من «فنجان قهوة» عبدالله عبدالرحمن

5 شهادات من «الإمارات في ذاكرة أبنائها»

صورة

من أكتوبر عام 1998؛ يأتي هذا العنوان: «الإمارات في ذاكرة أبنائها.. الحياة الاجتماعية»، للكاتب عبدالله عبدالرحمن، أما مضمون الإصدار ومقابلاته الثرية الشائقة، فتعود إلى ما قبل ذلك بسنوات، في منتصف الثمانينات، الفترة التي انطلق فيها صاحب الكتاب ليجوب ربوع بلاده، مجالساً «كنوزاً بشرية» تحفظ ذاكرة المكان، عاشت في «بلاد الخير» قبل الرخاء والطفرة، وتستشعر نعمة الاتحاد، وما حققه الآباء المؤسسون لهذا الوطن الغالي.

نشر عبدالله عبدالرحمن مقابلاته أسبوعياً في «الاتحاد» تحت عنوان «فنجان قهوة»، لتُجمع بعد ذلك في سلسلة «الإمارات في ذاكرة أبنائها» لتحتل مكانة خاصة، وأهمية كبيرة على رفوف المكتبة العربية، وليس الإماراتية فحسب، إذ تصطحب القارئ في رحلة بطول البلاد وعرضها، وتعرّفه على ملامح الإمارات بألسنة عفوية، تصور الماضي في البر والبحر والجبل، تلتقي الأجداد لتنصت إليهم، وتحاورهم، وتحفظ حكايا كثيرة دارت بين جنبات هذا الوطن.

وهنا خمس وقفات مع الكتاب:

1

عن الروابط المجتمعية والتكاتف بين الناس في المدينة، وأصالة المجتمع الإماراتي، يحكي الحاج سعيد بن أحمد آل لوتاه، مشيراً إلى أن عمليات جر السفن من البحر إلى السواحل للصيانة والإصلاح بالحبال، كانت بالتعاون الجماعي، مضيفاً: «لقد كان هناك اتفاق بين الناس على هذا التعاون، مثلاً إذا كان الواحد سيتزوج ويفتقر إلى الإمكانات والمقدرة يقولون إن (فلاناً) عنده (قهوة) غداً، ويذهب فلان هذا إلى السوق ويشتري صينية حلوى قيمتها روبية واحدة، وفي الغد يضع الصينية في وسط المجلس فيدرك الحضور أن الشخص في حاجة إلى معونة للزواج، لذا يتبرع له كل منهم بما في استطاعته ويضعه في الصينية، وتتكفل هذه التبرعات بزواج الشاب».

2

يسرد أحمد بن سالم بن مزروع، في كتاب عبدالله عبدالرحمن، كيف تعلَّم تجبير الكسور، والحكاية التي دفعته لاكتساب فنون طبية، إذ كان في رحلة مع والده إلى بومباي في الهند، وأصيبت ذراع الأب بكسر واشتدت الآلام عليه، ما دفع الشاب العشريني حينها أحمد إلى أخذ والده إلى عيادة، ووجد المكان مزدحماً بكثيرين من أهل الخليج: «وبينما كان الطبيب الهندي يفحص الكسر في يد والده، كان أحمد لا يكف عن السؤال والتأمل للتعرف إلى فنون المهنة بفطرته، ودوافع الحاجة الاجتماعية والإنسانية الملحة في بلاده». وشفيت ذراع الوالد، لكن الابن زار الطبيب في السنة التالية مهدياً إياه «لؤلؤة» كيما يستفيد من خبراته أكثر.

3

في مجلس الحاج بدر بن عبيد البدر، استمع عبدالله عبدالرحمن إلى تفاصيل عن الرحلة المباركة، وسفن الحجيج من موانئ دبي إلى الدمام، ومن ثم إلى مكة المكرمة، ويتذكر البدر: «رحلات الحج في الماضي كانت كثيرة المشاق، إذ كان بعض رجال البادية يقودون الحجاج على ظهور الإبل من دبي إلى مكة، في رحلات تستغرق ستة أشهر، وكثيرون الذين ماتوا ولم يحجوا بسبب تلك المشاق، لهذا فنحن هذه السنين نحمل قرابة 15 إلى 20 حجة عنهم، رحمهم الله، فالبعض يدفع عن أبيه وآخر عن أمه، وقد كنت أحمل الحجة الواحدة بـ400 أو 500 روبية، أما الآن فتصل التكاليف إلى 6000 درهم».

4

تحضر المرأة في كتاب «الإمارات في ذاكرة أبنائها»، وتلقي هي الأخرى بشهادتها على الماضي، ومن أبرز النماذج فاطمة مبارك مدفون، التي عرفت بأنها أمهر طباخة لحفلات الأعراس والمناسبات الخاصة في دبي على مدار 25 سنة متواصلة، واتسعت شهرتها لتعم كل الإمارات بمناطقها الساحلية وقراها الجبلية ومناطقها النائية، والكلام لعبدالله عبدالرحمن الذي يؤكد أن عشرات الآلاف من المدعوين تذوقوا من يد تلك السيدة وطهيها الشهي، إذ احترفت المهنة بعد أن توفي عنها زوجها، تاركاً لها أربعة من الأبناء الصغار. وتروي فاطمة مبارك بنت مدفون ذكرياتها من يوم أن كانت بائعة أسماك لزوجها الصياد، ورؤيتها للمجتمع المتكافل والنفوس الغنية بكل خير.

5

يقدم لهذا الجزء من «الإمارات في ذاكرة أبنائها» الأديب محمد المر، الذي يصف «فنجان قهوة» بأنها «من أفضل الأعمال الصحافية في تاريخ الصحافة الإماراتية القصير، إنها مسح شامل لذاكرة عشرات من أبناء هذا الوطن من مختلف الطبقات الاجتماعية، وعن مختلف الفترات التاريخية، لقد استطاع عبدالله عبدالرحمن أن ينفذ بذكاء ولباقة إلى عقول وقلوب العشرات من أبناء هذا الوطن، وأن يجعلهم يتكلمون بصراحة وصدق وعفوية عن حياتهم وتجاربهم الإنسانية، التقى مع الغواص وتاجر اللؤلؤ، مع المقاول والعامل، مع القاضي والمدرس، مع البحار والنوخذة، مع رجل الأعمال والموظف، مع الرجال والنساء، جعلهم يتكلمون بعفوية وصراحة بعيداً عن التغليف الإعلامي».

تويتر