حرفة من الماضي تصارع من أجل البقاء

صناعة الدمى.. تــراث يرتبـط بأنامل الجدات

صورة

تعكس الدمى القديمة، أو ما يعرف بـ«العرائس»، جزءاً من ثقافات الشعوب، بما تحمله من موروث فكري وطقوس ارتبطت وميزت حضارة عن سواها، وعرفت الدمى التي ترتبط بأنامل الجدات، ومحاولاتهن إسعاد أحفادهن، طريقها إلى التراث الإماراتي منذ زمن طويل، إذ كانت ذات مغزى شديد الخصوصية في البيت الإماراتي، وتحديداً لدى الفتيات.

وبهدف حفظ هذا التراث، واحياء لذكريات الطفولة، وتعميق الارتباط بأواصر الماضي الجميل، ينفذ مركز الحرف اليدوية في الشارقة، برامج تدريب وورش عمل مكثفة لصناعات شعبية تقليدية تصارع من أجل البقاء، خصوصاً أنها باتت مهملة في ظل وجود صناعات حديثة.

دعم

لضمان تعزيز الهوية الإماراتية وحماية التراث الشعبي من الاندثار وبهدف تقوية الارتباط بالموروث التقليدي وتشجيع الصناعات القديمة، يقوم مركز الحرف اليدوية في الشارقة، باحتواء المنتسبين له ورفع مكانتهم الاجتماعية من خلال تنمية قدراتهم وتوسيع مداركهم وتسويق منتجاتهم الحرفية.

ويهدف المركز لدعم الحرفيين الإماراتيين وإيجاد فرص عمل جديدة لهم، وصقل مهاراتهم التسويقية، وتدريب الشباب على الاهتمام بالحرف اليدوية لضمان نشر الوعي بقيمة المنتجات الحرفية وأهميتها، ودراسة وتوثيق الحرف والمهن التراثية، والترويج للمنتجات الحرفية والعمل على تسويقها، وفتح أسواق للمنتجات الحرفية الإماراتية محلياً وعالمياً واستحداث الوسائل الكفيلة بزيادة وإبراز الإنتاج الحرفي.

ومن أهم الصناعات الشعبية التي دأب مركز الحرف اليدوية بالشارقة على احيائها، صناعة الدمى الشعبية، وتحديداً المصنوعة من القماش، إذ تقوم منتسبات لمركز الحرف اليدوية بتعليم صناعة الدمى للفتيات، وتلقينهن كيفية خياطة دمية متكاملة الخطوات، ليحصلن في النهاية على دمية صغيرة ذات خصوصية، لاسيما أنها صنعت بأيديهن.

جدات

منذ 14 عاماً والإماراتيتان موزة عبدالله حسن (أم عزان) وموزة راشد سيفان (أم أحمد)، تمارسان صناعة الدمى القماشية التي تعد واحدة من أقدم الحرف اليدوية التي مارستها الجدات في الماضي، لما تحمله تلك الدمى من قيمة تراثية، ورباط يمكن اعتباره مقدساً لدى تلك الصانعات لضمان اسعاد حفيداتهن، خصوصاً ان الدمية تصنع لأشخاص دون سواهم، الأمر الذي يعكس الخصوصية والفرادة في الصنع.

وواكبت «أم أحمد» و«أم عزان» تاريخ تطور الدمى التي تباع حالياً في منافذ البيع والأسواق المحلية، وأشارتا إلى أن هذا التطور في تلك الصناعة عكس تداخل الثقافات والهويات في الدولة، خصوصاً أنه من النادر ما تعرض للبيع دمى ترتدي الأزياء الإماراتية التقليدية، مثل البرقع والشيلة والعباءة وحتى الجلابية المشغولة بالتلي، كما أن التنوع شمل المواد المصنوعة منها الدمية، فتحولت الدمية من خشبية إلى دمية قماشية وخزفية وصولاً إلى الدمية المطاطية والبلاستيكية.

