4 روايات بالألمانية حصاد الاستقرار.. بعد «التغريبة الطويلة»

عباس خضر.. عراقي يبدع بلغة غوته

عباس خضر: صعب.. بل مستحيل أن أعيد كتابة رواياتي بالعربية. من المصدر

مثل رواية مكتنزة بالتفاصيل، تبدو حكاية الكاتب العراقي عباس خضر، بعد سنوات قضاها «غجرياً» بين المهاجر، عقب هروبه من بلده سراً، وتنقلّه بين الأردن وليبيا وتونس ومصر، حتى وصوله إلى ألمانيا، واتخاذه قرار الكتابة بلغة غوته، بعد أن ذاق طعم الاستقرار، وعرف أن هناك مهنة تسمى «كاتب»، يمكن أن يشتغل على نصّه سنوات، كي يخرج بشكل يرضى عنه.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/10/385697.jpg

«الهندي المزيف» عنوان الرواية الأولى بالألمانية للكاتب عباس خضر، ووليتها روايتا «برتقالات الرئيس»، و«رسالة إلى جمهورية الباذنجان».

«رغم مرارة التجربة» يرى عباس خضر نفسه محظوظاً، بعيداً عن الموهبة والاشتغال الطويل على الذات؛ إذ لم يتصور أن تكون ردود الأفعال بهذه الطريقة في ألمانيا.

 


رفيق شامي.. نجم

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/10/385697.jpg

حول من يكتبون باللغة الألمانية من أصول عربية، والحديث مقصور على الكتابة الإبداعية، يؤكد عباس خضر أن العدد قليل جداً «ويأتي على رأسهم الكاتب رفيق شامي، وهو من أصل سوري، وأعتبره من نجوم الأدب الألماني الحديث، إذ تحقق رواياته مبيعات كبيرة، وحصل على العديد من الجوائز.. وحسب معرفتي أنا آتي في مرحلة تالية بعد شامي، من الجيل الجديد، وثمة تجارب أخرى لم تكتمل، لكن المواظبين الوحيدين هما رفيق وشامي وأنا».


قصص القاهرة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/10/385697.jpg

أشرف الكاتب عباس خضر على ورشة قصص القاهرة القصيرة التي نظمها معهد غوتة بالعاصمة المصرية، والتي فاز بمركزها الأول المترجمة والقاصة أميمة صبحي، واحتفى بها معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، بالإضافة إلى صاحبي المركزين الثاني والثالث. معرض فرانكفورت استضاف على مدى يومين الفائزين بالمسابقة والمشرف عليها عباس خضر، ليستعرضوا تجاربهم أمام جمهور المعرض، ويتحدثوا عن الورشة ومدى استفادتهم من المشرف عليها عباس خضر.

«الهندي المزيف» عنوان الرواية الأولى بالألمانية للكاتب عباس خضر، ووليتها روايتا «برتقالات الرئيس»، و«رسالة إلى جمهورية الباذنجان».

«رغم مرارة التجربة» يرى عباس خضر نفسه محظوظاً، بعيداً عن الموهبة والاشتغال الطويل على الذات؛ إذ لم يتصور أن تكون ردود الأفعال بهذه الطريقة في ألمانيا.

 ثلاث روايات، ورابعة في الطريق، واحتفاء بالتجربة وعدد من الجوائز.. حصاد مسيرة عباس خضر الذي يعد أحد الوجوه المعروفة في الأدب الألماني، إذ ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات – ليس من بينها العربية – وحازت إقبالاً من القراء الذي ينتظرون جديده، ويتلقفون أخباره، هناك في بلاد الرايخ.

رحلة وصول عباس خضر إلى ألمانيا وثقافتها وكذلك قارئها، لم تكن مفروشة بالورود، كما استعادها المبدع العراقي ورواها لـ«الإمارات اليوم» على هامش فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب التي اختتمت أخيراً؛ إذ كانت حافلة بتجربة إنسانية شديدة الخصوصية، بدأت في زمن صدام حسين، حيث فتى متعلق بالثقافة، وممسوس بالكلمة الشاعرة منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره، ونشر العديد من القصائد وهو في سن مبكرة: «جاءت الكتابة قبل الثورية، ولعب الشعر دوراً كبيراً في حياتي، وبعد عام 1991 كنت أنتمي إلى جيل غاضب، جيل لم يقتنع بفشل ثورة لم تكتمل حينها، وكان هذا هو السبب في دخولي معترك السياسة، وما كنت أراه محاولة ثقافية للبحث عن الحرية الغائبة». 

ضريبة مبكرة 

في عام 1993 دفع عباس جزءاً من ضريبة الكلمة والثورية المبكرة: «دخلت المعتقل وبقيت فيه عامين، وكنت من أصغر المعتقلين، في الـ19 من العمر.. وكان معي سياسيون حقيقيون، وأناس بسطاء، وتعلمت منهم الكثير، لذا أقول إن أفضل جامعة دخلتها في حياتي كانت المعتقل، بغض النظر عن المأساة، وهذا ما لعب دوراً كبيراً في حياتي». 

بعد خروجه من المعتقل في 1995 هرب عباس خضر من بلاد الرافدين بطريقة سرّية، لتتعدد محطات تغريبته ما بين الأردن وليبيا وتونس ومصر وتشاد: «نمت في الشوارع، وبحثت عن عمل في كل محطة حللت بها.. وفي عام 1999، توصلت إلى أنه لا يوجد مكان لي في العالم العربي، وقررت الذهاب إلى أوروبا، عبر باخرة أولاً من ليبيا إلى تركيا، ثم رحلة على الأقدام إلى اليونان، ثم إيطاليا، والوصول في النهاية إلى ألمانيا في عام 2000، ولم تكن الحياة في البداية سهلة، إلى أن أتتني الفرصة، ودرست الأدب المقارن والفلسفة في جامعة ميونيخ، وعندما انتهيت قررت أن أستمر في الكتابة، ولكن بقرار جديد: أن أكتب بالألمانية، وليس بالعربية».

