برنامج حافل بالفعاليات الثقافية والفنية يزيّن المهرجان

سوينكا وفنون وخريطة من الماضي في «هاي أبوظبي»

صورة

أكد المبدع الحائز جائزة «نوبل» وولي سوينكا، أن أزمة الهوية تمثل أزمة عالمية ولا تقتصر على بلد معين، معرباً عن إيمانه بأن الهوية الإنسانية التي يجب أن تجمع بين البشر جميعاً، والتي لا تتعارض مطلقاً مع تمسك الإنسان بهويته.

وأضاف سوينكا، خلال الجلسة الحوارية التي أقيمت مساء أول من أمس، ضمن برنامج مهرجان «هاي أبوظبي»، الذي يقام في منارة السعديات بأبوظبي، ويتزيّن بجدول حافل بالفعاليات والفنون التي تستمر حتى الغد: «أنا نيجيري وأنتمي إلى بلدي وإلى ثقافة اليوربا، وسواء ولدت في قبيلة إفريقية أو في أسرة بريطانية، ليس هناك اختلاف في المبادئ الإنسانية، كما ألا حدود للثقافة والأدب».

واعتبر سوينكا، في الجلسة التي أدارها مدير المهرجان، بيتر فلورنس، وسط حضور جماهيري كبير أن «الثقافة والفنون والعادات والتقاليد هي التي تشكل هوية المجتمع وخصوصيته واختلافه عن غيره، ولكن تظل هناك عوامل تشابه تجمع بينها رغم هذا الاختلاف»، موضحاً أن «ثقافة اليوربا التي ينتمي إليها تمتلك من المقومات ما يمنحها الخصوصية، وفي الوقت نفسه تأخذ من غيرها من الثقافات المجاورة في المنطقة، وتقوم العلاقة بين الجميع على التوافق والاحترام والتعاون».

وتطرّق سوينكا إلى اهتمامه باللغة، واصفاً إياها بالنغمات، مشيراً إلى حرصه على اختيار اللغة التي يكتب بها لتناسب الجنس الأدبي الذي يكتبه، واستمتاعه بكتابة الأغاني والشعر بالإنجليزية وكذلك بلغة اليوربا، إذ يميل إلى المزج بين الخيال والواقع. ولفت إلى كتابته تعدّ عملاً مسرحياً بلغة اليوربا، وتم تقديمها للجمهور ووجدت نجاحاً كبيراً.

عروض بكل اللغات

وتحظى الفنون بحضور خاص في برنامج وفعاليات مهرجان «هاي أبوظبي»، الذي يستضيف مجموعة من العروض الغنائية والأدائية المميزة من مختلف أنحاء العالم، منها عرض فرض «تو فايس دانس» الذي قدم في افتتاح الحدث، وكذلك حفل الفنانة الجزائرية سعاد ماسي، الذي أقيم أول من أمس، في مسرح حديقة الاتحاد بمنارة السعديات بأبوظبي، وسط حضور جماهيري كبير، وقدمت خلاله أغنيات من ألبومها الجديد «أمنية»، إلى جانب عدد من الأغاني القديمة التي ارتبط بها جمهورها. واختتمت فعاليات اليوم الأول من المهرجان بحفل فرق «مشروع ليلى»، الذي اجتذب جمهوراً واسعاً من طلبة الجامعات.

الكرة الفضية

تصدر القاعة الرئيسة في منارة السعديات عملاً فنياً يعرض للمرة الأولى في الوطن العربي، وهو عبارة عن مجسم من النحاس المطلي بالفضة بعنوان «الكرة الفضية»، ويحمل خريطة العالم القديم التي صممها في القرن الـ12 الشريف الإدريسي، أحد كبار الجغرافيين الإسلاميين في عصره.

ويهدف العمل إلى إعادة إحياء خريطة العالم التاريخية «الكرة الفضية» الأصلية، التي صممت في عام 1153، ولم تعدّ موجودة حالياً، إلا أن منارة السعديات تستضيف تحفة إبداعية تعيد إحياء هذه الخريطة التراثية، أعيد إنتاجها بتكليف من «مؤسسة فاكتوم» للحفاظ على التراث بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية.

وتُعدّ الخريطة الأصلية من أعظم الإنجازات الجغرافية التي عرفت خلال العصور الوسطى، ويرجع ذلك إلى ما كانت تتمتع به من دقة عالية في وصف أطراف العالم وملامحه الجغرافية على قرص دائري فضي ضخم يبلغ قطره مترين.

