اعتمدت على «المطاوعة».. وارتبطت بالتعليم الديني

«الكتاتيب» مراكز العــلم الأولى في الإمارات

صورة

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/29123_EY_11-031-2015_p28-p29-1%20(1).jpg

واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


(الكتاتيب، الكتّاب، المطوّع، التومينة).. كلمات ومصطلحات بدأت تتوارى في المجتمع الإماراتي، وربما لا يعرف بعض أبناء الجيل الجديد معناها، رغم أنها شكلت أسس التعليم في بداياته في المنطقة. وكانت «الكتاتيب» هي الوسيلة الأهم وربما الوحيدة للتعليم المتعارف عليها في منطقة الخليج، فكانت بمثابة مراكز العلم والتعليم، تعتمد على «المطوع» الذي كان يتولى تعليم أطفال الحي وتحفيظهم القرآن الكريم وتلاوته.

ورغم ارتباطها بالتعليم الديني وحفظ القرآن، فإن «الكتاتيب» لم تكن تلحق بالمساجد أو تشكل جزءاً منها، للحفاظ على قدسية المسجد والشعائر التي تقام فيه، فكانت تقام في منزل «المطوع» أو في الفناء الخارجي له، حيث كان يجلس الأطفال على حصير من سعف النخيل أسفل عريش من السعف أيضاً، ويأتي الأطفال إلى «المطوع» في الفترة الصباحية بعد الإفطار، ويظلون في «الكتّاب» حتى الظهر.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/29123_EY_11-031-2015_p28-p29-1%20(6).jpg

وكان التعليم في «الكتاتيب» يختلف عن التعليم في المدارس، من حيث نوعه إذ كان يرتكز على القرآن الكريم وما يرتبط به من علوم، وكذلك من حيث طريقة التدريس، فبينما تعتمد المدارس على التعليم الجماعي، تقوم «الكتاتيب» على التعليم الفردي، حيث يقوم «المطوع» بتعليم كل طفل على حدة، ويبدأ يقرأ القرآن ويردد الطفل خلفه، إلى أن يتقن الطفل القراءة الصحيحة، فيتركه «المطوع» مع المصحف ليحفظ الآيات، ويتجه إلى طفل آخر.. وهكذا.

وكان «المطوع» يحتل مكانة خاصة في المجتمع، فكثير من «المطاوعة» يعرف المسائل الفقهية، وعلوم القرآن، والأحاديث النبوية الشريفة، ويستطيع إمامة الناس في المسجد، وإجراء العقود، خصوصاً عقود الزواج. ولم يقتصر عمل «المطاوعة» على الرجال، فكانت هناك «مطاوعة» من النساء، وكانت «المطوعة» تقوم بالمهمة نفسها التي يقوم بها «المطوع»، وكان الأطفال الصغار ذكورًا وإناثاً يجلسون في حلقة العلم الواحدة.

تطوّر التعليم

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/29123_EY_11-031-2015_p28-p29-1%20(5).jpg

عند اكتشاف النفط وبداية مرحلة التطوّر، أولت الدولة اهتماماً كبيراً بالتعليم، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يعدّ التعليم من أولويات التنمية.

ومن بين أقوال الشيخ زايد إن «الشباب هم ثروة الأمم الحقيقية». ولم يبخل على جميع المشروعات التي أخذت تنهض بالتعليم تدريجياً، لينشأ جيل مؤهل قادر على العطاء وخدمة الوطن. وبدأ تطور التعليم في الإمارات بصورة فعلية عام 1962، ولم يكن يتجاوز عدد المدارس حينها 20 مدرسة، يدرس فيها أقل من 4000 طالب، معظمهم من الذكور. وعند قيام الاتحاد عام 1971، لم تكن الخدمات التعليمية قد وصلت لكثير من القرى والحواضر، ولم يكن عدد الطلاب في الدولة يتجاوز الـ28 ألف طالب، فكان على من يرغب في إتمام تعليمه بعد الدراسة الثانوية الابتعاث إلى الخارج على نفقة الدولة.

