وقّعت روايتها الأولى في «ندوة الثقافة والعلوم»

ريم الكمالي: «سلطنة هرمز».. نبش في «خـصب»

صورة

احتفاء غير تقليدي شهدته رواية «سلطنة هرمز» لمؤلفتها ريم الكمالي، أثناء مناقشتها خلال حفل توقيعها في ندوة الثقافة والعلوم، لأسباب عديدة، منها ما اعتبره بعض المتحدثين بأنها الرواية التاريخية الأولى التي تصدر عن كاتب إماراتي، بالمعنى الدقيق للمصطلح في الأدبيات النقدية، أو لأن الحدث هو بمثابة احتفال لانضمام كاتبة جديدة لكوكبة الروائيين، كما أن المناسبة جاءت بمثابة ختام لموسم ثقافي ثري، امتد ليشمل عشرات الفعاليات المتنوعة التي استضافتها «الندوة».

وللوهلة الأولى بدت ملامح هذا الاحتفاء من الحضور أنفسهم، الذين لم تستوعب أعدادهم قاعة المؤتمرات الرئيسة، في شكل مختلف لمناسبات توقيع الكتب ومناقشتها، ما يعني أن «مملكة هرمز» شكلت إغواء حقيقياً في الليلة الأولى للكشف رسمياً عنها، حيث عبر الكثير من الموجودين أنهم للتو شرعوا في قراءة فصولها الأولى، في حين أن البعض أصر على قراءة صفحاتها الـ372 قبيل الحضور.

الدعوة إلى تلك المناسبة بالنسبة لزملاء الكمالي أنفسهم في ذاتها كانت المفاجأة الأولى، فالزميلة التي تقضي ساعات دوامها خلف جهاز الكمبيوتر بهدف تصميم صفحات الجريدة، لم يكن كثيرون يعرفون أن ثمة مشروعاً روائياً يدور في مخيلتها، بعيداً عن أدائها الوظيفي لما يشارف الـ15 عاماً، ما يفرض تحدياً آخر في إطار عنصر الوقت الذي يحتاجه الروائي لإنجاز روايته الأولى خصوصاً.

هذا التحدي أكدته الكمالي نفسها التي قالت لـ«الإمارات اليوم» إن مشروع «سلطنة هرمز» وليد فكرة بدأت منذ أكثر من 10 سنوات، مضيفة: «التأجيل بسبب ظروف العمل، والحياة الشخصية، والاجتماعية، بما في ذلك الارتباط بأسرة وأبناء، كان هو الاقتراح المنتصر دائما، لكنني اتخذت في النهاية قراراً اقوى بعدم التراخي في البحث أو الكتابة، لذلك خصصت نحو خمس ساعات يومياً لهذا الغرض، لأنني كنت اعلم أن تأجيلاً آخر يعني ربما إسدال الستار على مشروعي كروائية».

«الرواية التاريخية» فرضت كبحاً للخيال، الذي لطالما خشيت الكاتبة أن يتسلل من طبيعتها الشخصية إلى مفاصل العمل، مضيقة: «أمعنت في إقصاء خيالي، لأنني متهمة بالأساس بأني موغلة فيه، لكنني لم استطع أن أتخلى عن قراءة القصيدة قبل الكتابة، ولربما داعبت موسيقى الشعر جانباً من كلمات الرواية».

الرواية تنبش في أوائل القرن الـ15، في منطقة «خصب»، التي تشكلت فيها تاريخياً مملكة هرمز، على سواحل الخليج العربي ممتدة من قريات ومسقط وصحار وخورفكان ورأس الحد ورؤوس الجبال وجلفار حتى الإحساء والقطيف غرباً، فيما في الشمال جزيرة قشم، حيث راحت الكاتبة التي درست أكاديمياً التاريخ، وتعد «خصب» مسقط رأسها، تعكف على البحوث والدراسات المتوافرة، سواء المكتوب منها بالعربية، أو غير ذلك، خصوصاً البرتغالية، وقادها بحثها أكثر من مرة للسفر إلى العاصمة البرتغالية لشبونة، التي تحتفظ مكتباتها ببعض أسرار المنطقة، إبان فترة الاستعمار البرتغالي.

وأشارت إلى أن جدتها كانت تقص عليها الكثير من الموروث الشفاهي، مؤكدة أن التحدي الحقيقي بالنسبة لها تمثل في «القدرة على تطويع التاريخ لفن الرواية»، ويبدو أن الإحساس بهذا التحدي سيطر كثيراً على الكمالي، إلى الحد الذي جعلها شديدة الاهتمام ليس فقط بتقاليد الرواية، بل بالصيغة الأدبية للعمل، ورشاقة العبارة وفق معايير بلاغية، وهو ما اعتبره الدكتور سعيد حارب، في مداخلته «مرهقاً للقراء ومشتتاً لها في متابعة مضمون رواية تاريخية من المفترض أن يكون الاهتمام الأساسي فيها بعناصر المكان والزمان والشخصيات والأحداث».

هذه اللغة الخيالية أكدت الكمالي أنها «مقصودة»، مضيفة: «سعيت للتخلي عن الصيغ الجامدة في التعامل مع الرواية التاريخية، لذلك لم اكن اقدم على الكتابة إلا بعد قراءة الكثير من القصائد، كما أن وحي الكتابة لم يكن حضوره قائماً بسهولة في كل مرة انوي فيها استكمال جزء من الرواية، وربما امضيت ساعات طويلة دون أن احرز تقدماً يذكر»، وهو أمر يشبه كثيراً طقوس الشعراء وارتباط نتاجهم بالجو النفسي.

