في معرض « تراتيل من الجنة » بصالة فرجام

السجّاد.. حكايات أمـــم كتبها الصوف

نهيان بن مبارك ود. فرجام في افتتاح المعرض. تصوير: أشوك فيرما

بين 14 قطعة من السجاد النادر من العهد الصفوي يشعر زائر معرض «تراتيل من الجنة»، الذي افتتح أخيراً، في صالة فرجام في مركز دبي المالي، ويستمر حتى مطلع نوفمبر المقبل، بانه يقرأ قصة تحكي حياة بشر نسجوها عبر خيوط الصوف، لينقلوا تجربتهم في صناعة هذا النوع من الفنون الى العالم بل وليخلدوه، فبين القرنين السادس عشر والسابع عشر ازدهرت صناعة السجاد الاصفهاني، وذاع صيته في العالم كله.

المعرض الذي افتتحه الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ووزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عبدالرحمن محمد العويس، عرض قطعاً يزيد طولها على 15 متراً، والتي كانت جزءاً من تحف القصور قبل ما يزيد على 400 عام.

نَسَب السجاد

حياكة السجاد كانت تتطور مع تطور المكان حسب بطاقات الشرح التي الصقت على قطع السجاد المعروضة، وطريقة حياكة القطع كانت تنسب الى المدن والقرى، فالحبكة الاصفهانية تختلف عن الحبكة التركية والحبكة الشاهية. فالسجاد الأصفهاني، على سبيل المثال لا الحصر، الذي بقي منه ما يقارب 2000 قطعة في الزمن الحالي، ازدهرت صناعته في عهد الشاه عباس الأول، الذي جعل من أصفهان عاصمة بلاد الفرس، وكان قد حول مهنة صناعة السجاد من حرفة اختص بها البدو الرحل، إلى صناعة وطنية، وهو الذي أدخل الرسومات على السجاد كي يميزه كرسم الطبيعة وما تنتج. فتتطور الحياة ويتطور معها فن السجاد، ويعرفه سكان المدن، فأضافوا اليه من مدنيتهم وحياتهم، وبدأ المصممون والفنانون الابتكار، لتتحول إحدى حرف الزمن القديم الى فن له قواعد وأصول، ويصبح رمزاً للثراء والمكانة التي تستغرق صناعة الواحدة منها شهوراً، وسنوات أحياناً، وينتقل من جيل الى جيل ايضاً.

اهتمام رئاسي

حقب تاريخية

تتضمّن مقتنيات د. فرهاد فرجام قطعاً تمثل الإسلام بكل حقبه وأوجه حضارته، كما تمثل مساحة جغرافية شاسعة تمتد من الأندلس إلى الهند في عهد المغول، وتشمل مخطوطات قرآنية، ونصوصاً قديمة، ولوحات خطيّة، وكتباً في العلوم والرياضيات، ودواوين شعر، فضلاً عن مشغولات معدنية مزخرفة، ومشغولات زجاجية، وزخرفيات ومنمنمات وفخاريات ومنسوجات ومجوهرات وقطعاً نقدية معدنية، وغيرها الكثير.

يُذكر أن ثمة قرابة 2000 من قطع السجاد التي تعود إلى عهد الصفويين موزعة حول العالم اليوم، غير أن قلة قليلة منها موجودة بمنطقة الشرق الأوسط، ما يجعل معرض «تراتيل من الجنة» فرصة مهمة للتعرّف، عن قرب، الى جمالية وبراعة هذه الحرفة وجذورها الضاربة في التاريخ.