وألّف العالم الجغرافي الشهير الإدريسي، معتمداً على قرون من الأبحاث والجهود الجغرافية الإسلامية في رسم الخرائط، خلال القرن الـ12 كتاباً يضم 70 خريطة إقليمية تغطي كل أنحاء العالم مثلما كان معروفاً آنذاك. كما نجح في حفر تفاصيل خريطة العالم على كرة فضية محاطة بإطار خشبي، جاعلاً مدينة مكة المكرمة في منتصفها. ولم يتبق من ذلك الكتاب المعروف بعنوان «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، سوى نسخ لاحقة منه. وظلّت الكرة الفضية هي الخريطة العالمية الأكثر تطوّراً على مدار ثلاثة قرون عقب إنتاجها.

الأطفال الرابح الأبرز

خصص جانب كبير من فعاليات مهرجان «هاي أبوظبي» للأطفال من مختلف الأعمار، من بينها ورش عمل مع كتّاب ومبدعين من جنسيات مختلفة، من بينهم الرسامة وكاتبة الأطفال الإماراتية ميثاء الخياط، التي قدمت ورشتي عمل واحدة للأطفال من عمر 10 إلى 12 سنة، والثانية لليافعين من عمر 14 وما فوق.

وأعربت المبدعة الإماراتية عن سعادتها بالمشاركة في فعاليات المهرجان، والتواصل مع هذا العدد الكبير من الأطفال، الذي يمثل مصدر إلهام لها، معتبرة أن مشاركة الخبرات والتجارب الإنسانية هي جزء رئيس من مفهوم التسامح. وأكدت أن «هاي أبوظبي» يمثل إضافة مهمة لجهود الإمارات في تعزيز التسامح العالمي، وهي جهود شهد لها العالم، من خلال العديد من الفعاليات الكبرى التي تعزز قيمة التسامح، التي يتسم مجتمع الإمارات منذ تأسيس الدولة.

وأوضحت ميثاء الخياط أنها «بدأت الكتابة من أجل أطفالها، وقدمت حتى الآن 170 إصداراً مخصصاً للطفل، بعضها ترجم إلى لغات عدة»، لافتة إلى أنها وجدت صعوبة في الكتابة في البداية لأنها تعلمت اللغة الإنجليزية قبل اللغة العربية، بسبب نشأتها في بريطانيا، ولذلك اتجهت لكتابة القصص حتى يسهل على أطفالها تعلم اللغة العربية، عبر محتوى جيد وبطريقة جاذبة.

شغف بالمقتنيات التاريخية

استعرض الكاتب والشاعر النيجيري وولي سوينكا جانباً من تجاربه، منها تجربة سجنه. وقال إن «الحرية ليست ضد السلطة، فهناك حدود لكل شيء، وعلى الإنسان أن يستفيد من تجاربه، وأن يكون موضوعياً في النظر إليها وتقييمها».

وتحدث خلال جلسته في مهرجان «هاي أبوظبي» عن شغفه بجمع المقتنيات التاريخية والأثرية، إذ انها تخفي قصصاً وأحداثاً مهمة، وكثير منها يكشف عن قدرة الإنسان على خلق أساطير وحكايا، منوّهاً بأن الاهتمام بالآثار والأضرحة والمباني التاريخية موجود لدى كثيرين في المنطقة، سواء كانت مسيحية أو إسلامية.

فرصة لمشاهدة العمل

أعادت مؤسسة «فاكتوم» خلال مشروع إعادة إحياء خريطة العالم التاريخية «الكرة الفضية»، التي وضعها الإدريسي، بالاعتماد على أفضل النسخ المتبقية من الكتاب الأصلي، التي تحتفظ بها المكتبات البودليانية في جامعة أكسفورد.

وتُعدّ هذه النسخة العصرية ثمرة للأبحاث التاريخية الشاملة وحلول التكنولوجيا الرقمية المتطوّرة في ترميم الأعمال التراثية، وفقاً لأعلى مستويات المهارات الحرفية.

وفي إطار فعاليات مهرجان «هاي أبوظبي»، تعرض خريطة الإدريسي أمام الجمهور غداً، بمشاركة المؤرّخ البريطاني جيري بوتون، صاحب كتاب «تاريخ العالم في اثنتي عشرة خريطة».


- تحظى الفنون بحضور خاص في برنامج المهرجان، الذي يستضيف مجموعة من العروض الغنائية والأدائية من مختلف أنحاء العالم.

تويتر