‬15 عملاً لأناشار بصبوص في «آرت سوا» بدبي

«الكـون وأنـا».. منحـوتـــات تستدرج الشمس

صورة

يقيم الفنان اللبناني أناشار بصبوص علاقة متينة تكاد تصل مرحلة العشق بين منحوتاته والشمس، فنجده يحرص من خلال أعماله على إبراز انعكاسات الضوء الصادر عن أشعة الشمس من خلال مواد منحوتاته، وبأكثر من جهة، فينجح في خداع المتلقي فتبدو الأعمال كأنها في حركة ديناميكية. ويركز بصبوص في معرضه، الذي افتتح أخيراً في «آرت سوا» غاليري بعنوان «الكون وأنا»، على التشييد الهندسي للأعمال، بالإضافة الى الجانب التجريدي، راصداً عبر هذا التوجه الفني علاقته بالكون من خلال ‬15 عملاً نحتيا تتنوع بين الستانلس ستيل، والنحاس، والألمنيوم.

ما بعد الحداثة

أناشار الذي نشأ في عائلة فنية معروفة بعملها في النحت في لبنان، بدأت مع والده ميشال بصبوص واستكملت مع أعمامه جوزيف وألفريد، يحمل منهجاً مختلفاً وبعيداً عن الذي اتبع من افراد أسرته من قبل. هذا النهج الذي يتبعه الفنان اللبناني والذي ينتمي الى مرحلة ما بعد الحداثة، يبرز أهمية المادة لديه وكيف تتشكل اعماله من خلالها، فنجده مبتعداً عن توظيف الخامة لخدمة الفكرة. أما ما يرصده من خلال هذا المعرض الذي يستمر حتى ‬17 أبريل، فهو علاقة الإنسان بالكون، فيلجأ الى الجاذبية والعلاقة بين الطبيعة والبشر، ويوجد حواراً بين الكون المصغر الذي يبتكره والرجل، وبين الجسد والروح. كل هذه العلاقات الشائكة يطرحها الفنان اللبناني من خلال المواد الصلبة التي يمنحها الكثير من المرونة بفضل الطبقات التي يبنيها، فتبدو كأنها في حالة عناق أو تكسر، أو حتى تبدو كأنها تنجذب الى بعضها بعضاً عبر آلية مغناطيسية. هذه الآلية التي يشكل فيها مواده تمنح الأعمال خاصية الانتماء الى التجريد وتبعده عن التشخيص، على الرغم من منحه أسماء مباشرة لأعماله.

أشكال هندسية

أناشار و«راشانا»

يعد اسم الفنان اللبناني أناشار قراءة معكوسة لاسم قريته راشانا، والتي تحولت الى متحف مفتوح للنحت من خلال أعمال والده وأعمامه الذين حرصوا على أن تكون أعمالهم موجودة في الساحات العامة في هذه القرية. وقد بدأ مشروع عائلة بصبوص النحتي في هذه البلدة التي تقع في البترون في لبنان، مطلع الستينات مع ميشال بصبوص والد أناشار. وقد استكمل مشوار ميشال بصبوص بعد وفاته شقيقاه ألفريد وجوزيف، وقد انضم اليهما أناشار الذي لم يتأثر كثيراً بتجربة والده في حياته، كونه توفي وهو في سن صغيرة. وتقيم العائلة من أجل تحويل هذه القرية الى قرية نحت محترفاً سنوياً، يستضيفون فيه فنانين من الخارج، يعملون على انجاز أعمال نحتية يتركونها في القرية عربون وفاء ومحبة.

يلجأ بصبوص إلى تقسيم العمل الفني إلى أجزاء، فنجد أكثر اعماله تتجمع وتنبني من خلال المثلثات وأنصاف دوائر أو حتى المستطيلات، بطرق متعاكسة أو متراصفة، وهذا الذي يتيح انعكاس الضوء وتكسره على قطع العمل الواحد. هذا التوجه يبرز عشق بصبوص الآسر للأشكال الهندسية واعادة بنائها وتركيبها في الفضاء. كما ان هذا التكون الذي يعتمد على الأجزاء يجعل منحوتات بصبوص تعشق الساحات العامة والهواء الطلق، فتوجد لدينا شعوراً كأنها في حالة عناق مع الطبيعة. التوحد الذي ينشأ بين المنحوتات والطبيعة يستطيع أن يشعره المرء من خلال تحول الأعمال الى مرايا للطبيعة المجاورة، تتحرك عليها أغصان الأشجار، ويخيّل إلينا أننا نستمع الى الأصوات التي تصدر في فضاء الطبيعة من خلالها، هذا النوع من العلاقة بين العمل الفني ومحيطه لا يمكن ان تتشكل في حال وجدت الأعمال في قاعة مغلقة. وتعد هذه العلاقة التي توجد بين النحت والطبيعة البعد الجمالي الاضافي الذي تحمله منحوتات بصبوص، لأنه يجعلها جزءاً لا يتجزأ من المكان التي توجد فيه، ولهذا يمكن التأكيد ان أعماله تحمل دعوة الى اكتشاف العلاقة بين النحت وحركة الطبيعة.

مادة وروح

تتنوع الأسماء التي يطرحها بصبوص على أعماله، بدءاً من «غبار النجمة» أو «زهرة الصحراء» أو «طريق القمر»، لذا نجده تارة يركز على كواكب الكون، ويشكلها بحسب رؤيته الخاصة، وتارة يذهب الى الجانب اللامرئي ليبرز من خلاله الأفكار المتعلقة بالوجود الانساني، وذلك عبر «أجنحة الأفكار» و«المغازل». ويطرح بصبوص الكثير من الأفكار الفلسفية التي ترتبط بالأنا والمحيط، وكيف يرى الانسان هذا الكون الذي ينتمي اليه والذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ منه، فيوجد علاقة متداخلة قائمة على المادة والروح. هذان الجانبان اللذان يعتبران أساس أي تكوين في الحياة، هما ما يحاول بصبوص تقديمه بأسلوب عالي الحساسية وقائم على ابراز المشاعر وتدفقها من داخله الى المنحوتة. ولا تتوقف رؤيته للعلاقة بين الكون والانسان من خلال البناء الهندسي أو التركيب الجمالي، فنجده يحرص على ان يمنح الأعمال الجانب الفلسفي، لذا يسعى الى تناول جانب الحركة التغيرية في الحياة والكون، فيبعد المنحوتات عن الثبات، على الرغم من اعتماده على مواد شديدة الصلابة والجماد.

تتباين المواد التي يبني من خلالها بصبوص محاورته للكون بأسلوب حالم، فنجده يحرص على التنوع بين الستانلس ستيل والنحاس والألمنيوم والبرونز. وتظهر المواد التي يستخدمها انجذابه الى التحويل في المادة، فنادراً ما يتركها على حالها، بل يسعى الى منحها السطح الأملس الذي يضمن لها اظهار كل ما تحمل المادة من جماليات، وكذلك يتيح له بناء العلاقة بين المادة والطبيعة، كما يبرز حبه للأثر الذي يتركه الزمن على المادة، لذا نجده يمنح لون الصدأ للكثير من منحوتاته، فتبدو كأنها عتقت عبر الأزمنة الغابرة.

تويتر