يروي حكاية أبوظبي والإمارات على مدى قرنين ونصف القرن

«قصر الحصن».. 9 أيام في حضـــرة التاريخ و«شعب أصيل»

صورة

كشاهد عريق على مسيرة تاريخ إمارة أبوظبي والإمارات على مدار قرنين ونصف القرن من الزمن؛ يستعد قصر الحصن لاستقبال زواره من جديد ليروي لهم تاريخ الإمارة الرسمي والاجتماعي والشعبي بداية من السابع من ديسمبر المقبل، وفق ما أعلنت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي أمس، على أن تستمر الاحتفالات بافتتاح الموقع على مدى تسعة أيام متضمنة العديد من الفعاليات والعروض الثقافية والتراثية والترفيهية والفنية.

مناهج جديدة

أشار محمد المبارك إلى أن دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي تولي أهمية خاصة للتعليم والعمل على ربطه بالثقافة والتاريخ والتراث، وما تشهده الإمارة والدولة من حراك ثقافي كبير، حيث تضم الدائرة قسماً تعليمياً يهتم بالتواصل مع المدارس، والعمل على وضع منهج دراسي جديد يتناول تاريخ الإمارات القديم والحديث.

مجتمع «قصر الحصن»

يسرد «قصر الحصن» قصص الأجيال المتعاقبة رجالاً ونساءً وأطفالاً، التي اتخذت من القصر مقراً للعيش لسنوات طويلة، وقد كان «قصر الحصن»، بداية من عهد الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، مقراً للحكم وبيتاً للعائلة الحاكمة، حيث يجسّد بأروقته وباحاته وغرفه نمط حياة أهل القصر آنذاك.

نصب حضاري

يضم «قصر الحصن» بناءين مهمين، وهما: «الحصن الداخلي»، الذي يعود تاريخ بناء أجزاء منه إلى عام 1795 تقريباً، و«الحصن الخارجي» الذي تم بناؤه خلال فترة أربعينات القرن الماضي، وتعتبر منطقة الحصن الثقافية المربع الأول للمخطط المديني في إمارة أبوظبي، وهي بمثابة نصب حضاري يعكس تطور المدينة وتتألف من مكوّنات مترابطة، هي: «قصر الحصن» ومبنى «المجلس الاستشاري الوطني» و«المجمع الثقافي» و«بيت الحرفيين». وتبلغ رسوم دخول متحف قصر الحصن 30 درهماً للكبار ومجاناً للأطفال، بينما يكون دخول المجمع الثقافي مجانياً وفي حالة تنظيم حفلات أو ورش عمل أو عرض يتم دفع رسوم الحضور وفقاً للحدث، كما سيتم احتساب رسوم رمزية لدخول مكتبة الأطفال.

- مبنى المجمع الثقافي تم ترميمه بأسلوب يحافظ على الرؤية التي بناه بها الشيخ زايد.

- الحصن الخارجي يحتضن مجموعة من المقتنيات والقطع الأثرية والأرشيفية النادرة.

- 12 شخصاً يتلقون تدريبات يومية حول كيفية مرافقة الزوّار في القصر.

- المعلم يعتبر القلب التاريخي والحضاري للعاصمة الإماراتية.


1795

تم بناء الحصن بسبب الحاجة الماسة إلى بناء قلعة منيعة.

وأوضح رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي محمد خليفة المبارك، أن قصر الحصن يمثل متحفاً وطنياً يسرد محطات تاريخ أبوظبي لقرون عدة، ليشكل مع بقية متاحف الإمارة العالمية والمحلية رابطة متكاملة تروي تاريخ أبوظبي والإمارات بداية من متحف العين والمويجعي وصولاً إلى متحف زايد الوطني ومتحف اللوفر في جزيرة السعديات. لافتاً خلال الجلسة الإعلامية التي عقدت ظهر أمس، في منارة السعديات للكشف عن خطة افتتاح «قصر الحصن»، الذي شهد أخيراً سلسلة واسعة من أعمال التجديد والصيانة والترميم، باعتباره أبرز معلم تاريخي قائم في أبوظبي، إلى أن 55% من السائحين الذين يأتون لزيارة متحف اللوفر أبوظبي، يحضرون لأبوظبي للمرة الأولى، وعندما يشاهد هؤلاء السياح متحف «قصر الحصن» سيتيح لهم الفرصة للاطلاع على تاريخ أبوظبي والإمارات والحديث عنه عند عودتهم إلى أوطانهم.