ولأجل دعم واحياء جزء من الموروث الشعبي، تشارك «أم أحمد» و«أم عزان» في معظم الاحتفالات الوطنية والتراثية، وكان آخرها مهرجان أيام الشارقة التراثية، الذي نظم في ابريل الماضي، إذ سعتا من خلال المشاركة إلى تسليط الضوء على الحياة القديمة، والحفاظ على الفنون الشعبية من الاندثار، والاهتمام بالأزياء الشعبية التراثية، والمنتجات الشعبية القديمة مثل الدمى والبراقع، إضافة إلى التلي والمأكولات الشعبية.

لوازم

تبدأ صناعة الدمى القديمة والمصنوعة من قماش، بتحضير المواد اللازمة، من بينها قطع من القماش القطني، وحبال عريضة وقطن أو صوف وقماش أسود خفيف وقماش من القطن الأبيض، إضافة إلى قماش «الشيل» وهو القماش الأساسي لصناعة البرقع، وقماش «ضوء الجافلة»، ويتوافر بثلاثة ألوان الأحمر الأغلى ثمناً، والأصفر، والأخضر، وغراء لتثبيت الدمية وخيوط قطنية.

واستعرضت «أم أحمد» طريقة صناعة الدمى قائلة إنها «سهلة وبسيطة، إلا انها تحتاج إلى دقة متناهية، وتبدأ بقص الأقمشة القطنية المزخرفة والملونة بألوان مفرحة على شكل (كنادير) أو جلابية بحسب الدمية إذا كانت بنتا أو ولدا، كما يجب أن تتناسب الأقمشة مع الألوان الدارجة قديماً مثل القماش المنقط و(المشجر) بألوان الأزرق والأبيض والأحمر والأخضر».

بعد قص «الكندورة» تقوم (أم احمد) و(ام عزان) بخياطة الأطراف المفتوحة من القماش مع ابقاء فتحة في وسط «الكندورة» لإدخال رأس الدمية، ثم تقص قطعة من قماش القطن الأبيض (قماش القورة) على شكل مستطيل وحشوها بكمية من القطن وتدوريها مع ربطها بخيط أبيض في الوسط لتصبح على شكل كرة وتكون رأس الدمية، وما تبقى من القماش يكون بمثابة جسدها.

ولفتت (أم أحمد) إلى ضرورة احكام ربط رأس الدمية حتى لا يسهل فتحه، وتسرب القطن من داخله، لذلك يجب استخدام نوع سميك من الخيوط، وبعد الانتهاء من الرأس يأتي دور تشكيل اليدين، والباس الدمية الكندورة التي تكون جاهزة قبل البدء في صناعة الدمية، وتُصنع اليدان من حبال بيضاء تثبت تحت رأس الدمية مباشرة على القطعة القماشية المتبقية، ويستخدم الغراء القوي لتثبيتها.

بعد الانتهاء من الدمية يتم الباسها الكندورة مع طلاء ما تبقى من القماش الأبيض الداخلي بالغراء لضمان تثبيتها واعطاء الشكل شبه النهائي للدمية، التي تحتاج إلى برقع، وهو ما يميز المرأة الاماراتية، إذ يُستخدم لصناعته قماشا الشيل أو «ضوء الجافلة»، وهما من أجود أنواع الأقمشة المخصصة لصناعة البراقع، التي بعد قصها تلصق على وجه الدمية التي ترسم بواسطة القلم الأسود ملامح وجهها من عيون وفم.

ويوضع على رأس الدمية غطاء الرأس أو ما يعرف بالشيلة، ويكون من القماش الأسود الخفيف، وفي أحيان أخرى يمكن الاستغناء عن الشيلة واستغلال القماش الأسود لصنع ضفيرتي الدمية، خصوصاً إذا كانت الدمية مصنوعة لطفلة، أما الفتاة فتصنع دميتها بالزي التقليدي لضمان التزامها بغطاء الرأس والبرقع التقليدي الذي يحفظ خصوصية المرأة.

تويتر