يكشف ما وراء الكتابة وعشق المكان

عبدالمجيد والإسكندرية

صورة

عن مدينة متكبرة، وتحريضها على الإبداع، يكشف الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد، يبوح عما وراء الكتابة، طقوسها وأسرارها، ولحظة ميلادها، وربما موتها، في فضاء مختلف، في كتابه «غواية الإسكندرية.. ما وراء الكتابة» الذي يقع في منطقة خاصة، و«برزخ بين الرواية والسيرة أو يشملهما معاً».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/12/57320.jpg

يحاول صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية» البحث عن سر عدم قدرته على مغادرة تلك المدينة، حتى بعدما تركها واستقر في العاصمة المصرية القاهرة، إذ ظلت الإسكندرية مغناطيساً يجتذبه، ويتحكم ببوصلة إبداعه: «عندما أدركت أنه لا مهرب من المدينة، وأنها بعد أن كانت في دمي صارت دمي، فكرت في سر غوايتها، الإسكندرية. ورغم أنها راحت تمشي بيدي في أغلب رواياتي وأنا أكتب، فكتبت نفسها على نحو ما تريد وما أريد، وما نريد معاً، إلا أني سألت نفسي أكثر من مرة عن سر هذه الغواية الذي هو أبعد من الميلاد فيها والحياة بها في الطفولة والصبا والشباب».

يرى إبراهيم عبدالمجيد أن هذه المدينة كما تغسل نفسها كل فجر، تغسل الإبداع وتجدده، تقترح أشكالاً خاصة، وهكذا صنعت مع الراحل نجيب محفوظ، الذي ولد قلمه الروائي فيها من جديد، فبدت أعماله التي تماست مع الإسكندرية وهي قليلة مختلفة، شكلاً ومضموناً: «فالكتابة عن الإسكندرية تختلف إذن عن الكتابة عن المدن الأخرى، الكتابة عن الإسكندرية أفق مفتوح تبحر فيه كل السفن الممكنة إلى ممالك المستحيل من الفن، والكتابة عن الإسكندرية لا يمكن أن تكون مجرد كتابة عن مدينة محددة الملامح، إنما هي كتابة عن بلورة سحرية تعطيك من كل ناحية عشرات الصور».

لكل مبدع «سكندريته» المتجاوزة للحقيقة والخيال، حسب عبدالمجيد، فالمدينة تطل بوجوه مختلفة لدى كفافيس وداريل وفورستر ومحفوظ ، وغيرهم ممن لايزالون هائمين عشقاً في هذه المدينة رغم تحولاتها، وتغير الكثير من ملامح المكان وبشره. يرصد إبراهيم عبدالمجيد المتغير في الإسكندرية، يروي عن وجهها الغائب، ويصدم القارئ في حلمه الرومانسي، يقول له بصراحة: إن المدينة التي ستطالعها في رواياتي وقصائد كفافيس ورباعية داريل ذابت، ولم يعد لها وجود إلا على الورق، هاجرت الجاليات وأصبحت روح المدينة الحرة، حبيسة صفحات من الماضي، وربما لن تعود، بعدما طال التغير كل شيء.

لا يحبس إبراهيم عبدالمجيد تجربته داخل المساحة المعهودة عن المدينة، تتمدد إلى ما وراء ذلك جغرافياً، تتسع الاسكندرية لتصل إلى العامرية ومرسى مطروح والعلمين وبرج العرب، وغيرها من المناطق المتاخمة، أو الفضاءات الملحقة بالمدينة الأم، وكأن تلك الأماكن جيوب لها، أو امتدادات لها بوجوه مختلفة، وعن منطقة كنجي مريوط يقول عبدالمجيد: «تبدو كأنها اختصها الله بهواء ساحر عجيب يتجمع في سقف الدنيا، وينزل إليها طرياً منعشاً، فتدور الطواحين تصعد بالماء النقي المحبوس منذ ملايين السنين تحت الصخور ليروي مزارع التين واللوز والرمان والعنب وذكريات الزائرين. زرت كنجي مريوط أول مرة في صباي الباكر مع أبي الذي دفعه عمله بالسكة الحديد إلى كل هذا السفر بالصحراء. لاأزال أشعر بالارتواء الذي شملني به الفضاء الندي ذو الريح الحنون الجافة. هناك مدن تدخلها فتنسى المدن الأخرى، تتلخص حياتك في إحساس بالراحة والأمان. تتشبع بالرضا والسكينة، فلا يكون هناك مكان في المكان ولا زمان في الزمن».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/12/57321.jpg

يبرز مبدع «ليلة العشق والدم»، و«الشجرة والعصافير»، كيفية ولادة شخصيات من قصصه القصيرة ورواياته، خيوط تماس عدد منها مع الواقع، كالرجل الذي هاجر من المحلة في دلتا مصر إلى ليبيا ماشياً، ورفيق الأب القبطي في محطة السكة الحديد، وحتى حكايات الأب عن الحرب العالمية، ومشاهداته لها، وغيرها من الأجواء التي رسمتها تحديداً رواية إبراهيم عبدالمجيد المحورية «لا أحد ينام في الإسكندرية»، التي تجمع ما بين الفن والتوثيق، إذ حرصت على الجانبين الإبداعي والتاريخي، فحضرت أحداث مهمة، ليس على مستوى مصر، بل أثرت في العالم، ولعل أبرزها الحرب العالمية الثانية التي شهدت منطقة العلمين واحدة من أشهر مفاصلها، وكانت مساحة للدم وخطط مونتجمري وروميل، ومقبرة للكثير من الجنود الصغار الذين جلبوا من مستعمرات حول العالم، ووجدوا أنفسهم وقوداً لحرب عالمية كبرى، وكانت نهايتهم بالقرب من مدينة العالم الإسكندرية، أو بالتحديد في صحرائها الخلفية.

يرصد الروائي المصري تحولات المدينة، يبحث عن وجهها الغائب، ويصدم القارئ في حلمه الرومانسي، يقول له بصراحة: إن الإسكندرية التي ستطالعها في رواياتي وقصائد كفافيس ورباعية داريل ذابت، ولم يعد لها وجود إلا على الورق، هاجرت الجاليات..

تويتر