الجوائز مسألة اعتباطية تشغل الكاتب وتحبسه في «دائرة الضوء»

هدى بركات: أكتب بروح القلق متجاهلة متطلبات «السوق»

اللقاء مع الروائية اللبنانية هدى بركات، يحمل دائماً المختلف والمشوق، فهي روائية من نوع خاص، تخصصت في الأدب المعاصر، بعد أن بدأت حياتها في بيروت، وعايشت ظروف الحرب الأهلية، فصقلت تجربتها الإنسانية من خلال التدريس والترجمة والعمل في الصحافة، قبل أن تقرر الانتقال إلى عالم الأدب الذي توجت مسيرتها فيه بعدد من الجوائز المهمة والمرموقة، آخرها فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2019 عن روايتها «بريد الليل».

ترى هدى بركات أنه من الصعب تحديد المتغيرات التي طرأت على مشوارها الإبداعي، خصوصاً أنها عاصرت أهم الأحداث التي عصفت ببلدها لبنان منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن، قائلة: «لابد أني تغيّرت بفعل تراكم السنين، وتجارب الحياة، وتأثير إقامتي بعيداً عن بلادي، كذلك هناك وضوح أكبر لموقع الكتابة في حياتي، وكل ما أضافته القراءات إلى وعيي، فأنا كتبت روايتي الأولى (حجر الضحك) بروح القلق وإلحاح الهاجس تماماً كما أكتب الآن، أي دون تأثير العوامل الخارجيّة من شهرة مثلاً أو مراعاة لحيثيات النشر والانتشار وغيرها»، لافتة «ربّما أصبحت مع الوقت أكثر جرأة في تقنيات السرد، متجاهلة متطلّبات (السوق)».

فظاعة الحرب

لا تغيب الحرب بفظاعتها الإنسانية وارتداداتها النفسية، عن مجمل أعمالها الأدبية، منذ مجموعتها القصصية الأولى «زائرات» عام 1985، إلى جانب ست روايات أخرى، لكنها تفضل في وصفها الابتعاد عن مصطلح التوثيق لمعاناة المعذَّبين، قائلة إن ما يدفعها للكتابة يبقى بعيداً عن واجب تقديم وثيقة، لأن تعبير «توثيق» بعيد عن هواجس الكتابة. في المقابل، يستطيع القارئ أو الناقد أن يلجأ إلى هكذا توصيف، إذ «إنّه إحساس ملتبس يشبه الهجس المقلق بصوت، أو أصوات تسكنك وتدفعك دفعاً إلى الإنصات، للتعرّف إليها وإلى ما تريد قوله أو البوح به. كما حصل في (بريد الليل)، بدأت الكتابة بالرسالة الأولى على أن تكون هي لوحدها الرواية، ثمّ، ربما بسبب تأثّري بمشاهد قوارب الموت وحكايات المهاجرين الهاربين من أوطانهم، تغيّر مسار الرواية والواقع». فيما ترى بركات أن هناك دائماً شيئاً من الكاتب في ثنايا نصّه، لكنه هو نفسه لا يدرك ماهية هذا الجزء»، معترفة أن إحساسها المستمر بالغربة هو ما جعل لديها تلك «الحساسية» بمصائر الغرباء الذي جسدته في روايتها الأخيرة.

دوائر الضوء

وعمّا إذا كانت الجوائز تثقل كاهل الكاتب وتستثير أسئلة التميز ورهبة الوقوع في فخاخ المقارنة والانتقاد، قالت بركات: «الجوائز تعطي مبدئياً ثقة بالنفس، وتقول إن ما حاولت قوله في وحدتك ككاتبة قد وصل إلى آذان تشاركت معك في الوحشة نفسها، وهذا شعور جميل طبعاً ويحمل بعض الاطمئنان، خصوصاً إذا لم يكن عندك من نشاطات اجتماعية ترافق حياتك ككاتبة بحيث لا تعرفين شيئاً عن استقبال النص من قبل المتلقي، وهذا ربما واقع من يعيش في الغربة»، لافتة «لحسن حظي، أتتني التقديرات باكراً، أي منذ أيام المدرسة، فتعوّدت عليها بشكل من الأشكال. ثمّ توالت من البلدان التي تمت ترجمة رواياتي إليها فعزّزت تلك الثقة، لكن ينبغي أيضاً القول إن مسألة الجوائز مسألة اعتباطية إلى حد كبير، أي أن لجنة ما تمنحك جائزة ما، وقد لا تحصل على هذه الجائزة لو لم تكن هي هذه اللجنة بالذات. إنها مصادفة إلى حد كبير، ولا ينبغي أن يتأثّر الكاتب بها كثيراً، خصوصاً أن هناك نصوصاً عظيمة لم تصل حتى إلى أن تقنع دور النشر بنشرها. كذلك تضع الجوائز الكتّاب في دائرة الضوء أحياناً زيادة على اللزوم، وتشغل وقتهم وتعيق انصرافهم إلى الكتابة، أو حتى صفاء عالمهم الداخلي».

لغة قلبي

يحسب لهدى بركات إصرارها على الكتابة باللغة العربية، ورفضها القاطع الكتابة بغير هذه اللغة التي أحبتها وتعلقت بها أكثر بعد إقامتها الطويلة في باريس، واطلاعها على الثقافات والحضارات المتنوعة في العاصمة الفرنسية، مؤكدة أن سعة الاطلاع على ثقافات الآخر ليست محكومة بمكان الإقامة «دراستي وقراءاتي وأنا مازلت في لبنان، وحتى خلال سنوات الحرب الأهلية لم تكن يوماً (محليّة) أو مكتفية بما يصدر حولي، ثمّ أنا أكتب أيضاً باللغة الفرنسية حين يُطلب مني ذلك، لكن كتابة الأدب والرواية خصوصاً هي للغة العربية دون تردّد، فالعربية لغة قلبي وتنفّسي، وتعلّقي بها هو لجمالها وأيضاً ربما بسبب غربتي، إلا أن المؤسف في هذا المجال، هو قلّة اهتمام بلداننا العربية ومؤسساتها بلغتنا، وأنا لا أفهم أسباب ذلك».

منصة «الآداب»

ترى بركات في مهرجان طيران الإمارات للآداب «مكاناً للقاء بالأدباء العرب والأجانب، وفرصة تعد بالتعرّف عن قرب إلى نتاجات هؤلاء»، مضيفة «تشعرني مناسبة كهذه بأني لست دوماً بعيدة عن العالم العربي، إلى جانب الاهتمام والتنظيم الراقي للمشرفين على هذا المهرجان المميز الذي يفتح آفاقاً واسعة أمام الكتّاب للتفاعل والتعرف إلى تجارب بعضهم بعضاً».

• «لابد أني تغيّرت بفعل تراكم السنين، وتجارب الحياة، وتأثير إقامتي بعيداً عن بلادي».

• «هناك نصوص عظيمة لم تصل حتى إلى أن تقنع دور النشر بنشرها».

• «هناك دائماً شيء من الكاتب في ثنايا نصّه، لكن هو نفسه لا يدرك ماهية هذا الجزء».

تويتر