الكبار يفضلون الدراما التلفزيونية.. والشباب يحاولون بأفلام قصيرة

السينما الخليجية.. شاشة واحدة وهمــوم متعددة

صورة

متى يذهب المواطن الخليجي إلى دور العرض متوقعاً أن يجد فيلماً غير منفصل عن مجتمعه، مهتماً بقضاياه وتفاصيله، وطموحاته، ولهجة أبطاله وشخوصه تحاكي تلك التي يعرفها، ويتعامل بها محيطه، لاسيما بعد وجود أعداد كبيرة من المهرجانات التي تحتضنها دول خليجية متعددة، على رأسها الإمارات التي تحتضن حالياً مهرجان الخليج السينمائي في دورته الثالثة، بالإضافة إلى مهرجانين دوليين، هما دبي وأبوظبي السينمائيين، ومهرجان ترابيكا الدولي بالدوحة.

سميرة أحمد: مردود عليهم

نفت الفنانة سميرة أحمد أن تكون قد تلقت أي دعوة لحضور مهرجان الخليج السينمائي، أو أي من دورات مهرجانات دبي للسينما باستثناء الدورة الأولى، بدعوة من جمال الشريف رئيس مدينة دبي الاستوديوهات الحالي، مضيفة «المسؤولون عن المهرجان لا يعلمون أن تجاهلهم لفنانين أثروا الدراما المسرحية والمحلية هو تجاهل لا ينتقص من قيمة الفنان، لكنه يؤشر إلى غياب ادراك قيمة ومسيرة الفنان الإماراتي».

أم أحمد التي كانت مشغولة ببدء تصوير أحد أعمالها الدرامية الجديدة هاتفت «الإمارات اليوم»، لتوضيح أن «أياً من الدعوات الـ‬120 التي تمت الإشارة إليها على لسان المذيع محمد سالم بأنها أرسلت لشخصيات فنية في الإمارات لم تصل إليها»، مضيفة «ربما يعتبرون أن ترتيبي بين تلك الشخصيات هو الـ‬121، أو هكذا هو ترتيب الفنان الإماراتي، وهذا مردود عليهم».

ورفضت صاحبة «بنات شمة» أن تكون قيمة الممثل الإماراتي هو إسكاته بـ«طرد» دعوات تصل إلى مقار المسارح، حينما تحتضن الدولة إقامة المهرجان، في الوقت الذي يقوم رؤساء المهرجانات ومديروها بالاتصال بالفنانين الذين يقدرونهم، متسائلة : «هل لبى الفنانون الكويتيون الدعوة بطرود وصلت إليهم بعد موعد انطلاق المهرجان أو قبلها بساعات، أم أن إلحاحاً على الحضور واتصالات هاتفية مقدرة سبقت استضافتهم؟».


أين زملائي؟

ظاهرة غريبة يشهدها مهرجان الخليج السينمائي، يندر أن تتكرر في المهرجانات النظيرة التي يشغل أجواءها الشباب، وهي أن من بين نحو ثمانية أو ‬10 مخرجين مدعوين لمقابلات إعلامية محددة سلفاً وتتهيأ لها تلفزيونات فضائية ووسائل إعلام صحافية محلية وخليجية متعددة، لا يلبي الدعوة سوى شاب وحيد في الأغلب، وقلما يأتي اثنان.

المقابلات الصباحية التي تستهل في الـ‬30:‬10 صباحاً هي الأكثر إزعاجاً للشباب، الذين يتم التواصل معهم والتأكيد علي حضورهم أكثر من مرة تحت مسمع وسائل الإعلام، من قبل شركة العلاقات العامة المعنية بالأمر، لكن الهاتف النقال يبقى مغلقاً، وهاتف الغرفة لا يجيب أحد عليه.

المفارقة أن مختلف اللقاءات الإعلامية تتم في فندق الإقامة نفسه، وحتى في حال تغيير الموعد للفترة المسائية فإن السؤال الأكثر تكراراً يبادر به المخرج الشاب الوحيد الذي يحضر وهو: أين زملائي؟


حياة الفهد: أنا بخير

طمأنت الفنانة القديرة حياة الفهد جمهورها على صحتها، بعد أن شوهدت بعربة صديقة للبيئة في «فيستفال سنتر» مرات عدة، وقالت لـ«الإمارات اليوم»: «أنا بخير، وأعد الجمهور دائماً بأن أطل عليه سنوياً بعمل درامي متميز». الفهد التي لا تستطيع أن تخطو خطوات قليلة في كواليس المهرجان دون أن تستوقفها أسر من أجل صور تذكارية، تفضل مشاهدة الأفلام أكثر من أي شيء آخر في المهرجان، رغم أنها مشاهدة ينتابها بعض الألم والتحسر على واقع سينما تراها «متعثرة جداً»، رغم البداية البعيدة في «بس يا بحر» و«الصمت» اللذين لعبت بطولتيهما منذ نحو أربعة عقود.

