صناعة السفن الخشبية من أقدم الحرف في الدولة

«الجلافة».. سواحل الإمارات تروي تاريخ «المهنة»

صورة

«أقرأ عن وطني»

مساحة من المعرفة تخصصها «الإمارات اليوم» لتعريف القرّاء من مختلف الأعمار بدولة الإمارات، من خلال طرح موضوعات ترتبط بالهوية الوطنية، وتاريخ الدولة وثقافتها، وتراثها ولهجتها وإنجازاتها، وكل ما يرتبط بهوية ومكونات الدولة، والشخصية الإماراتية، وهو ما يصبّ في تحقيق أهداف نشر المعرفة والثقافة التي يستند إليها «عام القراءة».


للبحر قصة طويلة في تاريخ الإمارات؛ إذ لعب دوراً مهماً في نشاط سكان المنطقة، وأثر حتى في عاداتهم وتقاليدهم، وأساليب الحياة التي كانت سائدة في المناطق الساحلية، فمن حيث النشاط الاقتصادي؛ كان صيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ من أهم الحرف التي اشتغل بها أهل الساحل المتصالح، ونتيجة لذلك ازدهرت أيضاً حرفة صناعة السفن الخشبية، التي عرفت في المنطقة باسم «القلافة» أو «الجلافة»، وتعد من أقدم الحرف في الإمارات، لاسيما أنها لم تكن تقتصر على صناعة سفن الصيد فقط، فكانت هناك السفن التجارية الكبرى التي كانت تستخدم في نقل البضائع بين الموانئ والمراكز التجارية الشهيرة في ذاك الوقت.

الملاح الشهير أحمد بن ماجد، الذي ولد وعاش في رأس الخيمة، أبرز الملاحين في القرن الـ15 الميلادي، وله العديد من المؤلفات البحرية التي ساعدت الملاحين وربابنة السفن في أسفارهم الطويلة، بما حوته من معلومات وإرشادات مهمة ومفيدة.

تعد «القلافة» من المهن الصعبة، وتتطلب حرفية وفهماً جيداً لأسرار المهنة، كانا يكتسبانهما العاملون فيها بفضل التدرب على أيدي الكبار والعمل معهم عن قرب، كما كان هناك توزيع للأدوار في المهنة، ومسمى مختلف لكل وظيفة.

أنواع

تختلف الفترة التي تستغرقها صناعة السفينة وفقاً لنوعها وحجمها، وتراوح بين ثلاثة أشهر وعام كامل، وغالباً كان يبدأ موسم بناء السفن من شهر أكتوبر ويستمر حتى يونيو، وكان يتم التصنيع في أماكن قريبة من الساحل.

وتتعدد أنواع الأخشاب التي كانت تستخدم في صناعة السفن، لكن كانت تتميز جميعها بالقوة والمتانة ومقاومة التشقق وتأثير الماء فيها، وكذلك عدم التأثر بالديدان والحشرات التي قد تؤثر في أنواع أخرى من الأخشاب، ومن أبرز هذه الأنواع وأكثرها استخداماً خشب الساج وجوز الهند والساكون، وكان يتم إحضارها من الهند على هيئة قطع كبيرة تقطّع وفقاً للحاجة.

أيضاً كان يتم استخدام أخشاب الأشجار التي مضى على قطعها فترة تراوح بين عام وعامين، حتى تكون قد جفت جيداً، واكتسبت المتانة اللازمة.


من الخليج إلى الشرق والغرب

بدأ الخليجيون ركوب البحر باستخدام قوارب من الجريد (سعف النخيل)، وكانت تسمى «البسط»، وكانوا يثبتون الجريد بخيط سميك من القطن يسمى «الخيط الحيطي»، ثم بدأوا صناعة السفن من الخشب، من خلال حفر جذع الشجرة، ليصبح مركباً صغيراً، وسمى هذا النوع «البانوش». وبعدها استخدموا ألواح الخشب في صناعة السفن والقوارب التقليدية. واستطاعت سفن المنطقة الوصول إلى سواحل إفريقيا والهند وغيرها. وبحلول القرن الـ15 كانت منطقة الإمارات تمثل قمة المعرفة بأسرار البحار.


1840

زورق غوص وسفينة، كانت تبحر من سواحل الإمارات عام 1890.

15

كانت السفن العربية أوائل القرن الـ15 تفوق الأوروبية، في التصميم والبناء والأداء.

أدوات خاصة

وتتباين أنواع السفن وأسماؤها باختلاف الغرض منها، وكان من أشهرها «البوم» التي قد تصل حمولتها إلى 700 طن، وكانت تستخدم في نقل الركاب والبضائع. كذلك هناك أنواع أخرى كانت تستخدم للغرض نفسه منها «البغلة» و«الغنجة»، أما السفن التي تستخدم في الغوص؛ فكانت أكثر عدداً من سفن السفر، ومن أنواعها: البتيل، البوم، الشوعي، السنبوك، الجلبوت، والبقارة، كما كانت هناك سفن تستخدم للنقل لمسافات قصيرة تسمى القطاعة.

وبشكل عام استطاع أبناء الإمارات تطوير صناعة السفن، واستخدموا أدوات ومعدات خاصة لتنفيذ كل جزء منها، مثل الكلفات: وهو القطن الذي يستخدم لمنع تسرب المياه داخل السفينة، والودك: وتصنع هذه المادة من شحم الأبقار بإذابته، وهو عبارة عن خليط من «الصل» (زيت سمك القرش) والشحم المذكور ينتج عنه معجون يلصق بخشب القارب ليمنع تسرب المياه، أما «الجدوم» فيستخدم في عمليات قص الأخشاب وقطعها وتشكيلها بالشكل الذي يريده «القلاف».

تطور الصناعة

تذكر الدراسات أن السفن الآسيوية والعربية، كانت أوائل القرن الـ15 تفوق السفن الأوروبية كثيراً في التصميم والبناء والأداء. ومع مرور الزمن تعددت أنواع السفن وتنوعت بحسب الهدف منها وطبقاً لمهمتها الأساسية، ومع تطور السفن تطورت مهنة صناعة السفن، لمواكبة أنواع وأحجام ومهمات السفن، لاسيما مع تغير الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، حسب ما يذكر الكاتب والباحث علي محمد راشد في كتابه «صناعة السفن الخشبية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، مشيراً إلى أن السجلات البريطانية أوردت إحصاءات بأعداد السفن وبحارتها في الإمارات خلال الأعوام من 1831 وحتى 1907، وتبرز هذه الإحصاءات مدى ازدهار صناعة السفن في تلك المرحلة، وتنوع السفن المصنعة التي تلبي احتياجات السكان، وتساعدهم على ممارسة نشاطاتهم البحرية وتوفير الدخل لأسرهم، ففي عام 1826 بلغ عدد السفن الخشبية 534 سفينة، فيما وصلت إلى 760 سفينة في عام 1831. أما في عام 1890 فتشير التقديرات إلى أن 1840 زورق غوص وسفينة، كانت تبحر من سواحل الإمارات كافة.

كما تحدث عن الملاح الشهير أحمد بن ماجد، الذي ولد وعاش في رأس الخيمة، وهو أبرز الملاحين في القرن الـ15 الميلادي، وله العديد من المؤلفات البحرية التي ساعدت الملاحين وربابنة السفن في أسفارهم الطويلة، بما حوته من معلومات وإرشادات مهمة ومفيدة.

تويتر