الكتاب المطبوع.. «متهم بيئياً»

بيئيون: صناعة الكتاب يجب ألا تجور على التوازن البيئي.

دعا مسؤولون بيئيون إلى عدم الإفراط في قطع الأشجار لاستخدامها في إنتاج الأوراق، وقالوا إن إنتاج طن من الورق يحتاج إلى اجتثاث 17 شجرة، وحمّلوا صناعة الكتاب جزءاً من مسؤولية التغير المناخي، وارتفاع درجات حرارة الأرض التي ارتفعت بمعدل ثلاث درجات مئوية منذ قيام الثورة الصناعية في عام 1750 وخطورة ذلك على النشاط البشري.

ورأى ناشرون إلكترونيون أنهم يسهمون في حل تلك الإشكالية، ورأوا ضرورة الحد من المطبوعات الورقية في ظل النشر الحديث.

في المقابل، تساءل أصحاب دور نشر عن أيهما أكثر ضرراً بالبيئة: طبع كتاب، أم قيادة سيارة دفع رباعي ذات معدل انبعاث عالٍ لغاز ثاني أكسيد الكربون؟ وأيهما يؤثر في الاحتباس الحراري أكثر؟، مضيفين أن المسألة مجرد فقاعة أثارها ناشرون إلكترونيون، رافضين تحميل وزر التغير المناخي للمطبوعات والكتاب الذي يستخدم ورقاً معاد التدوير، خصوصاً في ظل عدم وجود بدائل.

وترى دراسات أن ارتفاع درجات حرارة الأرض، والذي يراه المشككون في خطورة أثر النشاط البشري على الأرض هامشياً، لا يمكن مواصلة الاستهتار بعواقبه، حيث تؤكد الدراسات أنه في حال تواصل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على معدلاتها الحالية، فإن حرارة الأرض سترتفع بمعدل ست درجات مع حلول العام 2100. ويقدر إنتاج العالم السنوي من الورق بـ300 مليون طن، نسبة 10٪ فقط من هذا الإنتاج من الورق المعاد تدويره.

وإذا كانت صناعة طن من الورق تتطلب حسب احصاءات علمية اقتطاع 17 شجرة، طول كل منها 11 متراً، فإنه وبالتأكيد هناك كلفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتصنيع الورق والطباعة، ومن ثم نقل الكتب أو الأشجار على هيئة كتب، هل يمكننا طرح مفهوم ان الكتاب «مسؤول بيئياً»؟ وهل أنت مستعد لدفع سعر أعلى لمصلحة الكتاب الذي يراعي المعايير البيئية، كتاب «بيئي»؟.

«الإمارات اليوم» طرحت الموضوع على خبراء وناشرين ومثقفين، في أروقة معرض الشارقة للكتاب الذي أسدل الستار على فعالياته أخيراً. لتقف على مسألة استهلاك الورق والطباعة.

طن ورق = 17 شجرة

ويقول مدير مشروع البيئي الصغير في بلدية ابوظبي، المهندس البيئي عماد سعد، إن «إنتاج طن من الورق يحتاج الى 17 شجرة عمر الواحدة منها 50 سنة». ويعارض بشدة اجتثاث الغابات، طالما يمكن توفير بدائل تتمثل باستخدام الورق المعاد تدويره.

ويضيف أن «مختصين يرون أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن إعادة تدوير الورق عالية مقارنة بإنتاج الورق».

ويشدد سعد على دور الأشجار، وتحديداً الغابات الماطرة في مناطق مثل الأمازون في إيجاد توازن بيئي، قائلاً «الشجرة تفيدنا بتنقية الهواء، من ثاني اكسيد الكربون وإعطائنا الأوكسجين، هذه العملية التبادلية لو اتينا بآلة صناعية تقوم بالدور نفسه ستقارب كلفتها 200 الف دولار في السنة، في المقابل تمنحنا الشجرة خدمات تنقية الهواء وضخ الأوكسجين بما يعادل 200 الف دولار في السنة، هذه الخدمات غير منظورة فكيف لنا ان نجتث الغابات لمصلحة إنتاج الورق».

ويقدم مدير عام هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، عبدالعزيز المدفع، وجهة نظر وسطية مقارنة بزميله سعد، ويقول «استخدامات الخشب لصناعة الورق وغيره ستستمر، لكنه يدعو إلى تقنين هذه الاستخدامات، معتبراً أن الشجرة مورد طبيعي من الله، ويجب استغلاله من دون تخريب البيئة»، ويتفق مع وجهة النظر التي تقول أن النشر الإلكتروني «يوفر حلاً مقبولاً».

