حي الشجاعية المُدمَّر شهد أكبر مهرجان للأفلام السينمائية في «القطاع»

«السجادة الحمراء».. بوابة مشرّدي غزة لمحاورة الإنسانية

صورة

بينما كانت مدينة غزة تغرق في الظلام الدامس، نتيجة استمرار أزمة انقطاع الكهرباء، كان حي الشجاعية المدمر الواقع شرق المدينة يكتسي بالسجادة الحمراء، فيما قضى سكانه من أصحاب المنازل المدمرة، ولأول مرة، ليلة سينمائية بامتياز، لتعود الحياة إليهم بعد أن ذاقوا ويلات الحرب الإسرائيلية الأخيرة، التي انتهت أغسطس الماضي.

على الدرب السليم

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/05/8ae6c6c54aa0819a014d4eaf7d3810a4.jpg

قال المخرج فايق جرادة، في غزة، إن «تنظيم مهرجان تحت مسمى السجادة الحمراء، والذي يقام على أنقاض البيوت المدمرة في حي الشجاعية، التي دمرت بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، يعني أننا نسير على الدرب السليم، وأن غزة بدأت تعيش حالة رفض للمأساة».

ويستعرض المهرجان، بحسب جرادة، مجموعة رائعة من الأفلام التي تخاطب الإنسان، وحقه في العيش الكريم والحياة والحب، ويأتي نتيجة عمل جماعي محض، غير متقيد بإطار ثقافي أو فكري أو مادي، فيما يتحدى إشكالية الرفض والقبول، كونه يطرح خطاباً مغايراً.

ويشدد على ضرورة الاعتناء بالصورة وثقافتها في غزة من قبل الأوساط العربية، وتهيئة الوسائل الإيجابية لإيجاد جيل لديه ثقافة فنية مدعمة بخطط يشترك فيها المثقفون والأكاديميون والباحثون والشعراء والمختصون والمخرجون.

ويؤكد أن غزة بحاجة ماسة إلى مثل هذه المهرجانات السينمائية، التي تحمل مضامين جميلة، لدورها الكبير في تحقيق الأمل لمن فقد منزله في الحرب، وإعادة روح الحياة لمن فقدها طوال الفترة الماضية.

ونسجت الستارة الحمراء، التي غيرت ملامح الحي المدمر، على أيدي فنانين ومخرجين من أبناء غزة المحاصرة، ليسير عليها أصحاب المنازل المدمرة في حي الشجاعية، ما يعيد إليهم كرامتهم المنتهكة، ويثبت للعالم أنهم أحد أجزاء المنظومة الإنسانية الكونية، رغم الحدود الموصدة في وجوههم.

أجواء الليلة الصاخبة بالصوت والصورة، كانت إحدى فعاليات مهرجان كرامة غزة لأفلام حقوق الإنسان «السجادة الحمراء» 2015، والذي انطلق وسط المنازل المدمرة في حي الشجاعية، حيث عرضت أفلام سينمائية تحمل مضامين إنسانية، أمام المئات من الذين انتهكت إنسانيتهم، وهدمت منازلهم، وقتل أبناؤهم.

يقول المخرج خليل المزين، صاحب مبادرة مهرجان كرامة غزة في غزة، لـ«الإمارات اليوم»، إن «السجادة الحمراء يسير عليها النجوم والمشاهير، لكن نحن أردنا تغيير شكلها، فاخترنا منطقة الشجاعية الأكثر تعرضاً لانتهاكات حقوق الإنسان، وبسطنا السجادة بين الأنقاض ليمر عليها كل الناس من البسطاء، وأهالي الشهداء، وأصحاب المنازل المدمرة».

ويضيف «السينما بوابتنا إلى العالم، لكن نحن محاصرون، ولا يمكننا السفر للمشاركة في المهرجانات العربية والعالمية، لذلك قررنا عرض أفلام سينمائية في غزة، لنضفي أجواء الحيوية على حياة غزة الصامتة، فقد تواصلنا مع العديد من المؤسسات في الخارج، وأحضرنا أفلاماً سينمائية ووثائقية تحمل مضامين إنسانية عالية».

المواطن رياض جندية، الذي هدم الاحتلال منزله في حي الشجاعية، كان أول الحاضرين هو وأطفاله الأربعة للسير على السجادة الحمراء، وحضور عروض السينما، حيث استمتع أطفاله بمشاهد بيت النملة الذي عرض فوق أنقاض منزلهم المدمر.

