بدأ عاملاً.. وأصبح مالك مصنع

سيف القيزي 70 عاماً في صناعـــــــــة السفن

صورة

سبعة عقود هي حصيلة السنوات التي قضاها الوالد سيف القيزي الفلاسي في صناعة السفن بجميع أنواعها، أهلته تلك الخبرة ليصبح مهندساً متخصصاً في تلك الصناعة، رغم أنه لم يرتد من أجل تعلمها أرقى الجامعات، بل اعتمد على ما ورثه من مهارة صقلتها صعوبة الحياة، ليتحول من صانع للسفن إلى أحد أشهر ملاك مصانع السفن في منطقة جداف دبي.

الفلاسي أو كما بات يعرف باسم «بلقيزي» اكد أنه أحد أقدم من مارس مهنة صناعة السفن، خصوصاً أنه تجاوز 100 عام من العمر، قضى منها 70 عاماً في احتراف تلك الصناعة وتطويرها ليتحول من صانع صغير إلى صاحب مصنع بلقيزي للسفن في دبي.

ولد «بلقيزي» في منطقة «ام هرير» في بر دبي، أما سنة ميلاده فقد أكد أنها السنة التي تعرف عند سكان الإمارات قديماً بـ«سنة الانجليز» وهي التي شهدت حادثة اعتداء الانجليز بالمدفعية على منطقة ديرة وتحديداً عام ،1910 وتعلم صناعة السفن، وهو لم يتجاوز السابعة من العمر، إذ بات عمه درويش بن مصبح القيزي أستاذه الأول في صناعة السفن، لاسيما أنه تربى في كنفه وعاش مع أبنائه، وتحديداً بعد وفاة والده عندما كان يبلغ من العمر أربع سنوات، إذ انتقل ليصبح «جلافا» محترفاً في صناعة السفن منها سفن الغوص والصيد ونقل البضائع والسفر، مثل الشواحيف والسنبوق وصمعا وبقارة والبوم والجالبوت والهوري لصيد الأسماك.

وذكر «بلقيزي» أنه صنع ثلاث سفن بطلبات خاصة لعدد من الشخصيات المهمة في الإمارات منهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فكانت عبارة عن يخت من الخشب استغرق تنفيذه 15 شهراً، بطول 175 قدما، ويحمل على سطحه نحو أربعة طرادات و70 شخصا، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، وكان أيضاً يختاً خشبيا استغرق تنفيذه 14 شهرا، إضافة إلى شخصية أخرى من عائلة المحيربي، كما صنع سفينة الصمعا بناء على توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة.

ولفت «بلقيزي» إلى أن «راتب الجلاف في الماضي لم يكن يتجاوز الروبية أو الروبية والنصف، رغم الجهد الكبير الذي يقوم به صانع السفن، إلا ان قسوة الحياة وصعوبتها دفعتا كثيرين منهم إلى تحمل مشقة الصناعة من أجل توفير لقمة العيش، كما أن بعض «الجلاليف» يكتفون بممارسة الصناعة في الشتاء أما في الصيف فيشاركون في رحلات الغوص بحثا عن اللؤلؤ، إلا أنه مع انحسار مهنة الغوص على اللؤلؤ والأسفار عبر البحار، تأثرت كثيراً صناعة السفن وقل الاقبال عليها».

تقاليد وآداب

صيانة دورية للسفينة

أكد الوالد سيف القيزي الفلاسي أن «السفن يجب أن تجرى لها صيانة دورية، بواسطة مواد كانت معروفة قديماً ولاتزال تستخدم في الوقت الحالي، منها (الصل) زيت السمك والذي يستخدم في طلاء السفينة من الداخل والخارج، ويجلب من اليمن، إضافة إلى (الودج)، وهي مادة شحمية مستخرجة من شحوم الماعز والأبقار، تستخدم لطلاء أسفل السفينة».

أما «الصولة»، وهي عبارة عن مادة تنظيف تخلط بالماء لتنظيف السفينة من الخارج والداخل، فيما تستخدم «الدامر» في منع تسرب الماء من فتحة المسمار داخل السفينة وهي عبارة عن مادة صمغية تستخرج من بعض الأشجار وتمزج بـ«الصل»، أما الفتيل فيضاف إلى الصل وهو عبارة عن خيط من القطن يدخل بين الألواح يمنع تسرب المياه، أما «المغر» فيستعملها الجلاف في رسم القياسات وهي مادة رملية طينية ناعمة حمراء اللون، شبيهة بالحبر.

وحول مواقع صناعة السفن التي تردد عليها، قال «بلقيزي»: «كنا نقوم بـ(خدمة الخشب) أي صناعة السفن في منطقة رأس دير، ولمدة 16 سنة وتحديداً عند بيت الشيخ مانع بن راشد بن مكتوم وبيت محمد بن دلموك أي المنطقة القريبة من مدرسة الأحمدية التي تردد عليها معظم أبناء المنطقة في تلك الفترة، بعدها انتقلت الصناعة لمدة سنتين إلى منطقة خالية تطل على خور دبي عند «بري حشر» ثم نقلت إلى بردبي لمدة 18 سنة وتحديداً في مكان حديقة خور دبي الحالية، أما الان فتتم مزاولة المهنة في منطقة جداف دبي».

ولصناعة السفن تقاليد وآداب تناقلتها الأجيال والأيدي التي مارست تلك المهنة الشاقة، إذ يراعى في الصناعة النظافة أثناء العمل والصدقية التي تحكم العلاقات والتعاملات بين التجار و«الجلاليف»، إضافة إلى أخذ الموازين والمقاييس بعين الاعتبار لضمان الحصول على منتج نهائي ذي جودة عالية، إذ برع «الجلاليف» في بناء سفن متعددة الأشكال والأنواع والمواصفات، معتمدين على الخبرة المكتسبة والمتراكمة عبر السنوات.