التجربة الإنسانية الثرية، ومعرفة معنى الاستقرار، بعد الرحلة الطويلة، كانت سبب تغيير المسار من الشعر إلى الرواية، إذ اجتذب السرد قلم عباس خضر الذي يقول: «لعب الاستقرار دوراً كبيراً في هذا التحول، فعندما تكون على سفر ومشغولاً بالحياة، وكل شهر تحط في مكان جديد، فلا محل للرواية التي تتطلب صبراً، إذ قد تحتاج رواية 200 صفحة إلى العمل عليها ثلاث سنوات.. ومعظم وقتي كان في الطريق كأنني غجري، لذا لم أفكر سابقاً في الرواية، ولكن الاستقرار الحاصل في ألمانيا فتح لي هذه البوابة، وإمكانية أن أجلس وأشتغل على نص لسنوات».

 مهنة تسمى كاتب

 «رغم مرارة التجربة» يرى عباس خضر نفسه محظوظاً، بعيداً عن الموهبة والاشتغال الطويل على الذات: «إذ لم أتصور أن تكون ردود الأفعال بهذه الطريقة في ألمانيا، وخلال الفترة الأخيرة لا أعمل شيئاً سوى الكتابة، وفوجئت بأنه توجد مهنة تسمى كاتب، فهنا قارئ ينتظر وأناس يشترون الكتاب، ودعم مؤسساتي، وجوائز ومنح أدبية، وهناك أيضاً دعم نقدي، فثمة من يأخذ بيد الكاتب، ويقول هذا مبدع جيد.. وأعتقد أن الجوائز الأدبية التي حصلت عليها لعبت دوراً وشرعت لي نافذة واسعة، إذ أصبح لدي جمهور يقرأني وينتظر أخباري، ما أعتبره حقيقةً نوعاً من الحظ».

 العوالم الشرقية، وتراث المهاجرين، وقسوة تجاربهم.. وصفات يراها عباس خضر لا تصلح وحدها لاجتذاب القارئ الألماني، بل لابد من حرفية، وتقديم ذلك بشكل مغاير: «وإلا استطاع أي شخص عاش حكاية غريبة أن يرويها، وبالنسبة إليّ الحرفة تلعب دوراً أكبر من الموضوع، ومثلما يقول الجاحظ المعاني مطروحة في الطريق، ولقد جئت إلى تراث غوته وشيلر بثقافة أخرى، واحترمت عقل القارئ الألماني، ومحظوظ بأن أعمل على الحرفة بما لدي من موضوعات».

ويستطرد عباس خضر: «شئت أم لم أشأ، تجربتي وتجارب من عايشتهم حاضرة في رواياتي، وأحاول أن أصنع تمثالاً لمن لا صوت لهم، ففي روايتي الثانية تحدثت عن المعتقلات في العراق في زمن صدام وهي بعنوان: (برتقالات الرئيس)، أما الرواية الأولى فكانت بعنوان (الهندي المزيف)، والثالثة (رسالة إلى جمهورية الباذنجان)، فكانت عن قصة حب بطلها مطارد سياسي يحاول تمرير رسالته عبر كثيرين. والعراق كنا نسميه جمهورية الباذنجان، ففي زمن الحصار لم يكن لدينا إلا الباذنجان.. وهذه الموضوعات جزء من حكايتي، وحكايا الآخرين، فهي محاولة لخلق صوت من يعيشون في المنفى، ويوجد ناقد ألماني قال عني: عباس مدوّن تاريخ المنبوذين في الأدب الألماني، ويبدو أن هذا قدري».

 «صفعة».. ضرورية

 «صفعة».. هي الرواية الرابعة التي يعمل عليها عباس خضر حالياً، ويتوقع صدورها في يناير المقبل. وتدور عوالمها ـ حسب الكاتب - عن علاقة الألمان بالمهاجرين، إذ تحكي عن شخص من أصول عربية، يدخل دائرة الأجانب و«يكلبش» يدي مديرتها، ويطلب منها أن تسمع قصته، ليروي لها بالعربية لأنه لا يعرف الألمانية، والحديث لعباس خضر: «ففي الرواية نقد لهذا المجتمع وإشكالياته مع المهاجرين، فالمكان ليس جنة كما يعتقد البعض.. وأرى أنها ستكون صادمة للقارئ الألماني، ولكن أرى أن الصدمة في الأدب ضرورية».

 وحول هل توجد عروض لتحويل أعماله الروائية إلى شاشة السينما، يقول عباس خضر: «للأسف إلى الآن لا توجد هكذا عروض، إلا أن روايتي الأولى حُوّلت إلى عمل مسرحي، وعولجت إذاعياً». وبخصوص هل يمكن أن يعيد قلم عباس خضر كتابة أعماله بالعربية، يؤكد الكاتب العراقي: «هذا صعب.. بل شبه مستحيل أن أعيد كتابة رواياتي بالعربية، فذلك يتطلب جهداً ووقتاً لا أمتلكهما، علاوة على أنني مشغول دوماً بمشروع جديد، فأنا مثلاً أعمل على روايتي الرابعة منذ ثلاث سنوات، رغم أنها ليست طويلة».

تويتر