كلفته الإنتاجية كفيلة بتمويل أعمال جادة على مدار العام

الموسم الرمضاني قاطـرة الدراما العربية إلى الخلف

الموسم الرمضاني تحول لدى الكثير من الفضائيات إلى محرقة لأعمال درامية تعاد على مدار 11 شهراً. أرشيفية

لم يعد السؤال التقليدي بشأن جديد الممثل أو المخرج في مجال الدراما العربية، سواء كانت خليجية أو مصرية أو سورية وغيرها، مطلقاً عن أي الأعمال التي تشغله حالياً، كما هو شأن نظيره في مجال السينما أو الطرب، بل أصبح موجهاً إلى اقتصار السؤال على جديده في الموسم الرمضاني، وبعد أن ارتبط بالشهر الفضيل في المحطات الفضائية بأعمال ثابتة تتجدد مضامينها، مثل الفوازير الاستعراضية، وبعض المسلسلات متعددة الأجزاء التي حققت شهرة واسعة، أصبح أكثر من ‬85٪ من الأعمال، وفق احصاءات، مرهون عرضها بـ‬30 يوماً، ليبقى اكثر من ‬335 يوماً تالية، مساحة زمنية لتكرار ما سبق عرضه في الموسم الرمضاني.

مكاسب طائلة

أوهام متجددة

وصف منتجون وممثلون فكرة حصر نجومية وتألق ممثلين بمواقعهم على خارطة الدراما الرمضانية السنوية، فضلاً عن محاولة التأكيد بشكل عملي على أن الشهر الفضيل هو الأنسب لاستيعاب العروض الدرامية، بأنها أفكار تجافي الحقيقة والواقع الذي يؤكد أن المشاهد لا يمتلك في هذا الشهر تحديداً رفاهية متابعة أعمال درامية تعرض بالأساس ضمن تخمة يصعب عبرها فصل غث الدراما عن ثمينها.

وقال المنتج والفنان أحمد الجسمي الذي ارتبطت معظم أعمال شركته «جرناس للإنتاج الفني» في الأساس بالعروض الرمضانية «وجدنا انفسنا بشكل تلقائي جزءاً من تلك الظاهرة التي لا نُسأل بالأساس عن صناعتها، لكن هذا لا يجعلنا نتردد في التأكيد على حقيقة أن التركيز على هذا الشهر لصناعة نجوم أو مضاعفة الرصيد الفني لا يعدو مغالطة ووهماً، لأن صاحب الموهبة الحقيقية والإمكانات الجادة سواء في كتابة النص أو السيناريو أو التمثيل والإخراج وغيرها، سيفرض نفسه وسيتم رصده جماهيرياً ونقدياً وإعلامياً، سواء عرض العمل في هذا الشهر أو غيره».

صاحب شركة «ظبيان» للإنتاج الفني، الفنان سلطان النيادي، أيضاً الذي أنتج جميع أعماله لعروض ارتبطت بالموسم الرمضاني، منها متعدد الأجزاء «طماشة»، أكد أيضاً أن تلك النوعية من الأعمال قادرة على الوجود خارج إطار الموسم الرمضاني، مضيفاً «الأعمال متعددة الأجزاء تحظى بمتابعة جماهيرية، ويمكن عرضها بشكل لا ترتبط فيه بمجرد الإطلالة السنوية، ولا توجد صيغة فنية ما يمكن أن تكون مرتبطة بشهر بعينه دون الآخر، وحتماً في حال عرض تلك الأعمال لأول مرة خارج سياق العرض الرمضاني ستصادف النجاح نفسه لو اتيحت لها تلك الفرصة».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/05/0378545698.jpg

قاطرة الدراما العربية إلى الخلف، نتيجة اتفق عليها المتضررون والمنتفعون معاً من هذا الواقع، في آرائهم التي أبدوها لـ«الإمارات اليوم»، بمن فيهم فنانون ومنتجون، حققوا شهرة ومكاسب طائلة، بسبب تنافس الفضائيات على الفوز بعرض أعمالهم، مقابل عقود مالية مبالغ في قيمتها في معظم الأحوال، فيما تتسع قائمة المتضررين لتطال معظم الوسط الفني، الذي أضحى يعاني بطالة موسمية على مدار العام، باستثناء ارتباطه بأعمال تجهز للعرض الرمضاني، أما المشاهد، فهو الخاسر الدائم سواء في موسم رمضاني يجد صعوبة خلاله في فرز غث المعروض من ثمينه مبدئياً، أو في أن هذا الشهر تحديداً ليس هو الأنسب بالنسبة له ليكون شهر «التخمة الدرامية» لارتباطه بطقوس دينية واجتماعية في المقام الأول، على الرغم من أن الكلفة الإنتاجية المبالغ فيها لتلك الأعمال بسبب ارتفاع أجور نجوم يعملون وفق سياسة «العرض والطلب» يمكن أن تمول أعمالاً جادة يتم إنتاجها على مدار العام.

