تصدّر اهتمامات الشيخ زايد منذ البداية كونه أساس التنمية والتطوير

التعليم بدولة الاتحاد..من الكتاتيب إلى المدارس الحديثة

صورة

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ 2 ديسمبر 1971 الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها. واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971» التي أطلقها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة؛ تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم» بالتعاون مع «الأرشيف الوطني» التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/27683_EY_14-12-2014_p286-p29-1%20(1).jpg


منذ بداية قيام دولة الإمارات، احتل التعليم مكانة الصدارة في اهتمام القيادة، ولدى مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي وضع على رأس أولوياته تحسين الوضع المعيشي للمواطنين في أسرع وقت ممكن، والنهوض بالتعليم، كونه أساس التنمية الشاملة والتطوير.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/27683_EY_14-12-2014_p286-p29-1-(17).jpg

في المرحلة التي سبقت عام 1971، كانت هناك بضع مدارس لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وعند تأسيس دولة الإمارات كان عدد السكان، بحسب ما جاء في كتاب «زايد رجل بنى أمة»، 200 ألف نسمة، وتكاد نسبة الذين كانوا يقرأون ويكتبون من هؤلاء لا تزيد على خمس عدد السكان. أما في العام الدراسي 1964-1965 فكان في أبوظبي ست مدارس يرتادها 390 من الفتيان، و138 من الفتيات، ويتولى التعليم فيها 33 معلماً، في حين كان في الإمارات الأخرى مجتمعة 31 مدرسة، منها 12 مدرسة للفتيات، في الوقت الذي كانت البحرين وقطر أسبق في هذا المجال. وبينما كانت دبي والشارقة ورأس الخيمة أفضل حالاً من سواهما، لأن التعليم كان متوافراً لـ7% من سكانهما، كان 4% فقط من سكان الفجيرة يجدون لهم مقاعد دراسية.

في المقابل؛ قدّرت الأمم المتحدة نسبة المتعلمين في الإمارات العربية المتحدة بـ53.5%، وفي عام 2000 كان التقدير بأن هذه النسبة وصلت إلى 79%، أما في عام 2007 فأعلن معهد الإحصاءات التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، أن هذه النسبة ارتفعت إلى 88.7%.

وسعى الشيخ زايد إلى الانضمام السريع إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بهدف الاستعانة بها في تطوير النظام التعليمي في دولة الإمارات، وذلك في أبريل عام 1972، وما لبث أن أنشأ علاقة وثيقة مع المقر الرئيس لهذه المنظمة في باريس.

وكان حريصاً على أن تقيم المؤسسات التربوية في الإمارات توازناً بين النهجين التقليدي والحديث في برامجها التعليمية، في حين أصر على أن ينال تعليم الفتيات اهتماماً لا يقل عن الاهتمام بتعليم الفتيان، ورُصدت ميزانية تربوية بنسبة 4% من الميزانية الاتحادية العامة تسهيلاً لتنفيذ برنامج بناء عدد من المدارس على وجه السرعة. وكان المؤسس الشيخ زايد، ومعه كثير من مساعديه وأفراد الشعب، يدرك ما يواجه المشروع التربوي الكبير، الذي يطمح لتحقيقه، من الصعاب، فلم يكن في الإمارات سوى بضعة معلمين مؤهلين من المواطنين في 1971، أما البقية فكانوا من مصر والأردن وفلسطين وسورية. وعلى الرغم من حصولهم على رواتب تفوق ما يجنيه أمثالهم في بلادهم، لم يكن من السهل إغراء المعلمين من ذوي الكفاءة العالية بترك أوطانهم والمجيء إلى الخليج.

يقول ثاني بن عيسى بن حارب الذي شغل ثلاث حقائب وزارية في سبعينات القرن الماضي «كان التنفيذ يواجه صعوبات كبرى، لاسيما في مجال الخدمات العامة، وكانت يد الشيخ زايد تدفع بكل واحد منا في الحكومة الاتحادية إلى مواصلة العمل». ورغم أهميته للمجتمع؛ كان التعليم من الأمور الشائكة التي واجهت رئيس الدولة وحكومته، فاليوم الدراسي الكامل من شأنه أن ينتزع الفتى أو الفتاة من موقعهما التقليدي في النسيج العائلي، وهذا أمر كان يدركه الشيخ زايد منذ تولى الحكم في أبوظبي عام 1966، ما يعني أن أبوظبي لا يمكن أن تكون مستقرة ومزدهرة مع إنشاء مجتمع ثري متعلم في المناطق الساحلية، في الوقت الذي يبقى مواطنوها من البدو في المناطق الصحراوية الداخلية يفتك بهم الفقر والجهل.

