تحقيقاً لرؤية وطموحات زايد

أبوظبي رحلة التطوّر والحــداثة.. الصحراء أنجبت ناطحات ســـحاب

صورة

تحولت العاصمة أبوظبي منذ ستينات القرن الماضي، وبُعَيد اكتشاف النفط، إلى مدينة عصرية تحفها الحدائق الغناء والفنادق الضخمة والمباني الشاهقة، تحقيقاً لرؤية وطموحات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

جزر وكثبان وواحات

توصف العاصمة أبوظبي بأنها «لؤلؤة الخليج»، وهي كبرى مدن الإمارات، وتزخر بالعديد من عناصر الجذب السياحي، والأماكن الأثرية والمراكز الثقافية والحضارية، ويعد تنوعها الطبيعي والجغرافي الكبير مع وجود 200 جزيرة طبيعية على طول شاطئها الرملي، إضافة إلى البراري الشاسعة والكثبان الرملية الناعمة وواحات النخيل، من أهم معالمها السياحية. ويوجد فيها عدد من المحميات الطبيعية، أشهرها محمية صير بني ياس، وهي محمية طبيعية للحيوانات والطيور، وسيتم تعميرها لتغدو مركزاً للسياحة البيئية، مع استهداف استقطابها 170 ألف زائر سنوياً، مع انتهاء العام الجاري، حيث تتم رعاية الحيوانات النادرة من الانقراض فيها.

وتوشك المدينة المتألقة على اتخاذ قفزة نوعية أخرى، إذ تتطلع على مدى العقد المقبل كي تصبح أحد المراكز الثقافية العالمية الكبرى.

وعانت أبوظبي شظف العيش بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، وبالتزامن مع نهاية حقبة صيد اللؤلؤ، التي استمرت لأكثر من 7000 عام، إلا أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية الفريدة التي شهدتها الإمارة، ومن ثم دولة الإمارات، تعود إلى جهود مؤسسها وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

كثير من المدن شهدت تغيرات كبيرة متتالية على مدى القرن الماضي، إلا أن قليلاً منها فقط مر بدرجة التحول الكبيرة نفسها التي مرت بها مدينة أبوظبي، إذ عانى جيل الأجداد والآباء من سكان الإمارة صعوبات العيش في الماضي، لكن سرعان ما تحولوا من الحياة القاسية والاعتماد على طرق مجتمعهم القبلي في التأقلم مع البيئة الحارة والرطبة، ليجدوا أنفسهم في رغد من العيش. وفي ستينات القرن الماضي، وقبل حكم الشيخ زايد مباشرة، كانت أبوظبي عبارة عن جزيرة تتكون من مجموعة من السبخات البحرية المعزولة عن البر الرئيس.

وخطت أبوظبي مسيرتها منذ مراحل البدايات بصعوبة خصوصاً بحثاً عن مصادر الرزق، وكان الخيار الوحيد أمام الأهالي هو رحلة الغوص في البحر ومجابهة معاناته، بما فيها من شظف العيش وحرارة الشمس، فكل من عايشها شعر بأنها رحلة وتجربة فيها الكثير من المعاناة التي لا يتمنى أحد أن يعيشها مرة ثانية مهما كانت الظروف والأحوال.

ومر تطور مدينة أبوظبي بمراحل متعددة ومهمة، حتى استطاعت في إطار سياسة القيادة الحكيمة الوصول إلى مصاف المدن العالمية الكبرى، وأن تحقق إنجازات كبيرة وغير مسبوقة على صعيد الطفرات الاقتصادية والعمرانية والتنموية المتواصلة، التي جعلت منها المدينة النموذج في المنطقة، وفتحت سقف التوقعات أمام حياة كريمة للمواطن والمقيم معاً. وفي سنوات قليلة كانت انطلاقة عاصمة الإمارات نحو التقدم والرقي، بعد سنوات من الاستقرار واكتشاف الشركات والبنوك وخطوط الطيران حتى أضحت المدينة بيئة مثالية للاستثمار، وملاذاً آمناً للمدخرات العالمية.

وزائر المدينة عندما يلتقي الرعيل الأول أمثال المواطن خميس بن زعل الرميثي، يتأكد أن لأبوظبي قدماً في الماضي وأخرى في المستقبل، إذ يقول، إن «ماضي أبوظبي يختلف عن الحاضر، وهذا شيء بديهي من سنن الحياة، كان الواحد منا لا يجد عملاً يعيش منه فيخاطر بنفسه فيرحل للإقامة في الجزر أو إلى إحدى دول الجوار، إذ كان اللؤلؤ مصدر رزقنا قبل النفط، لأنه لم يكن هناك دخل آخر آنذاك» .

تلك كانت الحال في أبوظبي، التي عاش فيها الرميثي، الذي كان يبحر لأشهر ويقيم في الجزر وسط البحر من أجل إعالة أسرته، واليوم تعد أبوظبي من أعلى مدن العالم، من حيث الدخل القومي الإجمالي للفرد.

ويستذكر الرميثي أياماً لا يتمنى عودتها قائلاً «كانت الحياة صعبة والموارد شحيحة، وعشنا سنوات قاسية يحاصرنا البحر من كل جانب، لكن نجد في زرقته بصيص أمل للرزق الحلال، كان الوضع صعباً، خصوصاً مع تراجع صناعة صيد اللؤلؤ، بدءاً من الثلاثينات وما بعدها، وكان بناء قصر الحاكم قد شجع بعض الأهالي على الاستقرار حوله، وجاءت أوائل الأربعينات والوضع كما هو حتى عام 1950، عندما بدأت عمليات التنقيب عن النفط تأخذ مجالاً واسعاً في مناطق حبشان وباب وغيرهما في المنطقة الغربية، وبدأت الأمور تتحسن، خصوصاً مع اكتشاف النفط بكميات تجارية، وتصدير أول شحنة في عام 1962».

ويصف الرميثي المدينة في منتصف القرن الماضي «كان أهل أبوظبي جميعاً يعيشون في منطقة قريبة من قصر الحصن في بيوت أغلبها من العريش (سعف النخيل)، وقليلها من الجص (الحصى)، وكانت الأخيرة من طابق واحد فقط، وليس كما هي الآن أبراج تناطح السحاب، وكنا نعرف بعضنا بعضاً، والجار يهتم بأمور جاره، ويراه يومياً، وكان الرجال يعملون في الغوص وصيد الأسماك، والنساء كانت تستخدم سعف النخيل في صناعة بعض الأشياء اليدوية المستخدمة في المنزل كأغطية الطعام والمهفات والفرش والسدو، بغرض الاستعمال الشخصي أو التجارة، وهكذا كانت تسير الحياة ببطء شديد».

ويضيف «لم تكن وسائل التعليم متوافرة كما هي اليوم، بل كان جل اعتماد الناس في تلقي العلم على المطوع والمساجد والجلوس مع الأجداد والآباء قي مجالسهم».

ويصف حال المدينة في ذلك الوقت قائلاً «كانت مجرد صحراء جدباء لا يوجد فيها شوارع إلا شارع حمدان، وكان رملياً غير مرصوف، ولا يوجد في المدينة فنادق أو بنايات سكنية، ولا يوجد إلا سوق شعبي في أبوظبي، بناؤه ضيق من الخشب والشينكو (ألواح من الصفائح المعدنية)، ومكانه الآن بالقرب من مكان السوق المركزي».

ويضيف «لم يقف الشيخ زايد مكتوف الأيدي في ذلك الوقت، وبدأت الدولة منذ توليه مقاليد الحكم باستضافة البعثات المدرسية من دول الجوار، وبعض الدول العربية، لمساعدتها على نشر العلم، وتطور التعليم في عهد الشيخ زايد تطوراً مذهلاً، بعد أن كان صعباً، والإمكانات محدودة، ففي بداية عام 1968 لم يكن في المدينة إلا مدرسة واحدة للبنات على شاطئ البحر اسمها مدرسة البنات، بالإضافة إلى مدرسة تم افتتاحها في ذلك الوقت في البطين اسمها مدرسة الخنساء، ومازالت تحمل اسمها حتى الآن، وكنا نعتبر البطين في ذلك الوقت بلداً بعيداً جداً عن أبوظبي، وليس جزءاً من المدينة، كما هي الحال الآن، إلى جانب مدرستين للبنين احداهما ابتدائية اسمها مدرسة محمد بن القاسم، وأخرى إعدادية اسمها إعدادية أبوظبي».

وخلال عام 1966 تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حكم أبوظبي، وشدد على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية وليس النفط فقط، لأنه بالإنسان تقوم الحضارة وتتأسس الدول وتزدهر، وبالتعليم والثقافة تنمو الشعوب وتبني مستقبلها، وأن المستقبل يصنعه الإنسان إذا تم إعداده لمعركة الحياة، وهذا ما حدث في الإمارات، حين تحول التعليم إلى مدارس حديثة ومتطورة وجامعات وكليات وميادين للعلم والنور.

ونقلت القيادة الحكيمة للشيخ زايد أبناء الشعب والوطن إلى مرحلة تطور متسارع في مختلف الميادين، حتى أصبحت أبوظبي اليوم مدينة متحضرة تقود الكثير من مشروعات النهضة العربية، التي عجزت عنها كبريات الدول، فتسارعت خطى التطور فيها، حتى أصبحت في غضون بضعة عقود واحة أعمال مزدهرة، تستقطب اهتمام العالم وتلهم جيرانها بتأسيس مشروعات مشابهة.

تويتر