الفنان المصري القدير نور الشريف الذي أنجز بعض أهم أشهر أعماله السابقة للعرض الرمضاني، يرى أن «الدراما التلفزيونية حُرمت الكثير من القدرة على تطوير ذاتها بشكل طبيعي بسبب ارتباطها المبالغ فيه بشهر وحيد يمثل موسمها الأعظم»، مضيفاً «تم تحديد التنافس الجاد بهذا الشهر، على الرغم من أن القاعدة أن يكون التنافس والجدية والإنتاج مستمرةً على مدار العام، وربما تكون استراحة المحارب في موسم وجيز مساحته لا تتجاوز الشهر، وليس العكس».

وأضاف الشريف «النجاحات التي حققتها بعض الأعمال الذي تصادف عرضها في هذا الشهر أغرى التلفزيون المصري، الذي شكل هذه الظاهرة في البداية، لترسيخها، فقوبلت بمكاسب إعلانية سعت سائر المحطات لتلقف بعضها، ومع تنامي عدد المحطات الفضائية تفاقم الأمر حتى بات جديد الدراما العربية للأسف مرهوناً بهذا الشهر».

مساومات للفوز

نجوم الصف الأول في مختلف أصناف الدراما العربية استفادوا كثيراً من الظاهرة، نظراً إلى أن أعمالهم تبقى مطلوبة للقنوات التي تدخل في مساومات للفوز بها وفق القاعدة التسويقية «الفوز لأعلى سعر»، عندما كانت تلك القنوات تبحث عن وهم «العروض الحصرية»، قبل أن تذوب تلك الحصرية لمصلحة عروض مشتركة، تحت وطأة رغبة معظم القنوات في شراء أكبر عدد ممكن من تلك الأعمال للعرض الرمضاني، على الرغم من ذلك فإن تلك النجوم الذين حققوا معظم ثرواتهم من أعمال ارتبط إعدادها للعرض في هذا الموسم مثل الفنانة المصرية يسرا صاحبة مسلسلات «قضية رأي عام» و «شربات لوز» وغيرهما، توافق على أن «ظاهرة الموسم الدرامي الأوحد واختزاله في شهر رمضان، قد أعاق كثيراً النمو الطبيعي للدراما العربية».

الفنان السوري جمال سليمان الذي كانت المحطة الأبرز في توسيع جماهيريته عربياً خلال شهر رمضان مسلسل «حدائق الشيطان» ثم «أفراح إبليس»، وغيرهما، أكد أن الممثل العربي قد تضرر كثيراً من ظاهرة «الشهر الواحد»، مضيفاً «إذا كانت النجاحات التي تحققت للبعض في أعمال يتم التخطيط والتجهيز لها على مدار ‬11 شهراً لشهر وحيد هي نجاحات جيدة، فإن الخروج عن تلك المساحة الزمنية الضيقة، بكل تأكيد في التسويق والعرض، كان سيعني بمنطقية شديدة نجاحات ممتازة، لكل من تمكنه مواهبه وطاقاته لها، في ظل فرص أوسع، وتوقيتات أكثر ملاءمة لجميع الأطراف، وأهمها المشاهد نفسه الذي يصاب سنوياً بتخمة درامية».

ارتباط مضلل

البعض يرى أن الأعمال المتعددة الأجزاء الشهيرة ما كان لها أن تواجد من دون فكرة الموسم الواحد الذي يتكرر سنوياً مثل «طاش ما طاش» السعودي، و«حاير طاير» و«طماشة»، وحتى «عجيب غريب» و«ريح الشمال» الإماراتية، فإن الفنانين والمنتجين المشاركين في تلك الأعمال يؤكدون أن القيمة الفنية وسياسة صناعة أعمال قابلة للتجدد، هي ما أتاح لهذه الصيغ الدرامية الاستمرار، وليس موسمية عرضها ارتباطاً بالشهر الفضيل.

ويرى الفنان القدير جابر نغموش، بطل أعمال «حاير طاير» بأجزائه الستة، و«طماشة» الذي يستعد لعرض جزئه الخامس في رمضان المقبل، أنه «لا يمكن لمنتمٍ للوسط الفني العربي عموماً والخليجي والإماراتي خصوصاً، أن يدافع عن ظاهرة الموسم الدرامي الأوحد المرتبط بشهر رمضان»، مضيفاً «هذا الارتباط المضلل بين الأعمال الدرامية والعرض الرمضاني فاقم من معاناة الممثل المحلي الذي يعاني بالأساس ندرة الأعمال، وبدلاً من ان ينتظر الفنان أعمالاً قد يرشح لها بين فترة زمنية وأخرى لا تتعدى أشهراً معدودة، وفق طبيعة انتاج المشروعات الدرامية، اضحى ينتظر عاماً كاملاً كي يصادف ترشيحاً لدور في أعمال تعد خصيصاً كي تجد لها مكاناً في قائمة تشهد منافسة غير منصفة للدراما المحلية وفي زمن محدود للغاية هو هذا الشهر الفضيل».

تويتر