منحوتة ناجي العلي قُتلت وخُطفت وتعرَّضت للتعـــــذيب

شربل فارس.. الالتزام شيء آخر غــــير السياسة

صورة

تتمتع تجربة الفنان اللبناني شربل فارس بخصوصية في شكلها ومضمونها، حيث اتجه إلى هموم وطنه من خلال الفن، لذا لم يأتِ النحت أو الرسم الذي قدمه بمنأى عن المحن التي تعرض لها لبنان، وكذلك الوطن العربي. استحق صفة الفنان الملتزم، نظرا لالتزامه العميق بالقضايا الوطنية، ولإيمانه بوجوب تمرير رسالة من خلال الفن. التقته «الإمارات اليوم»، خلال وجوده في دبي، حيث باتت زيارته إلى الامارة طقساً سنوياً، وتعرفنا إلى آخر أعماله وجديده.

فارس قال عن الأعمال الجديدة التي يحضر لها، «أعمل حاليا على استكمال معرض سابق حول الراقصة والحصان وذلك رسما ونحتا، إلى جانب موضوع آخر يتعلق بالوجوه وهو موضوع شائك، لأننا في عصر الاعلام والبرامج الحوارية والوجوه نفسها تتكرر على الشاشة». وأضاف «تطل هذه الوجوه يوميا وتتحدث في السياسة والفن، وأصبحت كالكوابيس، لهذا بدأت أعمل في مجال النحت وفق طابع قريب من الكاريكاتير». ولفت إلى أن العمل على الوجوه في النحت بطريقة كاريكاتيرية يعتمد على المبالغة، لأن الكاريكاتير يبرز التفاصيل ويدفعها إلى الامام، مشيرا إلى أنه يركز على الوجوه، التي تكون متداولة وغير محببة، وكلامها كالمطرقة على الرأس.

منحوتات في دبي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/80400.jpg

رأى النحات شربل فارس أن المنحوتات في الأماكن العامة وبين الأبراج ضرورية، لكنها يجب أن تأتي ضمن إطار الجو العام للمكان والمبنى، بحيث يكون هناك حوار بين البرج والمنحوتة. ولفت أنه ينقص بعض الأبراج الأعمال الفنية التي تعلن عنها، وأن المنحوتة في المكان يمكن أن تأتي مكملة أو على النقيض.


وجوه كالكوابيس

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/80413.jpg

أعمل على استكمال معرض يتعلق بالوجوه، لأننا في عصر الإعلام والبرامج الحوارية، والوجوه هي نفسها تتكرر على الشاشة، وتطل هذه الوجوه يوميا لتتحدث في السياسة والفن، وأصبحت كالكوابيس، الوجوه التي تكون متداولة وغير محببة، وكلامها كالمطرقة على الرأس.


أنسنة المنحوتة

عمل شربل فارس على الكثير من الخامات والنحت الملون، وكذلك على النحت المضاء من الداخل، وتلوين المنحوتة من خلال الضوء، ما يجعل العمل ذا الأبعاد الثلاثية قادرا على أن يصل بالمتلقي إلى مرحلة الرماد، أو على العكس من الضوء تتجدد الحياة. وأوضح أن المنحوتة تستثير أكثر من حاسة كاللمس والشم، كما أن وظيفتها لا تعود وظيفة جمالية فقط، بل تتأنسن ويوجد حوار دائم بين المشاهد والعمل الفني، وقد يتحول لإنسان نتيجة الإسقاطات، فالمنحوتة تحتل الفراغ.


كالين

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/80402.jpg

يزور النحات اللبناني دبي بشكل سنوي، كي يرى حفيدته كالين، ولفت إلى أن علاقة مميزة تجمعه بحفيدته لابنته الوحيدة. وأشار إلى أن أعماله في دبي أتت متميزة، حيث إن زيارته الأولى كانت أثناء حمل ابنته، وكانت الأعمال مستوحاة من الأمومة وفكرة الخلاص، وكيف أن المولود سيشكل الخلاص للكون بمجمله. ولفت فارس إلى أنه من خلال حفيدته ألف الحياة العائلية التي تخطاها في أوقات الحرب بلبنان، «وبالتالي عشت مع حفيدتي شهراً بشهر، وانعكست علاقتي معها على ألوان أعمالي»، ولفت إلى أن كالين هي الربيع في حياته، والمستقبل، وهذا نوع من الإسقاطات، وأحيانا تشارك باللوحات، وباتت أعمالي في دبي كأن كالين يجب أن توقعها، وحتى الأعمال المتعلقة بـ«الربيع العربي»، والهموم الوطنية.