وتعتمد صناعة السفن على جودة الأخشاب المستخدمة، فمنها خشب «الساي» الذي يجلب من الهند، ويستخدم في بناء جسد السفينة وذلك لأنه يحول دون تسرب المياه أو حتى تشربها، كما يستخدم لصناعة سارية السفينة أنواع متعددة من الأخشاب منها «بن طيج»، و«فيني»، و«فن عين»، أما خشب «حطب الدوب» فيصنع منه إطار الشراع أعلى السفينة، أما الهيكل الداخلي للسفينة أو ما يعرف بأضلاعها فتتم صناعته بواسطة خشب «القرط»، أو «السيدر» أو «حطب باقة».

أنواع وتصاميم

وتنقسم السفن الشراعية بحسب ما ورد في كتاب أصدره متحف الشارقة البحري لتوثيق ذكريات من زمن بحار «يف القيزي»، إلى ثلاث فئات رئيسة وذلك بحسب تصميمها، منها سفينة الصمعا وهي تمتاز بأن الطرف الأمامي والدفة في القارب غالباً ما يكونان منحنيين قليلاً، فيما يزداد ذلك الانحناء في سفينة البوم، بينما يكون الطرف الأمامي في وضع عمودي في سفينة «الجالبوت»، وتبلغ قيمة سفينة الجالبوت بطول 60 قدما نحو 200 ألف درهم لا تشمل القيمة الشراع أو الحبال أو الفرامل.

وتصنع السفن بأحجام متنوعة تخدم الغرض من صناعتها منها التي تستعمل لصيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ قديماً، ومنها الجالبوت وهي سفينة متوسطة الحجم يبلغ طول قاعدتها 45 قدماً، وتتميز بعمود مقدمتها الرأسي وقدرتها الاستيعابية للحمولة والتي تراوح بين 25 و30 شخصا.

أما سفن «الشوع» و«السنبوك»، وهي سفن مخصصة للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، كما أنها تتميز بطرفها الخلفي غير المدبب وغالباً ما تزين بالنقوش وتراوح حمولتها بين 60 و70 شخصا، وسفن النقل البحري فتتسم بضخامة الحجم، والتي تستوعب حملاً كبيراً وتصميمها يساعد على التصدي للأمواج العالية في البحار العميقة مثل المحيط الهندي وبحر العرب.

تصنيع السفن

تبدأ عملية صناعة السفينة بحسب بلقيزي بعد اتفاق التاجر «النوخذة» الراغب في اقتناء سفينة مع صاحب العمل، وذلك لتحديد نوعها ومواصفاتها وكلفتها وأنواع الأخشاب المطلوبة وأجرة الجلاليف، ببسط القاعدة أو «البيص» بعد تحديد طول القاعدة الذي يصنع من خشب «الجنقلي» الذي يجلب من الهند ويتم تثبيته فوق قواعد عدة من الخشب على الأرض تسمى «الطعوم» على امتداد القاعدة، إذ يتم ربط «البيص» تمهيداً للبدء بتركيب الأجزاء الأخرى من السفينة.

يأتي لاحقاً تركيب لوحي مقدمة ومؤخرة السفينة ويطلق عليها «الأميال» وهما العمودان الأمامي والخلفي للسفينة، ويتم تركيب «الميلين» بالسفينة أحدهما في الجانب الأمامي ويسمى «ميل الصدر» والخلفي ويسمى «ميل التفر»، فالميل هو عبارة عن خشبة كبيرة مستطيلة الشكل بطرفي القاعدة لتحديد ميلان السفينة من الجهتين الأمامية والخلفية قبل البدء بتركيب بقية أجزاء السفينة.

ثم يقوم الجلاف بتركيب «المالك» وهما لوحان كبيران يوضعان على امتداد جانبي القاعدة «البيص»، ويتم تثبيتهما في حفرة مستطيلة على القاعدة، بعدها يركب «الجافتوه» وهو لوح طويل سميك يوضع فوق «البيص» ويثبت بالمسامير مع «المالك» و«الأميال»، حيث تدعم هذه الألواح قاعدة السفينة وتقويها، يأتي تالياً تركيب «الخلد» فوق «المالك» على كل جانب من جانبي السفينة، والخلد هو اللوح الثاني من جسم السفينة. كما يركب عدد من القطع فوق «البيص» في جوف السفينة وتسمى «الفرمة» وهي قطعة من الخشب يتم توصيل بعضها ببعض على شكل شبه دائري لتحديد شكل هيكل السفينة، أما تركيب «الشلمان» يكون بين كل قطعة، وتتكون «الشلمان» من قطعتين متطابقتين تشكلان شبه دائرة غير مكتملة.

ثم يأتي تركيب أخشاب مكملة للأضلاع توضع فوق «الشلامين» وتسمى القطعة الواحدة منها «تناكسه»، وتضمن تلك القطع تثبيت ألواح جسم السفينة، ثم يقوم الجلافي بتركيب الألواح وربطها بالأضلاع للوصول إلى اللوح الذي يطلق عليه «القيطان»ويتم تركيبة بعد اكتمال دوران جسم السفينة بالقرب من السطح، يأتي بعدها تركيب صاري السفينة أو «دقل»، كما توضع فتائل من القطن مغموسة في السمسم أو جوز الهند، توضع بين الألواح المكونة للسفينة لمنع تسرب الماء.

تويتر