مهرجان «أيام الشندغة» ينقل زوّاره بين المحامل والغوص واللؤلؤ

دبي تروي حكايتها مع البحر.. برحلة من الزمن الجميل

صورة

على الممشى الخاص بمباني حي الشندغة التاريخي المطل على خور دبي، يقدم مهرجان «أيام الشندغة»، الذي انطلق أول من أمس، حكاية دبي مع البحر والصيد، وكيف صاغت الأيادي الإماراتية كل معدات هذه المهنة من البيئة المحلية، خصوصاً من شجر النخيل.

يسترجع المهرجان - الذي تنظمه هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة) ويستمر حتى الثالث من ديسمبر المقبل تحت شعار لـ«نحتفي معاً بتراثنا البحري» - عبق الماضي لحياة البحّارة وقصص الصيد، من خلال استعراض الحِرف اليدوية لصناعة شباك الصيد و«القرقور» والسفن وفلق المحار، وغيرها من عناصر التراث البحري النابض في الذاكرة.

السفينة الأولى

تبدأ حكاية البحّارة والصيادين مع صناعة أدوات الصيد المتنوّعة، ومنها «القرقور» والشباك والسفن على أنواعها كـ«الشاشة» أو المحامل الكبيرة.

وعن «الشاشة»، السفينة الأولى التي صنعها الحِرفيون للصيد، أوضح زايد بن خميس بن زايد البلوشي، لـ«الإمارات اليوم»، كيفية صناعة هذه القوارب، مشيراً إلى أن «الشاشة» تصنع من ألياف النخيل، وكانت تستخدم للصيد والتنقل، وتتميز بمقدمتها المدببة، ما يتيح عبورها بسلاسة في الممرات الضيقة والمياه الضحلة.

وأشار إلى أنه كان لابد من وضع الألياف بالماء لأسبوعين كي تصبح لينة، ومن بعدها تصمم «الشاشة» بدءاً من القاعدة وصولاً إلى الجوانب، مع ضرورة وضع الشراع المناسب لحجمها.

وحول الوقت الذي يستغرقه العمل عليها، أفاد البلوشي، بأنها تحتاج إلى خمسة أيام في المتوسط، وقد يتضاعف الوقت مع السفن الكبيرة، لاسيما التي أضيفت لها المحركات، منوّهاً بأن هذه السفن يمكن دخولها الى أعماق كبيرة، وكانت أساسية في مهنة الصيد والغوص واستخراج اللؤلؤ، ولكنها باتت اليوم تستخدم للزينة على نحو أكبر، كجزء من تاريخ هذه المهنة.

أدوات المهنة

أما «القرقور» فهو من الأدوات التقليدية المستخدمة في المياه، التي تصنع من أجل الصيد، وكانت في البدء تُصنع باستخدام ألياف النخيل. ويقدم سعيد الزعابي، وعمه خلف الزعابي، للجمهور ضمن «أيام الشندغة» كيفية صناعة «القرقور» للجمهور.

وقال خلف الزعابي: «يصمم (القرقور) بعناية، ويتميز مدخله بتصميم يشبه القمع يسمح للأسماك بالدخول، ولكن يصعب عليها الخروج منه، وصنع من ألياف النخيل في السابق، ولكن اليوم بات يصمم بالأسلاك المعدنية»، مشيراً إلى أن الأحجام الخاصة بـ«القرقور» يطلق عليها اسم «باع» الذي يُعدّ الحجم الأصغر، ومن الممكن مضاعفة الحجم كثيراً، وتصميم الصغير يتطلب يوماً كاملاً. أما عن الاختلاف بين الشكلين القديم والجديد لهذه الأداة، فقال سعيد الزعابي: «إن (القرقور) المصنوع من ألياف النخيل يمكن أن يكون صالحاً للاستخدام في المياه لمدة شهرين فقط، بخلاف المعدني»، منوّهاً بأن البيئة الإماراتية البحرية استخدمت ألياف النخيل والسعف لصناعة الكثير من الأدوات المرتبطة بالمهنة والحياة اليومية أيضاً.