القلب التاريخي لأبوظبي

وأضاف: «مرة أخرى يعود (قصر الحصن) ليفتتح أبوابه قريباً أمام الجمهور ليروي حكاية أبوظبي وشعبها الأصيل، مؤكداً بذلك قيمته كرمز ثقافي وتاريخي، ومعززاً مكانته كشاهد عريق على مسيرة تاريخ الإمارة على مدار قرنين ونصف القرن من الزمن، حيث تحوّلت من مجتمع ساحلي صغير إلى عاصمة عالمية متطورة. ويتمتع هذا المعلم الحضاري باعتزاز واهتمام كبيرين، باعتباره القلب التاريخي والحضاري النابض في العاصمة الإماراتية، حيث يترقب الكثيرون افتتاحه مجدداً، وإننا نأمل أن يلمس أفراد المجتمع بين أرجائه وأروقته تجربة مثمرة تغمرهم بالحنين لتلك الأيام التي عاشها قادتنا وأجدادنا وشعبنا على مر الأجيال». لافتاً إلى أن المرحلة الأولى من افتتاح الموقع في السابع من ديسمبر المقبل ستشمل مواقع عدة من أبرزها المدخل الرئيس ومتحف قصر الحصن والساحة الكبيرة التي تتوسط الموقع، بينما تأتي المرحلة الثانية من الافتتاح وتشمل مكتبة الأطفال في المجمع الثقافي والمسرح. كما يتضمن تخطيط الموقع بيت الحرفيين والمجلس الاستشاري الوطني ومسجداً وبحيرة تحيط بها منطقة مرافق ترفيهية ومطاعم ومقاهٍ، إلى جانب توفير مواقف للسيارات فوق الأرض وتحتها، بينما يحيط بالموقع سور من الأشجار. لافتاً إلى أن عمليات الترميم شملت المسجد المقابل لقصر الحصن، الذي يعد من أقدم المساجد المستخدمة في أبوظبي، وسيكون أجمل مساجد العاصمة بعد الترميم وواحداً من أجمل المساجد في العالم.

وأشار المبارك إلى حرص الدائرة على الحفاظ على مبنى المجمع الثقافي وترميمه بأسلوب يحافظ على الرؤية التي بناه بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه»، ومن المقرر أن يعود من جديد ليمثل مركزاً ثقافياً عربياً يجمع مثقفي وعلماء الوطن العربي كما كان في السابق، لافتاً إلى أن العمل في الموقع يكشف دائماً عن مكتشفات جديدة مرتبطة بتاريخ أبوظبي والحياة فيها «فمنذ شهرين تقريباً تم اكتشاف بئر مياه خارج الحصن لم تكن مكتشفة من قبل، كذلك يتيح التجول في غرف القصر وأقسامه للزائر أن يتخيل كيف كانت شكل حياة سكان القصر قديماً، وكيف كان الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، (طيب الله ثراه)، يتأمل أبوظبي وهو يخطط للمستقبل، وهي تجربة فريدة يمكن لكل زوار القصر معايشتها».

مقتنيات نادرة

وأشار وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي سيف سعيد غباش، إلى أن الحصن الخارجي، الذي شهد أعمالاً من الترميم والتجديد، يحتضن مجموعة من المقتنيات بدايةً من أبرز القطع الأثرية وأندرها، مروراً بالوثائق الأرشيفية النادرة والمهمة، وصولاً إلى المقتنيات اليومية البسيطة، التي تجتمع معاً لإحياء الماضي العريق واستحضار تقاليد الأجداد وقيمهم عبر الزمن، لافتاً إلى أهمية أعمال الترميم والتجديد التي جرى تنفيذها في قصر الحصن، حفاظاً على ملامح الحصن وهيبته، بما يتيح للزوار التعرف إلى قصة قصر الحصن وحكاية أبوظبي ومجتمعها عبر العصور. كما شدد على أهمية مبنى المجمع الثقافي الذي كان وسيعود قلب أبوظبي النابض بالثقافة والفنون، حيث سيعود ليحتضن بيت العود والمرسم الحر وبيت الخط والمسرح ومكتبة الأطفال، كما سيشهد العديد من الفعاليات الثقافية والفنية المهمة.

فعاليات الافتتاح

وتحدثت مدير «قصر الحصن» سلامة الشامسي، عن الفعاليات المصاحبة لافتتاح الموقع، التي ستسمر على مدى تسعة أيام وتتضمن عروضاً حية على مدار اليوم، تعبر عن تراث الإمارات في البيئات المختلفة مثل المناطق الساحلية ومناطق الواحات والمناطق الصحراوية، بالإضافة إلى عروض موسيقية وفنون أدائية. كما ألقت الضوء على بيت الحرفيين الذي سيكون بمثابة مقر للحرفيين والحرفيات في إمارة أبوظبي، ويهتم بالحفاظ على الإرث الثقافي والتراثي الذي تم تسجيل عدد من عناصره على قائمة منظمة اليونسكو مثل السدو، كما سيضم مقهى «القهوة»، موضحة أن هناك 12 شخصاً من فريق عمل «قصر الحصن» يتلقون حالياً تدريبات يومية حول كيفية مرافقة الزوار في جولات داخل الموقع، وشرح المعلومات الكافية عن أقسامه والمقتنيات المعروضة، وكيفية التعامل مع الكبار والصغار من مختلف الجنسيات.