المعلمون القدامى

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/29123_EY_11-031-2015_p28-p29-1%20(4).jpg

كان نظام «الكتاتيب» سائداً منذ زمن طويل، ومارسه عدد كبير من المطوعين والمطوعات. وهم المعلمون القدامى. واعتمد تعليم «المطوع» على حفظ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، إلى جانب التدريب على الكتابة والخط، والإلمام بأركان الإسلام والوضوء، ويوجد نوع متطوّر من التعليم في «المطوع» ظهر نتيجة لاختلاف الدروس التي يؤديها بعض المطوعين، وتنوعها في بعض الأحيان نتيجة لتنوع ثقافته وسعة معرفته ودرايته، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ظهور تمايز واضح في الدروس التي يتلقاها الأبناء على يد بعض المعلمين القدامى، وقد استمر التعليم لدى «المطوع» إلى بداية ظهور التطورية، حيث تراجع دوره شيئاً فشيئاً، واختفى من المجتمع بعد ذلك.

كساد

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/29123_EY_11-031-2015_p28-p29-1%20(3).jpg

أدى العديد من العوامل إلى توقف المدارس شبه النظامية، خصوصاً مع انتشار الكساد التجاري، وظهور اللؤلؤ الصناعي، وتأثير الحرب العالمية الثانية في التبادلات التجارية في الخليج العربي، ما انعكس ذلك بالسلب على تلك المدارس الرائدة، التي تخرج منها نخبة المثقفين من روّاد الإمارات، وكانت مدرسة الإصلاح القاسمية، التي تأسست في الشارقة سنة 1935، ساعدت من خلال تميز مناهجها في تطوّر التعليم من النمط شبه النظامي إلى التعليم النظامي. وعلى أنقاض هذه المدرسة، ومن خلال تجاربها التعليمية، تأسست أول مدرسة نظامية في الإمارات، وهي مدرسة القاسمية بالشارقة.

وكان تدريس القرآن الكريم يتم بطريقتين: الأولى تبدأ بها عملية التدريس، ويقوم فيها الطالب بقراءة كلمات القرآن بمفرداتها وتشكيلها، ومن خلال هذه الطريقة يتقن قراءة القرآن بطريقة سليمة، إلى جانب تعلمه قراءة الحروف وكتابتها أيضاً. بعد ذلك تأتي الطريقة الثانية وهي طريقة السرد، وفيها يقوم الطالب بتلاوة الآيات بطريقة متصلة، وليست كلمات مفردة مثل الطريقة الأولى. وغالباً تستغرق عملية حفظ القرآن فترة تراوح بين سنة وثلاث سنوات، ربما تزيد أو تقل عن ذلك، بحسب قدرات الطالب وقابليته للحفظ والتركيز، وفق ما ورد في كتاب «زايد والتعليم» الصادر عن الأرشيف الوطني، ولذلك كان ختم أي طفل للقرآن الكريم يعد حدثاً مهماً لابد أن يحتفل به الجميع احتفالاً لائقاً بما قام به من إنجاز.

كان الاحتفال بختم القرآن أو «الختمة» له تقاليده التي لا تقتصر على الطلبة فقط، ولكن يشارك فيها كل أهل الحي، فختم القرآن كان بمثابة خطوة تمهيدية لانتقال الطالب إلى مرحلة جديدة. وكانت هذه الاحتفالات التي عرفت باسم «التومينة»، مثل عيد للأسرة كلها، وتكريم علني واجتماعي للطالب الذي استطاع أن يحقق التفوق والسبق على أقرانه، فكان يتحوّل إلى محل اهتمام أفراد أسرته، فيتم تجهيز ملابس جديدة له. وإذا كانت فتاة، تعد لها الحُلي الذهبية لتتزين بها، وهي زينة تشبه كثيراً ما تتزين به العروس، كذلك كانت بقية الفتيات يشاركنها الاحتفال بارتداء ملابس جديدة وحُلي أيضاً وكأنه عيد. ويخرج الجميع مع «المطوع» أو «المطوعة» للطواف في الشوارع، ويقرأ فريق منهم أبيات في مدح الرسول، وفريق يردد «آمين».