ورأى أن «هذه الحِرفة باتت نادرة، ولذا تبرز أهمية المهرجانات التي تحرص على إحيائها من جديد».

شباك طويلة

وفي مهرجان «أيام الشندغة» تحضر أمام الجمهور كذلك، شباك الصيد الكبيرة، التي كانت تستخدم للحصول على كمية أكبر من الأسماك.

وأوضح سالمين علوي أن «تلك الشباك يستخدم في صناعتها الخيط الذي يُسمى (ليخ)، وكذلك خيط السنارة»، مشيراً إلى أن الشباك الكبيرة تصمم بطريقة تتيح للصيادين تركها في البحر لأيام عدة، والعودة إليها من أجل الحصول على الأسماك التي ستعلق فيها.

وأضاف أن «هذه الشباك تُصنع بخيوط (نايلون) اليوم، بينما في السابق كانت من خيوط قطنية، وتستغرق ما يقارب شهراً كي تنجز بسبب حجمها الكبير»، لافتاً إلى أن هذه الشباك باتت تشترى جاهزة. وشدد على أن هذا التراث البحري لن يندثر على الإطلاق، إذ يسعى - مع كثيرين من عشاق الأصالة - إلى المحافظة عليه واستمراره من الماضي إلى المستقبل مع الأجيال الجديدة.

الحبال والمحار

من جانبه، قدم خميس المقبالي، طريقة صناعة الحبال التي تستخدم في الصيد وعلى القوارب، مشيراً إلى أنها تُصنع من ألياف النخيل، إذ يتم وضعها في الماء لأيام، ومن ثم تجفف في الشمس للتخلص من الأتربة، وتفرد حتى يتم في ما بعد ضغطها بين راحتي اليد، وتكون النتيجة حبالاً قوية ومتينة.

وأوضح أن «الحبال تستخدم في الصيد وفي أمور أخرى أيضاً، إذ تتميز بقوتها وقدرتها على حمل الأوزان، ويستغرق الحبل الواحد - الذي قد يصل طوله إلى أربعة أمتار - أياماً كي يتم الانتهاء من صناعته».

وإلى جانب الصيد، تميز الأجداد الإماراتيون برحلات الغوص واستخراج اللؤلؤ من المحار.

وعن هذا الحيز التراثي، وكيفية فلق المحار، أوضح ضاحي بخيت أن «استخراج اللؤلؤ يُعدّ من التراث البحري القديم والشهير، إذ اعتمد الإماراتيون على الغوص واستخراج اللؤلؤ، نظراً إلى قيمته العالية، ويتميز المحار بوجوده في الأعماق، وكان الغواصون يحاولون الغوص إلى أعماق كبيرة للحصول على هذه اللآلئ الثمينة».

وأضاف أن «ذروة المتعة تكون عند الحصول على اللؤلؤة الكبيرة الحجم، فهذه الحِرفة تعكس التراث الثقافي الغني، وكذلك تجسّد حماسة اكتشاف كنوز الطبيعة تحت أعماق البحر».

• 3 ديسمبر المقبل يختتم المهرجان، الذي يأتي تحت شعار «لنحتفي معاً بتراثنا البحري».


أداء «النهمة»

خلال مهرجان «أيام الشندغة»، تقدم عروض تنتمي لفن النهمة، والذي يُعرف بأنه الطرب البحري، ولا يمكن لأي نمط من أنماط الغناء البحري أن يكون متكاملاً دون وجود النهام الذي يعتبره أهل السفن ركيزة، ويتبعه بقية البحّارة الذين يمكن تسميتهم بـ(الجوقة) أو (الكورس).

ويحث النهّام البحارة على مواصلة مشوارهم، لاسيما رحلات الغوص القديمة، التي كانت تستمر لأشهر، ولهذا كان يتسابق البحارة على السفن على جذب النهام الأبرز والمتميز بالأداء والصوت العذب القوي، لأنه من خلال هذا الفن يتمكن من التخفيف عن البحّارة أعباء الرحلة ومشقتها، وكلما كان غناؤه جميلاً زادت حماسة البحّارة في إنجاز عملهم، ويراوح عدد النهامين على السفينة الكبيرة من اثنين إلى أربعة.

تويتر