سؤال تحيلنا الإجابة عليه إلى التطرق لتفاصيل معوقات تلك السينما، إلى الدرجة التي جعلت معظم الفنانين الكبار يكتفون بالتقوقع على الدراما التلفزيونية، تاركين الشباب يخوضون التجربة السينمائية بشبه انفراد، ولكن عبر أعمال معظمها قصيرة، لا يمكن أن تلبي حاجات جمهور يرى أن لا مناص أمامه سوى استمرار إخلاصه لمتابعة نتاجات السينما العالمية دوماً، وبنسبة أقل العربية، ممثلة في السينما المصرية.

ورغم أن عدد الأفلام الطويلة المشاركة هذا العام في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«الخليج السينمائي» ارتفع إلى ‬13 فيلماً، فإن الكثير من تلك الأفلام غير روائية أو غير خليجية بالأساس، ومخرجوها وكتابها ووممثلوها لا ينتمون إلى الثقافة السائدة في المجتمع الخليجي، ما يعني أن ثمة تجاوزاً كبيراً في وجودها ضمن مسابقة تحمل اسم «الأفلام الخليجية الطويلة»، في حين أن كثيراً من تلك الأفلام أيضاً تم عرضه خلال الدورة السابقة لمهرجان دبي السينمائي، ما يعني أن المهرجان وجد إشكالية في البحث عن فيلم خليجي حقيقي.

غياب الدعم

الفنانة القديرة حياة الفهد رأت أن المشكلة الأولى التي تواجه الفيلم الخليجي هي غياب الدعم والتمويل، مضيفة لـ«الإمارات اليوم»: «السينما الخليجية ضيعت فرصة ذهبية لميلادها في وقت مبكر في الستينات، ثم السبعينات، عبر فيلمي «بس يا بحر»، و«الصمت»، اللذين كانا مقدمة لأعمال قامت من خلال مبادرات فردية لم تجد من يحتضنها، فتلاشت تدريجياً بعد أن لم يستطع أصحابها إيجاد التمويل المناسب لاستمرارهم، على النحو الذي يبرز مع تجارب فارس السينما الخليجية فارس الصديق، وكذلك عائشة محمد، والآن يعيد التاريخ نفسه، ولكن مع أجيال جديدة تفتقد أيضاً للدعم».

وأضافت الفهد «حتى نجوم الدراما الخليجية الذين يمرون بتجارب محدودة في السينما، سرعان ما يقتنعون بأن السينما الخليجية بلا حاضن، فيعودون سريعاً إلى الدراما التلفزيونية التي تبقى دائماً ذات مردود مادي أكبر وأسرع».

وبالإضافة إلى المعضلة المادية، ترى الفهد التي تابعت الكثير من الأعمال المعروضة في دورة المهرجان الحالية أن تجارب الشباب فيها الكثير من الاستسهال حتى على مستوى النص، ويعوزها أيضاً الاحتضان الفني، مضيفة «غير مقبول أن يتم التصوير بكاميرا تلفزيونية، ثم يتم التحويل بعد ذلك إلى نظام العرض السينمائي، لأننا لسنا بصدد شروط تتعلق بآلية التشغيل، بل بشروط فنية شديدة التباين بين نوعين من الدراما».

انحياز للتلفزيون

الفنانة الكويتية زهرة الخرجي التي تشارك بفيلم قصيرة هو «هدية»، أكدت أن انحياز الفنان الخليجي في ظل المعطيات الراهنة سيظل دائما للتلفزيون، مضيفة «قد يلجأ الممثل الخليجي إلى تجربة سينمائية على سبيل التجربة، لكنه يعلم أن أفقه الحقيقي للإبداع والكسب معاً مرهون بالدراما التلفزيونية».

وأضافت «يغامر المنتج الخليجي كثيراً عندما يقرر خوض تجربة سينمائية، فالأموال المدفوعة في الفيلم غالباً خرجت ولن تعود، وهو في نهاية المطاف لا يمتلك ميزانيات المؤسسات المعنية بنشر الثقافة السينمائية، التي ربما يكون من مهامها تخصيص ميزانيات لا تهدف إلى الربح المادي من أجل الخدمة المجردة للمجتمع».