في المقابل، يخرج أهل المنطقة لتحية الموكب وتقديم الهدايا لهم، وهذه الهدايا قد تكون نقوداً أو ملابس أو أقمشة أو مواد غذائية كالأرز، حسب مقدرة أهل البيت، وكانت الهدايا تجمع في «الجفير»، الذي يحمله طفلان في الموكب، وكلما امتلأ يذهبان إلى بيت «المطوع» أو «المطوعة» ليفرغاه ويعودان من جديد. وتستمر المسيرة من الصباح حتى موعد الغداء، فتتوجه إلى منزل أسرة المحتفى به، حيث تكون الأسرة استعدت بالذبائح لاستقبالهم.

بشكل عام، لم يكن «المطوع» أو «المطوعة» يحصل على أجر محدد نظير تعليم الأطفال، فكان الأجر يعتمد على الحالة المالية لأسرة الطالب، وكانت الأسرة تقدم مبلغاً أسبوعياً للمطوع، مهما كان بسيطاً، وكان يسمى «الخميسية»، وتدفع مبلغاً آخر شهرياً أكبر من «الخميسية» ويسمى «الشهرية». وعند ختم الطفل للقرآن كانت أسرته تغدق على «المطوع» أو «المطوعة» الأموال والهدايا، على قدر استطاعتها. كذلك كان إكمال الطالب حفظ جزء «عمّ» يعدّ مناسبة سعيدة تستحق الاحتفال، يحضر فيها الطالب الحلوى للمطوع وزملائه.

ولم يكن دور «المطوع» يقتصر على تعليم الطلبة وتحفيظهم القرآن فقط، ولكن كان يتولى تربيتهم وتأديبهم، وكانت الأسر تشكو له من تصرفات الأبناء، لأن الطلبة كانوا يخشونه ويخشون عقابه الذي كان غالباً يتمثل في الضرب بـ«الفلقة»، وهي خيوط من الحبال تلف بطريقة معينة على لوح من الخشب السميك.

أرقام وأحداث

20

لم يكن يتجاوز عدد المدارس في الإمارات 20 مدرسة، يدرس فيها أقل من 4000 طالب عام 1962.

28000

عند قيام دولة الاتحاد عام 1971، لم يكن عدد الطلاب في الدولة يتجاوز الـ28 ألف طالب.

1907

ظهر التعليم شبه النظامي في الإمارات عام 1907، إذ لعب دوراً كبيراً في نشر العلم والثقافة بين الناس.

1936

تأسست دائرة المعارف عام 1936، وهي أول دائرة للمعارف في الإمارات، وترأسها الشيخ مانع بن راشد آل مكتوم رائد حركة الإصلاح في الثلاثينات.

التعليم شبه النظامي

ظهر التعليم شبه النظامي خلال الفترة ما بين 1907 و1953. ففي هذه السنوات أدى تأثر تجار اللؤلؤ الكبار بحركات الإصلاح واليقظة العربية، ثم فتحوا المدارس التنويرية في المدن واستقدموا العلماء لإدارة تلك المدارس، والإشراف على تنظيم الدروس، ومن أشهر المدارس التطورية في الشارقة المحمودية سنة 1907، والإصلاح سنة 1935. وفي دبي الأحمدية وقد تأسست سنة 1912 والسالمية سنة 1923، والسعادة سنة 1925، وقد شهد التعليم التطوري في إمارة دبي تطوراً ملحوظاً منذ عام 1936، ففي هذا العام تأسست دائرة المعارف، وهي أول دائرة للمعارف في الإمارات، وقد ترأسها الشيخ مانع بن راشد آل مكتوم.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

 

تويتر