أما أبرز معضلات الفن اليوم، فهي تكمن حسب فارس، في مسألتين: تمويلية، وذاتية، فالفن برأيه لايزال محصوراً ضمن لوحة موجودة في المنزل، ولم يصل بعد إلى مرحلة إعطاء هذا الفن قيمته، خصوصاً أن الفنون تداخلت مع بعضها.


سيرة فنية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/80407.jpg

الفنان اللبناني شربل فارس من مواليد صربا، جنوب لبنان عام 1952، وهو نحات ورسام وناقد فني، وكتب في المسرح والتلفزيون والسينما، أقام 15 معرضا في لبنان، وشارك في عشرات المعارض خارج لبنان، نال تنويهات محلية وعالمية عدة، وكرمه المجلس النيابي عام 1997، وهو عضو في جمعية اللبنانيين للرسم والنحت.

قدم فارس مجموعة من الأعمال، التي رافقت المشكلات الوطنية، بدءا من معارضه الأولى التي تحدثت عن الحرب، الأمر الذي جعل لقب الفنان الملتزم يلازمه، وقال في هذا الصدد «هذا الوصف أتى نتيجة عيشي للواقع، ففي البدايات كانت أعمالي مباشرة جدا إلى أن اختمرت التجربة، وأصبحت أكثر اتزانا ورزانة، لاسيما أنني أعيش في بلد لم يجد صيغته حتى اليوم».

واعتبر الالتزام في فنه موجود في رسمه لأي شيء، مشيرا إلى أن قساوة الحرب التي برزت بشكل مباشر في مرحلة الاجتياح الاسرائيلي موجودة في الرسم والنحت، لكنها باتت اليوم بصيغ مختلفة، فالمنحوتات تعتمد على الخط المنحني الذي ينبع من الهوية التشكيلية العربية.

ورد فارس خط الفن الملتزم إلى الخلاف الأساسي حول تعريف الالتزام، مبينا «وجود التزام سياسي يومي يشعر الفنان معه كأنه بوق لطرف سياسي معين، وقد وقعت في هذا الأمر في بدايات الحرب اللبنانية، فكانت أعمالي تشبه البيان السياسي، أما تطور الالتزام فتحول من التزام بالسياسة إلى التزام بالإنسان المسحوق، ثم تحول إلى التزام كوني». ونوه بأن أعماله في البداية أخذت عناوين واضحة جدا ومنها معرضه الأول «وجه بلدي»، والتالي «كل الجهات إلى الجنوب» ثم اتجه لاحقا إلى العولمة.

بين اللون والمادة لفت فارس إلى أنه ينحاز إلى النحت، بينما يبقى يشكل الرسم استراحة نحات لديه، وهذه الاستراحة تحكي الكثير من المواقف، وغالبا ما يأتي الرسم قبل المنحوتة أو العكس.

ولفت إلى أنه عمل على الكثير من الخامات والنحت الملون، وكذلك على النحت المضاء من الداخل، وتلوين المنحوتة من خلال الضوء، ما يجعل العمل ذا الأبعاد الثلاثية قادرا على ان يصل بالمتلقي إلى مرحلة الرماد، أو على العكس من الضوء تتجدد الحياة. وأوضح ان المنحوتة تستثير أكثر من حاسة كاللمس والشم، كما أن وظيفتها لا تعود وظيفة جمالية فقط، بل تتأنسن ويوجد حوار دائم بين المشاهد والعمل الفني، وقد يتحول لإنسان نتيجة الاسقاطات، فالمنحوتة تحتل الفراغ.