وعمل الشيخ زايد في لقاءاته المتكررة مع شيوخ القبائل على بحث كيفية تنفيذ خططه ورؤيته لتطوير المجتمع، وفي الوقت نفسه الحفاظ على القيم التقليدية، وهو ما يشرحه رجل الأعمال محمد الفهيم: «لم يكن الشيخ زايد بحاجة إلى وقت طويل ليتبين أن إقناع العائلات البدوية بفوائد إرسال أولادهم إلى المدرسة لم يكن أمراً مستحيلاً، لكن تبين له أيضاً أن للمشكلة وجهاً آخر هو أن كل ولد يذهب إلى المدرسة ليقضي يوماً دراسياً كاملاً تخسر بغيابه العائلة يداً منتجة». ويضيف «خرج الشيخ زايد بالحل، وهو أن تدفع الحكومة للعائلة بدلاً مالياً عن كل ولد من أولادها يداوم دواماً مدرسياً كاملاً. ولم يمض وقت طويل على ولادة الدولة الاتحادية حتى كان الرئيس يعمم برنامجه هذا للدعم المدرسي على الإمارات الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك، كان التلاميذ يحصلون على الملابس والكتب والوجبات المدرسية». هذا البرنامج خلق مخرجاً لمشكلة حقيقية في المجتمع، وفتح باب التعليم أمام أطفال الإمارات، لاسيما الآتين من عائلات محدودة الدخل.

وفي ديسمبر 1973 كانت وزارة التربية والتعليم تدير 110 مدارس تضم 40 ألف تلميذ. وفي منتصف فبراير من العام التالي أعلن وزير التربية والتعليم، آنذاك، د.عبدالله عمران تريم، أن عدد المدارس ارتفع إلى 155 مدرسة تضم 51 ألف تلميذ، بما يعكس الإنجازات السريعة التي حققتها دولة الاتحاد في أول عامين من عمرها.


أرقام وأحداث

1971

عند قيام الاتحاد لم تكن الخدمات التعليمية قد وصلت إلى كثير من القرى والحواضر، ولم يكن عدد الطلاب يتجاوز 28 ألفاً، فكان على من يرغب في إتمام تعليمه بعد الثانوية الابتعاث إلى الخارج.

1973

في ديسمبر عام 1973 كانت وزارة التربية والتعليم تدير 110 مدارس تضم 40 ألف تلميذ.

90 %

تعمل الدولة على توطين التعليم، لتصل نسبة المواطنين العاملين في سلك التربية والتعليم إلى 90% بحلول 2020. وتنتشر المدارس اليوم في كل مكان، إذ ينال كل طالب وطالبة حظه من التعليم والرعاية التربوية من دون تمييز.

2007

في عام 2007 أعلن معهد الإحصاءات التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، أن نسبة المتعلمين في دولة الإمارات ارتفعت إلى 88.7%.

الكتاتيب صنعت البداية

كان نظام الكتاتيب من أوائل نظم التعليم التي ظهرت في المنطقة، وكان سائداً منذ زمن طويل، واعتمد على عدد كبير من المطوعين والمطوعات الذين يُعتبرون المعلمين الأوائل. واعتمد تعليم «المطوع» على حفظ القرآن والأحاديث إلى جانب التدريب على الكتابة والإلمام بأركان الإسلام. ويوجد نوع متطور من التعليم في نظام الكتاتيب ظهر نتيجة اختلاف الدروس التي يؤديها بعض «المطوعين» وتنوعها، نتيجة تنوع ثقافته وسعة معرفته ودرايته، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ظهور تمايز واضح في الدروس التي يتلقاها الأبناء على يد بعض المعلمين القدامى، وقد استمر التعليم لدى الكتاتيب إلى بداية ظهور المدارس التطورية، حيث تراجع دوره شيئاً فشيئاً، واختفى من المجتمع بعد ذلك.

التعليم والاستدامة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/27683_EY_14-12-2014_p286-p29-1%20(4).jpg

في الوقت الحالي؛ يشهد التعليم في الإمارات تطوراً مستمراً، حيث تتجه وزارة التربية نحو التعليم من أجل الاستدامة، وهو ما يعد من أولويات المرحلة المقبلة، في ظل التزام دولة الإمارات بالتوجه الدولي وما تم اعتماده عالمياً في هذا الشأن، بعد أن أصبحت الاستدامة ضمن الركائز الأولى للتنافسية العالمية، وواحداً من المؤشرات المهمة للتنمية والتقدم والتصنيف الدولي، وقياسات الاستخدام الأمثل للموارد والحفاظ عليها، وهي أيضاً المحور الأساسي للعمليات المؤسسية في القطاعين العام والخاص، إلى جانب أنها أحد أهم مكونات منظومة التعليم وعناصره الرئيسة.