وتابعت «أتصور أن ضعف أو غياب المردود الفني هو الإشكالية الجوهرية للسينما الخليجية التي تراوح مكانها»، مضيفة «من خلال متابعتي للأفلام المعروضة أرى أن الشباب الخليجي لايزال يراهن على صنع أفلام قصيرة جيدة، لكن معظم الأفلام الروائية التي شاهدتها تفصلنا كثيراً عن فكرة أن ثمة صناعة سينمائية خليجية آخذة في التشكل من خلال توالي المهرجانات المختلفة».

مشكلات فنية

الفنانة الكويتية زهرة عرفات ترى أن غياب الدعم الفني هو الظاهرة التي تعوق الحراك السينمائي الخليجي بشكل أكبر، مضيفة «أحرص في المهرجانات السينمائية بشكل عام على متابعة أكبر كم من الأفلام، لاسيما الخليجية، لكن للأسف معظم الأفلام التي شاهدتها في هذه الدورة تعاني مشكلات فنية جسيمة، تؤشر إلى غياب احتضان الشباب فنياً، وهو الأهم».

وأضافت «لا يوجد اشتغال على المخرج أو كاتب النص، وبالطبع الممثل، فنحن امام اعمال يصنعها هواة، لكن في المقابل يجب إخضاع أولئك الهواة إلى ورش عمل حقيقية وليست شكلية، تكسبهم على الأقل مهارات العمل الأساسية». وأشارت عرفات إلى أن عدداً محدوداً فقط من المخرجين بعضهم من درس الإخراج في الخارج، أو سعى إلى تطوير أدواته ليعي الفوارق بين التلفزيون والسينما، هم من قدموا تجارب جيدة في السينما الخليجية، وفيما عدا ذلك يبقى الأمر اجتهاداً يفصلنا كثيراً عن صناعة السينما العالمية عموماً، وكذلك العربية.

المخرجون الشباب أنفسهم يشخصون المعوقات التي تعترض إبداعهم بشكل مباشر، ويضعون في أولوياتها غياب التمويل، وعدم وجود مظلة لإبداعهم، فضلاً عن حالات من الرفض المجتمعي وغياب التقدير أساساً لفن السينما، وهو أمر ينطبق بشكل أكبر على المخرجين السعوديين.

استهجان اجتماعي

المخرج السعودي الشاب عبدالله أحمد لذي شارك في مختلف دورات الخليج السينمائي تقريباً، ويشارك هذا العام بفيلم قصير بعنوان «نصف دجاجة» يرى أن «ثالوث المعوقات بالنسبة للمخرج الشاب هو التمويل، وعدم وجود أكاديميات متخصصة على كفاءة عالية تدرس فنون السينما، فضلاً عن عدم تقدير أهمية ما يمكن أن يصنعه الشباب عبر شاشات السينما من طرح ومناقشة القضايا المجتمعية، ومن ثم المساهمة في تسليط الضوء عليها وحلها».

المخرجة السعودية الشابة هند فهاد، مخرجة فيلم «مقعد خلفي» ترى بإحباط شديد أن فرصة لحاق المخرج الخليجي عموماً بمستوى إبداع نظيره تبدو معدومة، مضيفة أنه «لا يوجد تقدير حقيقي لدور السينما الشبابية، بل إن دور العرض الحقيقية غائبة عن اكبر الدول الخليجية تعداداً ومساحة وهي المملكة العربية السعودية، ناهيك عن أن تكون المخرجة امرأة أو بنتاً، فهذه مصيبة أخرى تعرضها للاستهجان الاجتماعي». ورغم وجود عدد كبير من المؤسسات التي تعلن دعمها لصناعة السينما في الإمارات تتخطى ميزانيتها قدرات شركات إنتاج عالمية مرموقة أنتجت العديد من الأفلام المهمة في السينما العالمية، إلا أن فيلماً إماراتياً قادراً على جذب الجمهور لدور السينما لايزال غائباً، وهو ما يؤكده المخرج الشاب منصور الظاهري الذي يضيف أن «الكثيرين من الشباب ذوي الخبرة السينمائية التي تتجاوز ‬10 أفلام، في طريقهم للانسحاب بهدوء من هذا المجال، متأثرين بخسائر إنتاجية في ظل غياب الدعم، ووجود مؤسسات مهتمة بالسينما، لكنها لا تدعم مشروعات الشباب السينمائيين في الإمارات».

تويتر