روايتها «طقس سيئ».. جديد «كلمة»

ندياي تجدّد الأسئلة: كيف يتخلّى الغريب عن حصّة من روحه

صورة

جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.


أسئلة تمسّ الهوية والتهميش المنظم، تطرحها مجدداً الكاتبة الفرنسية ماري ندياي في روايتها «طقس سيئ»، التي أصدر نسختها العربية بالتزامن مع فعاليات شهر القراءة 2018 مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي.

تجمع أعمال ماري ندياي بين الواقعي والفانتازيا والرمزي، وغالباً ما يسود أعمالها تأرجح مقصود وثري بالدلالات بين مستويات عدة؛ فتجد لديها غرابة وألفة في آنٍ معاً، من نمط ما سمّاه فرويد الألفة الغريبة أو المقلقة.

وتدور رواية «طقس سيئ» التي ترجمتها اللبنانية ماري طوق، حول قصة هرمان، وتندرج أيضاً في أجواء التهميش التي تحفل بها روايات ندياي، إلا أن هفوة صغيرة تقف وراء مأساة عريضة تنميها الرواية؛ فهرمان (معلم الرياضيات)، وزوجته روز، وابنهما الصغير، معتادون على الاصطياف في قرية صغيرة تصورها الرواية، غير بعيدة عن باريس. لسبب غير معلوم يتأخرون عن العودة إلى باريس في نهاية أغسطس تماماً، كما يفعل بقية المصطافين.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تبدّل طباع

ما إن يحل مطلع سبتمبر حتى يتبدل الطقس ويسوء، وتتحول طباع القرية برحيل المصطافين الذين تعتاش من زياراتهم الصيفية، وتكشف عن وجهها الحقيقي. سوء الطقس وتبدل طباع الأهالي يتداخلان بقوة، ويكاد الأول يكون رمزاً للثاني. ذات صباح باكر تذهب الزوجة وابنها لشراء البيض من مزرعة مجاورة ثم لا يعودان، وبعد بحث طويل وحافل بمفاجآت يشغل وصفها مساحة هذه الرواية، يكتشف هرمان أنهما بقيا في القرية، لكن تعرضا إلى تحوّل، يمكن لقارئ الرواية اكتشاف طبيعته. وعلى الرغم من أن أحداث العمل تدور قرب باريس، فإن السكان، بملامحهم الجسمانية وشعورهم الغامضة الشُّقرة، يبدون بعيدين كلّ البعد عن سكان العاصمة في اختلاف مكوناتهم وأصولهم، إلا أن الإطار هنا واقعي ومغرَّب نوعاً ما، ويمكن لهذه المأساة أن تحدث في كل مكان.

وتعد «طقس سيئ» الرواية الخامسة للمؤلفة التي كتبتها وهي في سنّ الـ27، السنّ التي يبدأ فيها بعضهم مجرد بداية بمعالجة الحقائق الأساسية للوجود، ولكن نراها وهي تعالج فيها أعمق الأسئلة.

دلالات

غرابة القرية ينبغي ألا تخفي محمول الرواية الاجتماعي والسياسي؛ مزيج الغرابة والألفة وشاعرية الوصف وقوة الاستبطانات النفسانية هي لدى ماري ندياي أفضل طريقة لإيصال محمول سياسيّ يدور حول مسألة الإقصاء والتمييز السافر أو المستتر ورفض المختلِف أو غير المتطابق. صعوبة الاندماج: كيف ينخرط المرء في المحيط دون أن يتخلّى عن حصّة مضيئة من روحه «حصّة الغريب»، أو دون أن يتنازل عن فرادته؟ التهميش الذي يتعرض له الفرنسي بمجرد انتقالة بسيطة، فيصير غريباً وشبه منبوذٍ في قرية سياحية يُفترض أنها عائدة إلى بلده نفسه، يمكن التوسع في قراءته لتصبح رمزاً لأنماط تهميش أخرى. وهذا ما يحدو إلى التفكير في اختلاف ندياي نفسها في الساحة الأدبية الفرنسية، اختلاف جعل منها كاتبة على حدة، ودفع نقاد إلى التساؤل عن تصنيفها: فرنسية أم فرانكفونية؟ وهو تساؤل لا مبررات له على صعيد الفن؛ إذ إنّها ولدت لأب إفريقي، ولكنّها لم تعش في القارة السمراء قطّ.

يشار إلى أن ماري ندياي ولدت في نورماندي بفرنسا، لأم فرنسية وأب سنغالي لم تعرفه حقاً، ونشأت هي وأخوها الوحيد (باحث وأستاذ في علم التاريخ) في الضاحية الباريسية بور لا في كنف والدتهما المعلمة. ولم يكن لها أكثر من 17 سنة حين صدرت روايتها الأولى «أما عن المستقبل الثري» في عام 1985. ثمّ توالت أعمالها.

تويتر