وقدم صلاح الملا قراءة نقدية موجزة في الرواية، مشيراً إلى أن «سلطنة هرمز» اتكأت على ثلاثة عناصر رئيسة لتقديم الأحداث للقارئ، هي: المرويات الشفاهية والكتابات التاريخية، بالإضافة إلى الكاتبة نفسها، مشيراً إلى انه من اللافت أن الكمالي اختارت تقسيم الرواية إلى اقسام تتعدد بتعدد شخصيات تبدو كأنها تتحدث عن نفسها، ولكن بصيغة اقرب إلى اسلوب المقابلة.

ورأى الملا ان الكاتبة سعت إلى الربط في مخيلة القارئ بين دور الاستعمار البرتغالي في منطقة الخليج، ودور آخر مواز للاستعمار الانجليزي، سواء في المنطقة نفسها أو في شمال إفريقيا ايضاً، في سياق الربط بين آثار الاستعمار الأوروبي عموماً على المنطقة، لافتاً إلى انه وجد صعوبة كبيرة كقارئ في تقبل «نهاية مفتوحة في رواية تاريخية من خلال إيحاءات القلق على مسار السفينة البرتغالية وعدم وضوح مصيرها، ودلالة ذلك على الواقع والأحداث».

وأثنى الدكتور عمر عبدالعزيز من جانبه على قدرة الكمالي على الإمساك بتلابيب موازاة بين خطوط الزمان، وتقاطعاتها مع المكان، وفق «بنيوية غير معتادة إلا في الأعمال السينمائية، معتبراً الجانب البنيوي أحد أهم نقط القوة في (سلطنة هرمز)».

أرجوزات موروثة

ابدى الشاعر علي الشعالي إعجابه بإيراد أرجوزات في ثنايا السرد الروائي في «سلطنة هرمز»، ودافع كثيراً عن «العنوان»، على الرغم من ان «هرمز» بالأساس كانت «مملكة» وليست «سلطنة»، داعياً الكاتبة إلى عدم الوقوف كثيراً عند سلبيات النقد، وانتزاع إيجابياته لمزيد من التجويد في العمل المقبل.

من جانبها، كشفت ريم الكمالي ان الارجوزات الموجودة هي شفاهية موروثة، اقرب لنمط أرجوزات أحمد بن ماجد الشهيرة التي استوعبت مؤلفات بأكملها.

مولد كاتبة

قال رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم سلطان صقر السويدي، لـ«الإمارات اليوم»، إنه من حسن الطالع ان يكون ختام موسم ثقافي حافل لـ«ندوة الثقافة والعلوم» هو الإيذان بمولد كاتبة روائية إماراتية، مضيفاً: «عندما تختتم ندوة الثقافة والعلوم موسمها الثقافي بهذا الزخم، فإنه حتماً هناك مؤشر إلى موسم جديد لا يقل زخماً».

وأثنى السويدي على «سلطنة هرمز»، وإصرار كاتبتها على دخول هذا النوع الشاق من أنواع الرواية، الذي تحتاجه المكتبة الإماراتية، مضيفاً: «النموذج الحقيقي الذي يقدم هنا ليس في الإبداع فقط، بل في الجلد والإصرار، وتجويد المنتج الإبداعي بعيدً عن الركون إلى الاستسهال»، لافتاً إلى ان الكاتبة التي جمعت بين واجبات الوظيفة ورعاية الأسرة، لم تتأخر عن الجهد البحثي الذي قادها إلى البرتغال حينما تطلب السرد التاريخي ذلك.

لمسة أسرية

لمسة اسرية دافئة أحيطت بمناقشة «سلطنة هرمز»، حينما تحدث زوج المؤلفة ريم الكمالي، عن الرواية، وأثنى على خيارها في إهداء الرواية في مقدمتها حينما سطرت: «إلى اجمل الكائنات.. أمي»، مضيفاً: «كانت والدتها، رحمها الله، كذلك». وأضـــاف: «لاتزال ريم تسألني هل قرأت الرواية، وأنا كنت أجيب سابقاً بالنفي، لكني الآن أبادر لألح عليها بالشــــروع في الرواية الثانية»، مؤكداً أن (سلطنة هرمــــــز) نتاج جهد ووقت ثمينين»، قبل أن تستدعي تعليقاته تصفيقات الحضور.

إدارة سلسة

استطاعت الشاعرة الشابة شيخة المطيري، إدارة الحوار النقدي حول الرواية بشكل سلس، وتدخلت في الأوقات المناسبة للحفاظ على الوقت المحدد للمداخلات.

أسرار الناشر

ألقت الكمالي الكرة في ملعب الناشر جمال الشحي، الذي يدير دار «كتاب» للنشر، حينما تلقفت تساؤلاً حول سبب تسمية الرواية «سلطنة هرمز»، وليس «بدرة»، الذي اقترحته المؤلفة.

الشحي قال «معايير تحكم اختيار العنوان لجذب القارئ».

وأضاف: «الرسالة التي حملها الغلاف هي لسفينة برتغالية غارقة، كانت بالنسبة لنا ضرورية، مفادها ان الاستعمار حينما يرحل، فلن يعود»، قبل أن يمازح الحضور: «هذه بعض أسرار مهنة الناشر».

تويتر