يروي فصولها في «على هامش الرحلة»

سيرة أبوالغار.. الوطن في دور البطولة

صورة

متون ممتدة، وتفاصيل تضرب بعيداً، وحكايا من التاريخ العام والخاص، يسردها الدكتور محمد أبوالغار في كتابه «على هامش الرحلة»، الذي امتزجت في صفحاته سيرة الشخص بسيرة الوطن، بل وتحوّل الأخير إلى دور البطولة، طاغياً على حياة المؤلف نفسها، وفصولها المحتشدة بالأحداث والشخوص والأسماء.

بأسلوبه الأنيق يقدم الأديب السوداني الراحل الطيب صالح، أستاذ الطب أبوالغار إلى القراء، معتبراً أن عنوان الكتاب «على هامش الرحلة» يحمل أبرز سمات أبوالغار، وهو تواضعه المعهود، واصفاً الكتاب بـ«الممتع»، إذ يروي قصة عائلة تصلح نموذجاً للأسرة المصرية، ويتنقل مع رحلة أبوالغار في طلب العلم من شبين الكوم (عاصة المنوفية في دلتا مصر) إلى القاهرة، فكوبنهاجن، فاستكهولم، فالعالم الواسع.

أبوالغار الذي ربما صار وجهاً مشهوراً لدى البعض، لارتباطه بأحوال مصر بعد ثورة 25 يناير، واشتراكه في إنجاز الدستور الأخير، يحفر في ذاكرته، ويذهب إلى تواريخ قديمة، ربما من قبل لحظة ميلاده في 1940 لأسرة متوسطة الحال (أب وأم متعلمان)، في زمن كان فيه التعليم نادراً. ويسرد بتفصيل قصصاً عائلية، تتعلق بأسرتي الأم والأب، يسيطر الوالدان على ذلك السرد، بداية من إهداء الكتاب لهما، وحتى الصفحة الأخيرة من سيرة أبوالغار، إذ حضر غياب الأب فيها، وروى أبوالغار عن أنه كان يتمنى أن يقرأ «على هامش الرحلة» لوالده الذي رحل قبل أن يرى الكتاب النور. ويحكي أبوالغار ذلك بشجن، ووفاء يلوح من كل كلمة. يعد أبوالغار من رواد تخصص أطفال الأنانيب في مصر، إذ أسس أول مركز له، وكانت ولادة أول طفلة أنابيب في ذلك المركز مطلع الثمانينات، واعتبر ذلك حدثاً كبيراً حينها. تعلق المؤلف مبكراً بالثقافة، فتن بأعمال توفيق الحكيم، وعمل على تقليده؛ فحاول كتابة رواية، إلا أنه فوجئ بأنه يكتب أجزاء من أعمال الحكيم نفسه.

يمتلئ «على هامش الرحلة» بالأحداث والمحطات والشهادات عن الذات، والآخر، رؤساء ومسؤولين وحتى زملاء وأناساً عاديين، وينتقد المؤلف بشكل صريح من اعتبرهم سبباً في تدهور الأحوال في مصر، خصوصاً من موقعه كاستاذ جامعي، إذ أسس هو وبعض الأكاديميين حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، إلا أنهم جوبهوا بالكثير من التحديات. يعد الكتاب شهادة أبوالغار على عصره، ورؤيته لأحداث مفصلية، يقارن مثلاً بين مشهدين: يوم رحيل جمال عبدالناصر، ومقتل أنور السادات، يرسم صورتين للجنازتين وخروج الشعب في الأولى، والجنازة الرسمية في الثانية، حيث أخبار الإرهاب والجماعات المسلحة التي كانت تحاول سرقة الوطن في تلك اللحظة.

يسرد أبوالغار الكثير من التفاصيل، ويبوح بقصص عن الضعف البشري، بلا ادعاء للبطولة، فمثلاً يتحدث عن حكاية تعلقه بكل ما ينتمي إلى الفن الجميل والتحف، يروي أنه في عزّ حرب السادس من أكتوبر عام 1973، سمع عن مزاد تبيع خلاله إحدى السيدات الإيطاليات المقيمات في مصر أثاث منزلها العتيق، وكان موعده تحديداً في السابع من أكتوبر، وشعر أبوالغار بحالة من تأنيب الضمير، إذ كيف يكون الجندي المصري يقاتل على الجبهة، والشعب في حالة حرب واستنفار، بينما هو في ذلك اليوم المجيد مهموم بمزاد لأجل اقتناء غرفة طعام عتيقة. يكشف أبوالغار في صفحات كثيرة من الكتاب الذي صدر عن دار الشروق المصرية في 351 صفحة عن ولعه بالفنون والحضارات، وزياراته خلال رحلاته إلى الكثير من دول العالم إلى المسارح والمتاحف. أما أول لوحة اقتناها فكانت للفنان المصري عمر النجدي، واشتراها بربع راتبه القليل خلال تلك الفترة التي كان يتقاضى خلالها مبلغاً صغيراً كمدرس في الجامعة، وكان ذلك في نحو عام 1967، واستمرت حكاية الشغف بالفنون الجميلة، حتى صارت لدى أبوالغار مجموعة من اللوحات، تضم أعمالاً لكبار الفنانين في مصر، وكذلك لجيل الشباب الواعد.

يقول أبوالغار «من واجبي تجاه القارئ أن أوضح أنني عندما شرعت في كتابة هذه الأوراق لم أقصد أن أكتب سيرة ذاتية؛ لأنني لا أعتقد أن سيرة حياتي تستحق أن تنشر في كتاب، لكنني أردت أن أكتب عن مجموعة من الأحداث التي سمعتها من آبائي وأجدادي والتي عايشتها بنفسي، وكلها تحكي أحداثاً وتجسد شخصيات من لحم ودم عاشت بيننا وأثرت فينا، وفي النهاية وجدت أن ما كتبته هو نوع من السيرة الذاتية، ولكن الوطن يلعب فيها دور البطولة».

تويتر