قصة أبوظبي

يرصد «قصر الحصن» مرحلة انتقال مقر حكم بني ياس إلى جزيرة أبوظبي، وكان البحر آنذاك مصدراً لمواد البناء المستخدمة في تشييد الحصن، وسبيلاً للحياة الاقتصادية للصيادين والغواصين الباحثين عن اللؤلؤ، وفي عام 1795، تم بناء الحصن انطلاقاً من الحاجة الماسة إلى بناء قلعة منيعة قادرة على حماية المستوطنة الجديدة. وفي أقل من 50 عاماً، تحوّلت أبوظبي من بداياتها المتواضعة كبيوت مصنوعة من سعف النخيل إلى مستوطنة ساحلية يعيش فيها الآلاف من السكان.

ويواصل «قصر الحصن» رحلته مع فترة حكم الشيخ زايد الأول، وعلى الرغم من الصراعات السياسية التي تزامنت مع حكمه والاضطرابات التي عمّت في أرجاء المنطقة، نجح هذا القائد في تعزيز مكانة إمارة أبوظبي وتحويلها إلى ثقل ومركز محوري على ساحل الخليج، كما أرسى دعائم الدولة المستقبلية وفق رؤية بعيدة. وأسس الشيخ زايد الأول «المجلس»، الذي استضاف اجتماعات منتظمة ترأسها بنفسه، وعمل على توفير كل عوامل الازدهار والنمو لتعزيز رفاهية شعبه. ولطالما كان «قصر الحصن» صرحاً بارزاً لتجاذب أطراف الحوارات والنقاشات، وقد ازدهر في عهد الشيخ زايد الأول المشهد الشعري والنشاط الثقافي.

عهد جديد

بعد وفاة الشيخ زايد الأول عام 1909، انتهى عهد وبدأ آخر في تاريخ أبوظبي، وعلى الرغم من تباطؤ حركة التجارة بفعل عدد من العوامل الجيوسياسية وظهور اللؤلؤ المُستزرع في اليابان، إلا أن أراضي أبوظبي كانت على وشك البوح بثروة جديدة تقبع في أعماقها، وقد منح الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان في عام 1939 أول امتياز للتنقيب عن النفط في أبوظبي من مجلسه المنعقد في قصر الحصن، ممهداً بذلك الطريق أمام التطورات الكبيرة التي كانت أبوظبي على أعتابها. وفي العام ذاته، أمر الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان ببناء قصر حول الحصن، بما شكّل انطلاقة حقبة اقتصادية جديدة، حيث تعززت مكانة أبوظبي في المنطقة وبدأت مسيرتها نحو تحقيق مزيد من التطور والنجاح.

أبوظبي الحديثة

تولى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيّب الله ثراه»، زمام الحكم في الإمارة عام 1966، وقد شهدت إمارة أبوظبي خلال فترة حكمه قفزات نوعية وتطورات كبيرة، حيث تحولت إلى مدينة عالمية تمتلك مقومات الازدهار كافة. وقد تسارعت وتيرة التغيير في الإمارة لتشمل إنشاء الطرق حولها وداخلها، وتطوير أبنية جديدة حول قصر الحصن، المعلم الثابت الذي لم يتغير عبر تاريخ أبوظبي، وقد انعكست رؤية الشيخ زايد في تطوير دور هذا الصرح وترسيخ أهميته التاريخية، باعتباره رمزاً للإمارة ومركزاً لإدارة شؤون الدولة وأرشيفاً وطنياً ومعلماً حضارياً.

قيام الاتحاد

كذلك يروي الحصن قصّة قيام دولة الاتحاد واجتماعات القادة والقبائل، مسلّطاً الضوء على دور المجلس الاستشاري الوطني، باعتباره محطة مهمة في رسم السياسات واستضافة الحوارات الأساسية التي سبقت قيام دولة الإمارات. وفي عام 1968، تم تشييد المجلس الاستشاري الوطني خارج جدران الحصن، وهو المكان الذي كان الشيخ زايد الأول قد عقد فيه أول مجلس له، ثم تحوّل مبنى المجلس إلى مكان للاحتفاء بالمناسبات التاريخية عقب تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، حيث احتضن الاجتماعات الأولى للمجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وإلى جانب المعارض الدائمة، ينظّم «قصر الحصن» برنامجاً عاماً على مدار العام تتخلله سلسلة واسعة من الفعاليات والأحداث، ويشمل ذلك الجولات المتخصصة في التاريخ والآثار والهندسة المعمارية، إلى جانب سلسلة من الفعاليات التي تعنى بإعادة تصوير الحياة اليومية للأجيال الماضية، بالإضافة إلى برنامج «المجلس» الذي سيتعرف الزوّار من خلاله إلى تاريخ وآداب حضور المجلس والبروتوكولات التقليدية، وتتخلل البرنامج العام كذلك سلسلة من الأنشطة المخصصة للأطفال.

تويتر