السجاد الايراني هو الأكثر شهرة، بسبب اهتمام حكام ايران بهذه الصناعة، فمنذ أكثر من 500 عام كانت الأسرة الحاكمة في إيران هي الأسرة الصوفية. وقد عشق الشاه عباس الصوفي فن السجاد، فحظي صانعو السجاد في عصره بمكانة رفيعة، حتى ان أشهر صانع للسجاد في عصره كان يجلس على يمينه قبل مجلس رئيس الوزراء، وأحيانا كان تكريم الحكام للفنون يصل الى تعيينه وزيراً للفنون، وتنوعت صناعات المدن التي تنتج السجاد بأنواع مختلفة من الصوف والحرير، تختلف نوعيتها حسب ظروف المناخ، ففي الشمال وعلى حدود روسيا نجد نوعية الصوف ناعمة جدا، وغاية في الرقي، وتتميز بلمعة براقة، أما في الجنوب، حيث الجو الحار، فيكون الصوف خشناً نوعاً ما، ولا توجد به لمعة، فحياكة السجاد في ايران كانت تعتمد على ما تنتجه الفصول من الوان الطبيعة، فمن أبرز القطع في المعرض سجادة بمساحة (343 سمX 138سم)، وهي مثال على سجاد «شاه عباسي»، ارضيته حمراء اللون وفاقعة وحدودها خضراء، وتجد في وسطها تشكيلة جميلة من رسوم سعف النخيل ملونة بالوان براقة كالبرتقالي، أما الحدود الصغيرة فتمثل ثماني وحدات، تراوح في التصميم بين خطوط بسيطة ملونة راسخة، وأغصان ثنائية اللون تبرز منها الزهور، وزهور أخرى مترابطة ببعضها عبر مجموعات من السحب المتسلسلة.

أمانة تاريخية

يسجل السجاد تاريخ الشعوب، وأسماء مدنه التي وضعت طابعها بين خيوطه، كالسجاد الأصفهاني نسبة الى مدينة أصفهان، والتبريزي نسبة الى تبريز، وقم نسبة الى مدينة قم، وحملت كل سجادة طابع مدينتها، وما اشتهرت به من رسومات وألوان حصلت عليها من النباتات التي تنمو في المدينة، واستخدمتها في صباغة خيوط السجاد. وكما اشتهرت إيران بصناعة السجاد اليدوي، اشتهرت مصر، أيضاً، بذلك الفن الذي عرفه أهلها منذ فجر التاريخ، ومازالت مدن وقرى بعينها في مصر، مثل: أخميم، وفوه، وأسيوط، تخرج أجمل لوحات السجاد، الى جانب قرية الحرانية التي يغزل أهلها أروع لوحات السجاد بتلقائية شديدة، حيث بدأت صناعة السجاد في تركيا، والهند، وإيران، وباكستان، والصين، ثم دخلت مصر بعد ذلك بنحو 300 عام، وتحديدا أيام المماليك. وصانعو السجاد يؤرخون لذلك بالسجاد المملوكي، وكان ذلك أمرا طبيعيا، نظرا لأن الأماكن التي أتى منها المماليك كانت تشتهر بصناعة السجاد.

معايير للقيمة

الصوف، والحرير، والقطن هي الخامات التي يصنع منها السجاد، ويعد الصوف المأخوذ من بطن الخروف الصغير أجود أنواع الصوف وأغلاها.

وترتبط الجودة، أيضا، بالمكان الذي يعيش فيه الخروف، ونوعية المرعى، والمناخ ما بين الحار والبارد والجاف، فقيمة السجاد تختلف تبعاً لنوعية الصوف ومكانه في الخروف.

وهناك نوع آخر من السجاد يختلط فيه الصوف بالحرير، ومن المعروف أن السجاد الحرير بدأت صناعته في المدن فقط، ليتناسب مع الحياة المرفهة لأهلها، بعكس أهل البدو الذين يصنعون السجاد من الصوف والقطن، وإذا كانت إيران تمتاز بالسجاد المصنوع من أرقى أنواع الصوف، وتركيا بالحرير، فإن الصين تمتاز بأرقى أنواع الصوف، حيث يأخذونه من حيوان اللاما المشهور، حتى ان الصين منعت تصدير صوف اللاما لندرته وجودته.

ويحدد عدد العقد الموجودة في السجاد قيمتها، والعقدة في السجادة تعني عدد العقد في السنتيمتر الواحد في أثناء غزلها، فهناك سجادة بها 12 عقدة أو 24 عقدة أو 64 عقدة في السنتيمتر. وكلما زاد عدد العقد ارتفعت قيمة السجادة، لأنها تستغرق فترة أطول في الصنع.

تويتر