ويعتمد تطور التعليم في الإمارات على امتلاكها كل أسباب النجاح ومقوماته، من الخبرات والكفاءات، والخطط والمنهجية العلمية، والموارد المتنوعة، وقبل كل ذلك الدعم غير المحدود من قيادتها الرشيدة، والإصرار وروح التحدي والعزيمة، والفريق الواحد، ولهذا تعد دولة الإمارات هي الأقرب لتقديم نموذج استثنائي للتعليم من أجل التنمية المستدامة، وهي الأقرب لتحقيق هذا الهدف العالمي، الذي اعتمدته اليونسكو لأكثر من 100 دولة بما فيها الدول المتقدمة، وصاحبة المراكز الأولى، التي تعد الإمارات ضمن طليعتها، خصوصاً مع توجه الإمارات ووزارة التربية إلى تطوير منظومة المدارس الإماراتية المنتسبة لشبكة مدارس اليونسكو العالمية، والبالغ عددها 200 مدرسة، بما يحقق الاستثمار الأمثل للمفاهيم الجديدة للنظم التعليمية، والقائمة على الابتكار ومهارات القرن الـ21 والاستدامة.

بدايات التعليم النظامي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/27683_EY_14-12-2014_p286-p29-1%20(8).jpg

بدأ التعليم النظامي في الإمارات مع افتتاح مدرسة القاسمية بالشارقة سنة 1953 ــ 1954، وهو أول عام دراسي في سلك التعليم النظامي الذي ظهر في بداية التعليم الحديث أو الحكومي في الإمارات، وكان تعليماً منظماً في مدارس وفصول ومقررات، إلى جانب تقويم الطالب ومنحه شهادة دراسية في نهاية العام الدراسي. وتطور التعليم النظامي في الإمارات خلال مرحلتين: الأولى كانت تعتمد على الحكومات المحلية ودوائر المعارف التي تأسست خلال الستينات، أما الانطلاقة الكبرى للتعليم فقد حدثت منذ الثاني من ديسمبر عام 1971، وهو اليوم الذي أعلن فيه عن قيام دولة الإمارات، فتأسست الوزارات الاتحادية، منها وزارة التربية والتعليم والشباب التي تولت مسؤولية الإشراف على التعليم في مراحله المختلفة وانتشرت خلال تلك الفترة المدارس الحكومية المجهزة بأحدث الأجهزة والوسائل، وذات الطراز المعماري الراقي، واستقدمت الدولة البعثات التعليمية من مختلف البلدان العربية لتسهم في تطور التعليم الحديث.

التعليم غير النظامي

خلال الفترة ما بين 1907 و1953 ظهر التعليم شبه النظامي، نتيجة تأثر تجار اللؤلؤ الكبار (الطواويش) بحركات الإصلاح واليقظة العربية في تلك الفترة، حيث قاموا بفتح المدارس التنويرية في المدن، واستقدموا العلماء لإدارة تلك المدارس والإشراف على تنظيم الدروس وسير التعليم فيها، ومن أشهر المدارس التطورية في الشارقة: المدرسة التيمية المحمودية سنة 1907، والإصلاح سنة 1935. وفي دبي: الأحمدية التي تأسست سنة 1912، والسالمية سنة 1923، والسعادة سنة 1925، ومدرسة الفلاح سنة 1926. وشهد التعليم التطوري في إمارة دبي تطوراً ملحوظاً منذ عام 1936، ففي هذا العام تأسست دائرة المعارف، وهي أول دائرة للمعارف في الإمارات، وترأسها الشيخ مانع بن راشد آل مكتوم رائد حركة الإصلاح في الثلاثينات. وفي أبوظبي تأسست مدرسة آل عتيبة سنة 1930، وظهرت بعد ذلك مدارس عدة تنتمي للنمط نفسه في مدن الإمارات الأخرى. واستمر التعليم التطوري حتى أواخر الأربعينات، إذ أدى العديد من العوامل إلى توقف تلك المدارس، خصوصاً مع أزمة الكساد التجاري، وظهور اللؤلؤ الصناعي، وتأثير الحرب العالمية الثانية على التبادلات التجارية في الخليج العربي، ما انعكس بالسلب على تلك المدارس الرائدة التي تخرج فيها نخبة المثقفين من رواد الإمارات، وكانت مدرسة الإصلاح القاسمية التي تأسست في الشارقة سنة 1953 قد ساعدت من خلال تميز مناهجها على تطور التعليم من النمط شبه النظامي إلى التعليم النظامي.

للإطلاع على صور تاريخية يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر