"الوجه الأبيض" وظيفة تجعلك مليونيراً.. في شنغهاي

يعتبر الحصول على وظيفة براتب جيد تحدياً يواجهه الباحثون عن عمل، ويتطلب الكثير من الشروط كالخبرة والكفاءة، وإتقان اللغات والتقنية، والشخصية القوية، والمظهر الجيد، إضافة إلى مسايرة التطورات الحاصلة في أسواق العمل الحديثة

لكن في الصين صاحبة أكبر الاقتصادات العالمية، فإن الوظائف الجيدة غالبا لا تحتاج إلى كل هذه الأمور، فممكن أن تحصل على منصب مدير إقليمي لشركة كبيرة بملامح وجهك، ولون بشرتك فقط .

تعتمد بعض الشركات الصينية توظيف أشخاص يتمتعون بمظهر أجنبي من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة، لشغل مناصب مهمة شكلية، وذلك من أجل تعزيز مكانتها في السوق، كشركة متعددة الجنسيات، وضمان الفوز بمناقصات وعقود مربحة، إضافة إلى كسب ثقة عملائها .

يطلق على هذه الوظيفة "رجل الفيترينا الأبيض"، أو "وظيفة الوجه"، حيث يقوم الموظف "الأبيض" بتمثيل الشركة في الفعاليات والنشاطات الاقتصادية، كحضور المعارض والمؤتمرات الخاصة وحفلات العشاء، ويكتفي فقط بارتداء بدلات ذات ماركات عالمية، توفرها له الشركة، وتوزيع بطاقات العمل على الحضور، ويبادلهم الحديث قليلا بمعاونة المترجم الخاص.

وفي بعض الأحيان يضطر الموظف الأبيض إلى القيام بمهمات سفر إلى بعض المحافظات الصينية لأيام، للحضور ضيفاً شرفياً فقط في جلسات العمل الخاصة بعقد اتفاقيات، وخلال توقيع الصفقات، أو تدشين بعض المشروعات، أو إلقاء خطب وكلمات ترحيبية قصيرة.

تلقى هذه الوظيفة طلباً كبيراً من قبل الشركات الصينية، التي تنشط في مختلف القطاعات، خصوصاً شركات المقاولات والبترول، ومن أجل ذلك تم افتتاح شركات توظيف لتوفير وتأجير مثل هذه العمالة، مقابل مبالغ كبيرة تدفع للطرفين.

وأصبحت شركات التوظيف تجلب عمالة إضافية متعددة الأجناس من نيجيريا، وأوزبكستان، وباكستان، لمهن تمثيلية بسيطة، كالوقوف فقط في مكاتب الاستقبال، حتى يتمكن عملاء الشركة من رؤيتهم يوميا.

فيما يقتصر توظيف السيدات فقط كصديقات للمديرين التنفيذيين، من أجل مرافقتهم والجلوس برفقتهم خلال مناسبات العمل .

على الرغم من غرابة هذه الممارسات الوظيفية، فإنها تعكس اعتقاداً متجذراً لدي الصينيين منذ قرون قديمة، بأهمية شكل الإنسان في تشكيل العلاقات وقضاء المصالح، وفي هذا السياق يقول تشانغ هاي هوا، مؤلف كتاب "فكر مثل الصينيين"، إن "وجه الإنسان هو أكثر أهمية من الحياة ذاتها".

كما يعتقد أن الملامح المتشابهة للصينيين جعلتهم يرغبون ويفضلون التعامل مع الأشكال والوجوه الجديدة، ذات الملامح والتقاسيم الجميلة، والأشخاص الأوروبيين، على اعتبار أنهم يعيشون في بلدان متقدمة.

يقول إسماعيل عبدالله، الذي عاش واشتغل في الصين لأكثر من 20 سنة لموقع "الإمارات اليوم"، إن هذه الظاهرة بدأت في التسعينات، نتيجة النمو الاقتصادي، الذي خلق منافسة شديدة بين الشركات التي اضطرت لخلق أفكار وحيل ترويجية لأعمالها، للبقاء في السوق فلجأت بعض الشركات إلى توظيف الرجل "الأبيض" لإضفاء صورة العالمية على نشاطاتها التجارية، الأمر الذي يكسبها صدقية لدى عملائها المحليين، إضافة إلى قوانين الصين التجارية، التي تمنع الأجنبي من امتلاك شركات خاصة إلا في المناطق الحرة، وبالتالي استغلت هذه الشركات قلة وجود الأجانب في هذه القطاعات الاقتصادية، وعدم احتكاك العملاء بهذه الفئة من العمالة ورجال الأعمال، وبدأت في استغلال صور النمطية التي تروجها الأفلام الغربية لرجل الأعمال الأوروبي الناجح والوسيم لكسب ثقة المتعاملين.

كما أكد إسماعيل أن عدداً من زملائه من جنسيات أوروبية وبريطانية وكندية، لم تكن لهم خبرة مهنية لدى قدومهم لشنغهاي، فامتهنوا هذه المهنة وصاروا من أصحاب الملايين، ويمتلكون بيوتاً فارهة وسيارات فخمة وحسابات بنكية كبيرة، بسبب شكلهم ووسامتهم فقط، كما أشار إلى أن بعض الشركات تقوم بجلب ممثلين محترفين غير مشهورين، للقيام بهذه المهام الوظيفية المزيفة.

إذا كانت هذه الوظيفة تجلب لصاحبها الكثير من الأموال، وتقدم له مميزات ومغريات كثيرة كالإقامة في الفنادق الفخمة، وارتداء أغلى الماركات والسفر إلى الأماكن البعيدة، وتمنحه إحساس النجاح والتميز الوظيفي دون مجهود أو تعب، إلا أنها تحمل بعض المخاطر خصوصا إذا تم استغلاله من طرف بعض الشركات المزيفة وتجار المخدرات، حيث يكون في الواجهة ويتحمل مسؤولية هذه المخاطر، فتتم ملاحقته وقد تصل إلى القتل في بعض المرات.

يقول الممثل الأميركي جوناثان زتكين، الذي يعيش في بكين لقناة "سي إن إن"، إنه قبل ثلاث سنوات، كان يتقاضى 2000 دولار في اليوم، للذهاب إلى مدينة صغيرة في مقاطعة خنان، لتمثيل منصب نائب رئيس شركة مجوهرات إيطالية. حيث التقي عمدة المدينة وألقى أمامه كلمة حول أهمية العمل مع الشركة المحلية لمدة 10 سنوات، وعبر عن فخره واعتزازه بذلك. كما أقيم حفل موسيقي على شرفه بهذه المناسبة.

لكن كشف جوناثان عن المخاطر التي تقف وراء هذه المهنة الصغيرة، وأشار إلى أن الشرطة طرقت بابه ذات يوم، عندما كان يعمل لبضعة أشهر عند شركة احتالت بالملايين على عملائها، وواجه مشاكل بسبب ذلك رغم أنه لا يتذكر اسم هذه الشركة أصلا.

تويتر