ويقول جندية، لـ«الإمارات اليوم»، بينما يلتف أطفاله من حوله: «لم أحضر إلى منزلي المدمر منذ أشهر عدة، حيث لا يوجد ما يدعونا للحياة في تلك المنطقة، بعد أن فقدنا مأوانا الوحيد، لكن اليوم عدت إلى المنطقة التي كنت أسكن بها، وكان المشهد مختلفاً تماماً، وقد جذب أطفالي للبقاء، فقد تفاعلوا مع الأفلام السينمائي، وقضوا خلال مشاهدتها أوقاتاً ممتعة أدخلت الفرحة إلى قلوبهم».

ويضيف «مشهد السجادة الحمراء أعاد إلينا اعتبارنا، وأشعرنا بكرامتنا التي سلبها الاحتلال، فقد فرشت بين أنقاض منزلنا، وسار عليها كل من انتهكت إنسانيته، والجميع شعر بالفخر نتيجة اهتمام الفنانين بهم، وسعيهم لإدخال ملامح الحياة إليهم».

من جهة أخرى، يقول الشاعر سائد السويركي، الناطق الإعلامي لمهرجان كرامة غزة السجادة الحمراء، على هامش افتتاح المهرجان، إن «غزة التي أرادها الاحتلال أن تحمل وجهاً جرحته الحروب، تعلن اليوم أنها بنت فلسطين بأكملها، وأنها لا يمكنها العيش خارج جذورها التي تمتد إلى الضفة والقدس، فاليوم غزة ومن خلال مهرجان السجادة الحمراء تحاور العالم عبر الصورة والصوت والسينما، وتحتضن مهرجاناً سينمائياً كبيراً بشكل لم يعهده العالم قبل ذلك».

ويشير إلى أن مهرجان السجادة الحمراء 2015، ينطلق بتوأمة مع مهرجان كرامة الأردني - المعمل 612 للأفكار، وبالتعاون مع شركات محلية في غزة للإنتاج الفني والإعلامي والسينمائي.

ويقول السويركي «جميع هذه المؤسسات أجمعت على أن حضور غزة سينمائياً رغم الحرب لايزال قوياً، رغم ما تبقى من الجدران التي سحقتها الحرب، فمع وجود الآلاف من الضحايا والمصابين، وقلة الإمكانيات المتاحة إلا أن السينما تنتصر هنا في غزة، لتصبح الأفلام العالمية جزءاً من واقع غزة، وتعرض وسط أنقاضها، وفي شوارعها المتربة التي باتت بلا حدود».

ويشير إلى أن مهرجان كرامة غزة لأفلام حقوق الإنسان السجادة الحمراء 2015، هو صورة غزة التي لا تنجح العتمة في طمسها، والوثيقة التي تؤكد أن الصواريخ وقذائف المدفعية لن تستطيع أن تخرج أبناء غزة عن السياق الإنساني. وإلى جانب أصحاب المنازل المدمرة، كان يوجد العديد من المخرجين الفلسطينيين والمهتمين بالأفلام الوثائقية، الذين جذبهم مهرجان السجادة الحمراء لحضوره، والسعي لتكرار تجربته مرات عديدة بمشاركة أفلام من إنتاجهم. ويقول المخرج الفلسطيني فايق جرادة، أحد المشاركين في مهرجان السجادة الحمراء، إن «إقامة مهرجان بصري في غزة، رغم الظروف الصعبة التي تعيشها، شيء جميل وأمر لافت للنظر، والأجمل أن يكون هذا المهرجان متخصصاً في حقوق الإنسان، في وقت انتهكت فيه كل أنواع حقوق الإنسان».

أفلام وثائقية

كانت الأفلام الوثائقية وسيلة لتصدير صورة غزة والقضية الفلسطينية إلى العالم، وتوثيق ملامح الحياة فيها، وما تتعرض له من ممارسات وجرائم من قبل الاحتلال، الأمر الذي أثر في صياغة الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية.

وتنوّعت الأفلام الوثائقية، لتشمل العديد من القضايا المحورية، التي تمس الواقع الفلسطيني ككل، أبرزها الحروب التي عصفت بغزة، حيث صورت أحداثها والانتهاكات والجرائم التي حصلت خلالها، وما نتج عنها من مآسٍ، وأيضاً قضية الأسرى، وما يمرون به من تعذيب خلال التحقيق.

وجذب توثيق الأفلام لمثل هذه القضايا بتفاصيلها اهتمام العديد من المؤسسات الإعلامية لبثها، ما أوجد حافزاً لصانعي الأفلام الوثائقية في غزة، لتطوير أفلامهم شكلاً ومضموناً.

تويتر