الكاتبة العراقية عالية ممدوح

«الأجنبية» بين السيرة والرواية

صورة

بشكل مختلف، اختارت الكاتبة العراقية عالية ممدوح، أن تبوح بذكرياتها، وتروي فصولاً ووجوهاً من حياتها في كتابها «الأجنبية» الذي يقع في منطقة وسطى ما بين السيرة والرواية، إذ تتمرد صاحبته على النمط التقليدي، وترفض أن تسير «على مقاس أحد»، لذا جاء الكتاب متحرراً، كما أرادت مبدعة «المحبوبات».

يحفل «الأجنبية» الذي صدر عن دار الآداب اللبنانية في 239 صفحة، بالكثير من الأسماء التي تعمدت عالية ممدوح الحديث عنها، وأسماء أخرى بدت وكأنها تسللت إلى الصفحات، وفرضت نفسها على الحكاية، حتى ولو جاءت بشكل عرضي في سطر، أو إشارة سريعة.

يبدو النمط الأول من الأسماء حاضراً في الصديقات اللواتي كن بجانب عالية ممدوح في رحلتها واغترابها، فالكاتبة هاجرت منذ زمن، بدايات الثمانينات، من بلدها العراق، واستقرت في عاصمة النور، ومن بين تلك الصديقات الكاتبة نهلة الشهال التي تشير إليها عالية ممدوح بأنها ذات «قدرة استثنائية على معاينة وفحص الأشياء والمعضلات من جميع الجوانب.. كانت تشعرني، ودون إرباك لرفقة الصداقة بأحاسيس أمومية».

وتلفت المؤلفة العراقية التي ولدت في الأعظمية عام 1944 إلى أن ثلاث نساء في حياتها كان لهن محل خاص، وهن الراحلة بلقيس الراوي، زوجة الشاعر الراحل نزار قباني، التي لقيت حتفها في حادث مأساوي، والكاتبة نهلة الشهال التي أفردت لها عالية ممدوح «بيتاً» من بيوتها الروائية في كتاب «الأجنبية»، وأخيراً المبدعة الفرنسية هيلين سيكسو التي وقفت بجانب عالية ممدوح في باريس، وكانت واحدة من صديقاتها المخلصات، وانتصرت لجنس الكتابة، ولذا سعت إلى التعريف بإبداعات عالية ممدوح، وقدمتها إلى الساحة الثقافية في فرنسا، وظلت العلاقة ممتدة ما بين المبدعتين، وكان لعالية مع هيلين أكثر من وقفة في كتاب ”الأجنبية”.

ولا تغيب أسماء مبدعات أخريات عن «الأجنبية»، فثمة حضور للكاتبات هدى بركات وحنان الشيخ وإنعام كجه جي وسلوى بكر، وغيرهن، كما تبرز أسماء أخرى لمبدعين هذه المرة، ومن بينهم مثلاً فاروق مردم بك، وصبحي حديدي، ونزار قباني ومحمود درويش. وتروي عالية ممدوح عن لقاء مبكر جمع بينها وبين نزار ودرويش، إذ نشرت مجلة «بيروت المساء» تحقيقاً عن الكاتبات الجديدات حينها في عام 1973، وفيه صورة لعالية ممدوح، فعلق نزار قباني قائلا، حسبما روت الكاتبة العراقية: «ما هذه الصورة المرعبة المختارة بجوار كلامك.. لقد ظهرت أشد قبحاً من بدر شاكر السياب». ويبدو أن الراحل محمود درويش حاول تخفيف حدة كلمات نزار فقال: «لكن بدر شاكر السياب واحد من أجمل شعراء الأرض».

تتحدث عالية ممدوح باستفاضة مع معاناتها مع تعلم اللغة الفرنسية، وكيف دفعتها كلمات الشاعرة هيلين سيكسو إلى محاولة إجادتها، وقالت لها «أنت الكاتبة الأجنبية الوحيدة التي نشأت بيني وبينها صداقة ثمينة وهي لا تقرأ لي إلا عبر التراجم، وأنا لا أفضل ذلك أبداً». هيلين كانت الصديقة التي هرعت إليها عالية ممدوح لتبكي أمامها وتصرخ حينما كانت الصواريخ الأميركية تدك بغداد في عام 2003: «هيلين مدينيتي تحترق. بغداد لها الأحقية بالاحتفاظ بما قدمته لرفعة شأن البشرية، تغطيها النيران وتضربها الراجمات البعيدة المدى».

ولم تكن المعاناة مع اللغة الفرنسية هي الهم الوحيد لعالية ممدوح، فهناك أرق تجديد الجواز العراقي، ومحاولات تمديده، إضافة إلى السعي للحصول على الإقامة في فرنسا، والبيروقراطية والملفات والخطابات التي اصطدمت بها المؤلفة العراقية هناك، واليأس الذي غلف حياتها في تلك الفترات، لولا وجود الأصدقاء بجوارها، وكذلك قلمها الذي كانت تفزع إليه دائماً.

ومن بين البيوت التي بنتها سردياً عالية ممدوح في كتابها «الأجنبية»، «بيت بوعزيزي»، مستعيدة تفاصيل المشهد «الناري» للشاب التونسي، الذي صنع «ربيعاً عربياً»، تعيد عالية ممدوح تأمل الصورة، الشاب الريفي، وعربة الخضار، والكف الأنثوية البوليسية التي انتهكت وجه الرجولة، وكان الرد مشتعلاً من قبل محمد البوعزيزي، بالنار قص مشهداً أخيراً، ترى فيه الكاتبة العراقية وجوهاً مختلفة، وتنظر إلى ما يختصره من القهر السياسي، والفساد الأمني، وكذلك الانحطاط الاجتماعي، وما وصل إليه الأفق العربي من انسداد.

تويتر