كتاب المؤرخ البريطاني ألفريد جاشوا بتلر

«الحياة في البلاط الملكي».. شهادة متحيّزة للخديوي

صورة

بعيداً عن أجواء الحريم والجواري اللواتي شغلن كثيرين، لاسيما كتبة أعمال درامية عدة، تأتي شهادة البريطاني ألفريد جاشوا بتلر، على واحد ممن سكنوا القصور في مصر، وهو الخديوي توفيق، نجل الخديوي إسماعيل سليل أسرة محمد علي، والذي شهدت «المحروسة» في عهده الكثير من الأحداث المفصلية في تاريخ مصر المعاصر.

تجربة ذاتية، وشهادة ــ تعلن تحيّزها المطلق - يسجلها المؤرخ البريطاني بتلر في كتابه «الحياة في البلاط الملكي المصري»، من ترجمة وتحقيق محمد عزب، ومي موافي، والصادر عن دار ليليت للنشر في مصر، في 268 صفحة. تبدأ الشهادة التي أخذت اتجاهاً روائياً في العديد من الصفحات، من اللحظة التي استدعي فيها بتلر، عام 1880 ليدرس لأبناء حاكم مصر حينها وهو الخديوي محمد توفيق، ليرافق ذلك «المعلم» ليس الأمراء الصغار فحسب، بل الخديوي، وليظل في مصر أكثر من عام، طاف خلاله البلد، من الصعيد إلى النوبة، إلى الدلتا، والإسكندرية.

أزمنة

-- في يناير عام 1880 استدعى الخديوي محمد توفيق المؤرخ البريطاني ألفريد جاشو بتلر ليتولى تعليم أبنائه، فمكث في هذه الوظيفة حتى فبراير 1881.

-- عام 1884 عاد بتلر إلى مصر، وعقب عودته لإنجلترا وضع كتاب «الكنائس القبطية القديمة في مصر»، وحصل على الدكتوراه في عام 1902.

-- في 1902 أيضاً وضع بتلر كتاب فتح العرب لمصر، وترجمه الراحل محمد فريد أبوحديد، وصدر في 1996؛ أي بعد أكثر من 90 عاماً من صدوره «الأمر الذي يعكس واقع الترجمة في عالمنا العربي»، كما يذكر مترجما كتاب «الحياة في البلاط الملكي المصري».

يوضح الكتاب كيف تعاملت أقلام غربيين مع الشرق وأهله، إذ يفصلون بين المكان وساكنيه، تستهويهم الأبنية والجدران العتيقة وروح الماضي؛ لكن في الآن ذاته يأنفون من الشرقيين الذين يرونهم لا يستحقون ذلك الزخم، ولا ميراث تلك الحضارات القديمة؛ ولعل المؤرخ البريطاني بتلر واحد من حملة تلك الأقلام، إذ تبدو «العنصرية» طاغية على صفحات عدة في كتابه «الحياة في البلاط الملكي المصري»؛ فبعيداً عن ساكن القصر الخديوي توفيق؛ لا يرى الكاتب بشراً يستحقون الإشادة، لا يفرّق بين فلاح فقير، ولا حتى «باشا»، جميعهم يحملون صفات يحقرها بتلر دوماً، ولا يقف الأمر عند هؤلاء، بل يتخطاهم ليصل إلى ضباط مصريين وقادة بالجيش حينها، يأتي على رأسهم أحمد عرابي، الذي اعتبره المصريون «زعيماً، وصاحب أول ثورة»، فيما وصفها الكاتب الإنجليزي بتلر بالتمرد، وأشار على الخديوي توفيق بأن يسحق رؤوس عرابي ورفاقه، ولا يستجيب لمطالب الجيش المصري، لكن توفيق لم يستمع إلى تلك المشورة، وآثر أن ينحني حتى تمر العاصفة.

بعيداً عن المكان وشمسه الذهبية وآثاره وتحفه؛ يبدو صاحب الكتاب دائماً حانقاً؛ تنضح كلماته بالسخط على المصريين وسواهم، لا يرضيه سوى الخديوي توفيق، فالخديوي إسماعيل ــ مثلاً - من وجهة نظر الكاتب البريطاني «الشخصية الغريبة التي جمعت بين الفرعون وهارون الرشيد على أعتاب القرن التاسع عشر» و«عديم الضمير ومتجرد من المبادئ» و«طاغية وصائداً للعبيد». بينما في المقابل توفيق «يبغض العبودية، وكل من يقومون على خدمته يتقاضون أجراً نظير الأعمال التي يضطلعون بها»، و«خلع وجهه البشوش الذي يرى دائماً على سجيته، وكذا صوته الذي يأخذ بالألباب، وتصرفاته الرزينة على شخصيته سحراً وفتنة»؛ و«من الغرابة بمكان أن الخديوي (توفيق) لا يدخن، بل قل إنه الشرقي الوحيد الذي قابلته لا يدخن».

لكن ينبغي الإشارة إلى أن الكتاب سجل الكثير من العادات، ورسم صوراً للحياة خلال الأشهر التي قضاها في مصر، لاسيما أنها كانت حافلة بالتنقلات بين ربوع مصر، ما أتاح له رؤية مشاهد بالجملة، وتسجيلها في ما بعد.

اللافت هو الرقة التي تتلوّن بها الصفحات حينما يصف المؤلف مشهداً في معبد قديم بصعيد مصر؛ أو بيتاً عتيقاً في مدينة رسيد الساحلية، أو يتتبع حتى خيوطاً أخيرة لشمس غاربة على ضفة نيل مصر. لم يخف الكاتب محبته للمكان ــ لا لأهله وناسه ــ في العديد من مفاصل تجربته في مصر، ومن ذلك ما كتبه مثلاً في آخر الصفحات: «لا يمكن لشخص أمضى عاماً واحداً في القاهرة، تلك المدينة الذهبية وتغلغلت روح الشرق في كيانه أن ينسى ذلك المساء الذي ودع فيه هذه الحياة إلى الأبد ليعود من جديد إلى وحشة أوروبا وكآبتها. عشت هذه التجربة وانطبعت في وجداني ذكرياتها الفريدة الوافرة، ورأيت حلم الإصلاح الذي يدخل في باب الاستحالة يتحقق».

تويتر