ثقافة التصحر

وينظر الناشر الأردني صاحب دار مجدلاوي، ابراهيم مجدلاوي، إلى المسألة من بعد آخر، ويقول «نحن أمة اقرأ التي لا تقرأ، نحن أصلاً نعيش ثقافة التصحر من مفهومها الواسع». ويتابع «دخول عالم النشر الإلكتروني سيحد من الآثار البيئية للمطبوعات».

الناشر الإلكتروني أحمد عبدالمنعم، أكثر حماسة لفكرة البيئة، ويدعو إلى إعادة تدوير الورق، لكنه يتجه بقوة نحو بديل النشر الإلكتروني، فالكتاب الإلكتروني على حد تعبيره، أخف وزناً، وغير قابل للتلف، وسعره زهيد، مقارنة بالكتاب المطبوع.

ويرى الناشر الإلكتروني عمر خليفة من مؤسسة الخليفة للنشر الإلكتروني المصرية أن الطباعة، وما يترتب عليها من استهلاك للأشجار، كانت أمراً محتوماً في الماضي، لكنه يستهجن مواصلة هذه الممارسة مع بزوغ النشر الإلكتروني، الذي يعتبره يسير الاستخدام، ويمتاز بقدرته التفاعلية مع القراء، وإمكانية تطويره بشكل مستمر، خصوصاً في مجالات التعليم الإلكتروني».

مصير

وتختلف مع الرأي السابق، صاحبة دار العين المصرية الدكتورة فاطمة البودي، موضحة «الكتاب الإلكتروني لن يحلّ مكان الكتاب المطبوع، وقطع أشجار الغابات لإنتاج الورق لا يتم في منطقتنا العربية»، متجاهلة مسؤولية مستهلكي الورق أينما كانوا، ودور الغابات الماطرة في الأمازون تحديداً في إيجاد توازن بيئي، ليس في موطنها البرازيل فحسب، بل على مستوى العالم. وتستدرك «من غير اللائق ان نقطع الأشجار من اجل صناعة الورق، والبديل يتمثل بإعادة تدوير الورق». وتبدي حرصها على الثقافة وارتباطها بالكتاب «أتمنى ألا يلقى الكتاب مصير الأشجار نفسه».

وتتساءل المديرة التنفيذية للاتحاد العربي للنشر الإلكتروني الدكتورة فاطمة البريكي «هل الكمية التي تستهلك من أشجار الغابات كلها لصناعة الورق؟». وتنفي كون السبب في الخلل البيئي هو الورق، وأضافت «نحن نهتم بالجانب الإلكتروني، بالتوازي مع الجانب الورقي للكتاب، المدن الإسمنتية هي التي تؤذي البيئة، وأعتقد ان الموضوع فقاعة يروج لها الناشرون الإلكترونيون ومن يهتمون بهذا الجانب».

واكتفى الروائي السعودي عبده خال بالقول وهو يطالع صحيفة اكتظت بصفحات كثيرة من الإعلانات «كم شجرة قطعت من أجل ان يصنع منها ورق لا يقرأه أحد».

لا بدائل

ويقدم مدير المؤسسة العربية للدراسات، ماهر كيالي، رؤية مغايرة «نحن مضطرون لاستخدام الورق، لو كان هناك بديل آخر حقيقي لتوجهنا إليه». وعلى الرغم من اتفاقه مع ضرورة الحفاظ على الغابات، لكنه يعتبر طرح «تدوير الورق كبديل غير كافٍ»، و«هناك افكار كثيرة يمكن أن تسهم في الحفاظ على البيئة، منها اتفاق الناشرين والوراقين على مقاسات محددة لقطع الكتب وطبيعة أغلفتها، ما سيحد بشكل كبير من آثار الطباعة وصناعة الورق على البيئة».

ويقول صاحب دار كنعان الناشر سعيد البرغوثي «نتفهم الضرورة الملحة لإنتاج الورق والضرورات السامية التي نستخدمها من أجلها، وفي مقدمتها صناعة الكتاب، على ألا يجور ذلك على البيئة».

كتاب صديق للغابات

ذكرت رئيسة منظمة غرينيس البيئية في إسبانيا، دولورس رومانو، أن «المنظمة تدعو إلى طباعة كتب بورق يتطابق مع الحاجات البيئية والاجتماعية الضرورية كي يُعد كتاباً (صديقاً للغابات)»، مؤكدة أن مشروع (الكتاب صديق الغابات) «يبحث عن اشتراك الكتّاب والناشرين في الحفاظ على الغابات والاستخدام الدائم لها، خصوصاً الغابات البدائية، ونأمل أن يكون الطريق الذي شقته دار نشر راندوم هاوس مونرادورس مثالاً يحتذى بالنسبة إلى بقية دور النشر».

تويتر