وكانت لفارس تجربة خاصة مع نُصب لناجي العلي، وقال عن هذه المنحوتة، «المنحوتة الخاصة بناجي العلي تعد واحدة من النكبات التي واجهتها في فني، كون هذه المنحوتة هي واحدة من ثلاث فجرت خلال الحرب». ولفت إلى ان صداقة جميلة جمعته بالفنان ناجي العلي بحكم الزمالة في الصحافة، لكنها لم تكن صداقة لقاءات يومية بسبب ظروف الحرب، لذا عندما اغتيل تأثر كثيرا وقرر ان يقوم بتنفيذ تمثال عنه، وطلب صورا له إلا انه لم يجد الصور، فاعتمد على الصور التي جمعته به، وانتهى التمثال في وقت انتفاضة الحجر السلمية والتي كان ناجي العلي أول من نادى بهذه الانتفاضة. واعتبر فارس ان العمل على التمثال كان استعادة للانتفاضة ولكن عشية إزالة الستار عن التمثال الذي وضع في مخيم عين الحلوة، تم انتزاع التمثال وسحله وإطلاق الرصاص عليه، واختفى بعدها التمثال من مكانه.

وأضاف فارس: بعد فترة أتى نور الشريف والمخرج عاطف الطيب وتواصلا معي بهدف معرفة مكان التمثال، لأنهما كانا يصوران فيلما عن ناجي العلي، وقد بحثت عن التمثال في المخيم بعد أن أمنوا لي بطاقة مساعد مخرج ووجدته للأسف بين الركام والقمامة والأحجار. وطلبت من المسلحين أن يوقفوا التمثال كي أتمكن من تصويره، وقد صورته بعينه المصابة بالرصاص ويده المكسورة، وشعرت كأني أعدته من الموت، واختفى بعدها التمثال من جديد، ومرة أخرى طلب مني البحث عن التمثال لأجل فيلم آخر، وقد بحثنا عنه ولم نجده، رغم المحاولات الرسمية من السفارة الفلسطينية واليوم لا أحد يعرف أين هو.

وأشار إلى أن أعماله عن ناجي العلي لم تقتصر على التمثال، فقدم تحية أخرى له بمعرض مستوحى من رسوماته وقدم عام 2000 مشروعا حول ما كان سيرسم ناجي العلي، لو كان لايزال حيا، ولم يجد رعاة لهذا المشروع وهذا يعود إلى أن الرعاية أصبحت في أماكن أخرى إلى جانب إرادة البعض التخلص من هذه الشخصية.

أما أبرز معضلات الفن اليوم، فهي تكمن في وجهين بحسب فارس، أولا وجه تمويلي، وثانيا وجه ذاتي، فالفن برأيه لايزال محصورا ضمن لوحة موجودة في المنزل، فلم يصل بعد إلى مرحلة إعطاء هذا الفن قيمته، لاسيما في تشعباته الجديدة، خصوصا أن الفنون تداخلت مع بعضها بعضاً. بينما الجانب الآخر هو الجانب الذاتي وكذلك الهوية، فقد مر الفن العربي بمحطات كثيرة، لكن هناك تراث وحتى الآن لم نكشف الغبار عن هذا التراث ونجعله أكثر عصرية.

وأشار إلى ان الثقافة العربية تعتمد على اللسان والأذن، وأن الثقافة البصرية جامدة، مشيرا إلى وجود ثقافة نفعية، ومبينا أنه متى تقدمت الثقافة البصرية على السمعية والكلامية، ومتى نتحول من مجتمع مستهلك فقط إلى مجتمع إنتاجي، ستحل أزماتنا.

أما الثورات العربية، فقد شغلت أعماله في معرض «الراقصة والحصان»، الذي يعمل على استكماله اليوم، حيث أكد أنه مع أي حراك في العالم العربي. وأشار إلى أن يوميات الحراك تعلمنا أكثر وننضج أكثر، لأننا جامدون ومدجنون وعندما نتحرر سنكسر القالب، وكسره سيكلف الدم والدموع، لكن بوعينا المستجد علينا تطوير الحراك وإيجاد قيادات في الحراك، لذا على الحراك أن يوجد من داخله قيادته الثورية.

وأضاف «على الرغم من الواقع المتشرذم، (الربيع العربي) فيجب أن نبحث عنه باستمرار وإن لم نجده فهو ليس ربيعا». يجب أن نملك الحس النقدي، وإيجاد بدائل عنه، والثقافة عليها أن تعيد الحياة والجماليات إلى «الربيع العربي».

تويتر