قبِل منصب وزير الثقافة لمدة 10 أيام في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك

عصفور: لابد من محاكمة أبواق السلطة

جابر عصفور: دخلت الوزارة في مهمة إنقاذ وطني. من المصدر

أكد أستاذ النقد الأدبي د.جابر عصفور أن أي مثقف جعل من نفسه بوقاً للسلطة هو خائن لثقافته وخائن للثقافة بشكل عام، ويستحق المحاكمة، التي لا تعني بالضرورة المحاكمة أمام القضاء، ولكن محاكمة الشعب والجماهير له من خلال تجاهله وتجاهل إنتاجه. معرباً عن تفاؤله بالمستقبل الذي ينتظر مصر في الفترة المقبلة. كما أشار إلى ان تنازله عن جائزة القذافي العالمية للآداب، التي حصل عليها العام الماضي، جاء بعد أن رأى ما يحدث الآن من ذبح وقتل ومجازر بحق الشعب الليبي «الذي يمثل امتدادا للشعب المصري لما يربط الشعبين من علاقات جيرة ونسب بين القبائل في البلدين». موضحاً ان قبوله الجائزة من البداية جاء احتراما للمبادئ المعلنة للجائزة وللجنة التحكيم المسؤولة عنها. رافضاً وقتها مقابلة القذافي أو تسلّم الجائزة منه، وسلمها له رئيس الوزراء الليبي في ذلك الوقت، والذي استقال من منصبه خلال الثورة الليبية حالياً، وانضم للشعب والثوار.

مشيراً إلى ان «العالم العربي يعيش أزهى عصور الأدب العربي، وأنه يعيش عصر الرواية بامتياز».

ورفض عصفور الذي شغل منصب وزير الثقافة في الحكومة المصرية لمدة 10 أيام قبل ان يتقدم باستقالته قبيل تنحي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، التعليق على اختيار محمد الصاوي وزيراً للثقافة خلفاً له. كما رفض ما ينادي به البعض من إلغاء وزارة الثقافة في مصر. موضحاً ان هناك فارقاً بين وزارة الثقافة ووزارة الإعلام التي تم إلغاؤها اخيراً في مصر. وشدد على أهمية الدور الذي تقوم به وزارة الثقافة في مصر، خصوصاً في ظل ارتفاع نسبة الأمية، ووجود مخاطر كبيرة مثل التعصب الديني ومخاوف فقدان الهوية، حيث تتولى الوزارة هنا مهمة ضبط إيقاع الثقافة العامة للناس. وأضاف «أوروبا بلا استثناء فيها وزارات ثقافة، بما في ذلك انجلترا التي لا يوجد فيها وزارة للإعلام، وهو ما يشير إلى إحساس هذه الدول بأهمية هذه الوزارة، بينما نحن في مصر والعالم العربي أكثر حاجة إلى وزارة الثقافة لتتولى رعاية الأدباء الشبان، ولدعم أسعار الكتاب، وتبني المشروعات الثقافية الكبرى وإصدار الأعمال الموسوعية التي لا يقبل عليها الناشرون بسبب بحثهم عن الربح، وغير ذلك من المشروعات المهمة».

كما رفض عصفور الإجابة عن تساؤل حول إمكانية قبوله منصب وزير الثقافة إذا ما عرض عليه مرة أخرى بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، وتشكيل حكومة جديدة. قائلا «لكل حادثة حديث، ولكنني (زهقت) من العمل العام، وبلغت من السن ما يجعلني أتجه لإتمام الكتب التي احلم بإنجازها». وأوضح عصفور أن قبوله منصب وزير الثقافة، رغم خروج الشارع المصري مطالباً بسقوط النظام في ذلك الوقت، جاء بناء على شروط وضعها من أهمها ان تكون هناك حكومة ائتلاف وطني تضم ممثلين للقوى الوطنية كافة، و«لكني اكتشفت ان الحكومة التي تم تشكيلها تنتمي إلى الحزب الوطني بالكامل، وأنا لا احترم هذا الحزب، وأرى انه مسؤول عن الكثير من الكوارث في مصر. لذلك كان من المستحيل ان أظل في وزارة لا تؤمن بالائتلاف الوطني، ولا يتردد بعض وزرائها في ان يصفوا شباب الثورة بـ(البلطجية)». لافتاً إلى أنه عندما عرض عليه تولي الوزارة اعتبر نفسه في مهمة إنقاذ وطني لمتاحف الدولة، «وهي مهمة مرعبة، وكنت على استعداد لتحمل كل اللوم الذي انهال عليّ في سبيل إنقاذ ثروات مصر التي حرص شباب الثورة على حمايتها بأجسادهم من التخريب والنهب عندما شكلوا دروعاً بشرية لحماية المتحف المصري».

وشكك عصفور في إمكانية سيطرة التيار الديني على الحكم في مصر في الفترة المقبلة، مضيفاً «بالتأكيد يظل التخوف من هذا الاحتمال قائماً. ولكنه يتراجع في حالة حدوث انتخابات نزيهة، يشارك فيها الإخوان المسلمون باعتبارهم إحدى القوى الوطنية، وليس كفزاعة كما كان يتم استخدامهم من قبل، خصوصاً بعد ان ظهر بوضوح خلال الثورة والتظاهرات التي يشهدها الشارع المصري وميدان التحرير انهم ليسوا الأغلبية، وإنهم لا يتمتعون بالشعبية التي كان النظام السابق يسعى لإيهامنا بها».

واعتبر عصفور، الذي حلّ ضيفاً على المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحـب السمـو رئيس الدولـة في أبوظبي لتقديم محاضـرة ضمن فعاليات المركز، أن «أزمة الثقة حالياً لا تقتصر فقط على المثقف المصري من جهة والجماهير من جهة أخرى، ولكنها بين الجماهير والدولة ككل، وهي ميراث أكثر من لـ30 عاماً من القهر والاستبداد، ولابد من وقت حتى تستعيد الدولة هذه الثقة». مرجعاً تخلف المثقفين عن حراك الشارع وعدم قدرتهم على مواكبة ثورته إلى انهم «لم يحرصوا على تكوين جبهة قوية، ولديهم أمراض لم يتخلصوا منها بعد». مشيراً إلى انه بات يطلق على «ميدان التحرير» في وسط القاهرة الذي شهد أحداث ثورة 25 يناير، «ميدان الاغتسال»، بعد ان أصبح المثقفون، حتى الذين كانوا ينتمون إلى الجهات الرافضة للثورة، يعتقدون انهم بزيارة ميدان التحرير والبقاء هناك ليلتين يتطهرون من الماضي، «ولكن على كل مثقف عاقل ان يؤمن بضرورة ان يتغير فعلياً، فلا يلجأ إلى تخوين الآخرين، وأن يحترم الاختلاف في الفكر ويتقبله».

«نوبل» والعرب

وكان عصفور قدم مساء أول من أمس، محاضرة بعنوان «تحديات الناقد الأدبي المعاصر»، نظمها المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحـب السمـو رئيس الدولـة في ابوظبي، أوضح فيها ان عدم فوز أديب عربي بجائزة «نوبل» بعد الأديب المصري نجيب محفوظ لا يعني ان العرب ليس لديهم من يستحق الجائزة، مشيراً إلى ان العرب قدموا أسماء عدة تستحق الفوز مثل الشاعر الراحل محمود درويش وادونيس وغيرهما، وبالفعل يترشح اسم او اسمان كل عام، لكن للجائزة آلياتها الخاصة، كما ان الفوز بها يأتي نتيجة لترجمة أعمال الكاتب للغات غربية والكتابة عنه وعن أعماله من كتاب غربيين حتى يتم لفت الانتباه إليه وإلى إنتاجه الأدبي.

وأكد الناقد المصري أن العرب ليس لديهم نظريات نقدية خاصة بهم، وأن أمامهم الكثير من الوقت حتى يمتلكوا نظرية نقدية عربية، نتيجة لعجز علاقات المعرفة وأدوات إنتاجها عن ان تصل إلى مرحلة بلورة مثل هذه النظرية.

معايير الـ«بوكر»

وحول جائزة البوكر للرواية العربية، أشار إلى انها لم تكن موفقة العام الماضي في اختيار الروائي الكويتي طالب الرفاعي رئيساً للجنة التحكيم «فهو غير قادر على رؤية المشهد الروائي بالكامل» حسب عصفور، حيث ذهبت الجائزة لرواية «ترمي بشرر» للكاتب السعودي عبده خال، و«هي ليست أفضل الروايات السعودية»، فهناك أعمال أخرى ذات مستوى متميز، من بينها رواية «ساقي الغراب» للكاتب السعودي محمد القاسم، التي لم تحظ رغم تميزها بحقها من الاستحسان النقدي. معتبراً ان اعتماد مبدأ «الأكثر انتشاراً وتوزيعاً» في تقييم الكتب الصادرة وفقاً على حجم مبيعاتها، من أخطر المعايير على الأدب، حيث تعلو معدلات التوزيع فوق القيمة الفنية والجمالية للعمل الأدبي، وهناك أعمال وزعت ملايين النسخ، رغم ان قيمتها الفنية ليست بهذا القدر من بينها رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، التي تعد تقليداً لرواية نجيب محفوظ «ميرامار»، وهناك أيضاً رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع، أو «برهان العسل» لسلوى النعيمي، وهي أعمال لا يمكن مقارنتها من حيث القيمة الفنية بأعمال ذات قيمة حقيقية مثل «غرناطة» لرضوى عاشور على سبيل المثال، وينطبق الأمر على الأدب الغربي أيضاً، فهناك الرواية ذائعة الصيت «شفرة دافنشي»، وهي تقليد لرواية الكاتب الايطالي ايكو «اسم الوردة».

ودعا عصفور النقاد إلى اختيار الأعمال التي تكشف عورات المجتمع في كتاباتهم، لأنها تسهم في تحريك وعي القارئ بما يسهم في تطوير المجتمع. وأيضاً التمسك بإعلاء القيمة الفنية في ما يقدمونه من نقد، بدلاً من ان يقتصر نقدهم على تفسير العمل فقط. مشيراً إلى ان الناقد قد يلجأ لعدم التعرض للقيمة الفنية للعمل هرباً من إرهاب الأدباء أنفسهم، وكثير منهم يشرف على مطبوعات أدبية، أو يتهرب من إرهاب المجتمع الذي قد يعجب بعمل ما ويرفض التعرض لقيمته الفنية.

واستعرض أستاذ النقد الأدبي في جامعة القاهرة، ابرز التحديات التي يواجهها الناقد العربي والمثقف العربي أيضاً. وهي تنقسم كما أوضح، إلى تحديات معرفية ومنهجية ونصية، وتحديات سياسية واجتماعية. مشيراً إلى ان العالم العربي يعيش أزهى عصور الأدب العربي، فهو يعيش عصر الرواية بالفعل. مستطرداً «الشعر موجود طالما وجدت المشاعر والأحاسيس، ولكن هناك تحولات اجتماعية تسهم في ازدهار أجناس أدبية معينة، ونحن مقبلون على عصر الجماهير المتوحدة في المدن، والرواية هي الأقرب لالتقاط شيفراته، ويمكن ان نتحول إلى نظام حواري وقتها يصبح المسرح هو الأنسب».

تويتر