأصل والفصل في تاريخنا االثقافي العربي عليها وقبل أن تبدأ في البحث عن حلول لأزماتنا الثقافية المتلاحقة أن تبحث وقبل كل شيء عن مثل هذه القطيعة مع الإرث، ومحاولة الإمساك بالأسباب الأولية الموجبة لكل هذا الإرث الذي نعيش. وقطيعتنا المذهلة مع الجد المؤسس وكل هذي العتمة التي تحيط بنا من كل جانب.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر