‏‏‏روايتها تتحول إلى عمل درامي قريباً

آمنة المنصوري: روح «عيناك يا حمدة» إماراتية خالصة‏

‏عثرت الكاتبة الإماراتية آمنة المنصوري على «كنزها» القصصي بين دروب «الفريج»، فاكتفت بعبقرية المكان وشخصية حمدة في روايتها «عيناك يا حمدة» عما سواهما، ولم تستورد رتوشا من عوالم أخرى، بل استلهمت قصتها من أجواء «السكيك»، وهموم أهله الخاصة، وعمدت في لغتها إلى قاموس العامية المحلية، ناحتة بلاغة بسيطة، مستمدة من حوارات يومية متداولة، و«رمسات وسوالف» تدور تحت ظلال النخيل، وحكايا ترويها الجدات والأمهات وراء أفنية المنازل المسورة، لذا كانت رواية «عيناك يا حمدة» ذات نكهة إماراتية خالصة.

 ‏«كذبة أمها»

تستهل رواية «عيناك يا حمدة» أحداثها من النهاية، حيث البطلة حمدة، تجالس حبيباً حكمت عليها ظروف بفراقه، وتسترجع بعد أن تخلو بذاتها على شاطئ بحر، رحلة حياتها، من يوم أن صدمت وهي في العاشرة من عمرها بأنها كانت كائناً غير مرغوب فيه منذ ولادتها، إذ كان أبوها ينتظر الولد بدلاً منها، ولذا جردت من علامة تأنيثها، وكانوا يطلقون عليها اسم حمد، حتى ولدت أمها ولداً فصار هو حمد، واستردت الوليدة كينونتها، لكن ألحق بها الكبار لقب «كذبة أمها». يتفتح وعي الصغيرة على تلك التفرقة، تتعلق بالقصص التي تروي عن خالها المعتقل في القاهرة إثر مشاركته مع تظاهرات طلبة في جامعة القاهرة، عام ،1979 يرجع الخال، وتعود في مكتبته الروح لحمدة، وتتعلق بقريبها راشد صديق الخال، الذي يدرس في القاهرة هو الآخر، تنمو علاقة حب عفيف، ويحاول راشد خطبة حمدة بعد أن أنهت الإعدادية لكنها ترفض، معتبرة أن حقها، إكمال تعليمها وتخير مصيرها في هذه الحياة. تتسع الفجوة بين المراهقة والأب، خصوصاً بعد أن يحرق الأخير كتبها، ودفترها الذي تسجل فيه خواطرها. تتأزم الأحداث، وتفقد حمدة أمها في حادث خلف الأب مشلولاً، وبقيت حمدة بجواره تمرضه، تاركة راشد بعد أن حكمت عليه ظروف عمله بالسفر خارج الوطن. ‏

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/107758.jpg

وفقت الكاتبة في رسم شخصية حمدة، بطلة الرواية، حتى إن قراء ظنوا أن لتلك الشخصية وجوداً حقيقياً، وليس روائياً متخيلاً، وآخرين اعتبروا أن حمدة هي آمنة، وأن الكاتبة تروي جزءاً من سيرتها، وواقعاً عاشته، ومازالت ظلال حمدة تطارد المؤلفة التي تقول في مقدمة الطبعة الرابعة للرواية الصادرة أخيراً «كلما مضيت في طريق ما وخلت أنني سأنسى حمدة لحقت بي.. شدت طرف عباءتي بشغبها وبراءتها وكأنها طفلتي المدللة. همست بي: أنا قدرك فكيف عني تبتعدين».

ولا تخفي المنصوري وجود قواسم مشتركة بينها وبين بطلة روايتها، معترفة بأن فيها، وفي كل فتاة تهوى طرح التساؤلات، وتمارس طقوس التمرد الواعي، من حمدة الكثير، مضيفة لـ«الإمارات اليوم» «ربما تتماس حياتي في بعض تفاصيلها المحورية مع بطلة قصتي، لكنني بالتأكيد لست حمدة، عشت الكثير من تجاربها ومررت بالعديد من الأماكن التي خطتها اقدامها ورأيت في حياتي بعضً المقربين حولها فعاشوا معي في خيالي لسنوات حتى جاءت حمده وأخذتهم الى مكانهم الصحيح في حياتها هي»، موضحة أن من التجارب المشتركة مع حمدة، الشعور بفقد الأم، وما خلفه من حزن عارم، خصوصاً أنه تم في مرحلة مفصلية «فكما فقدت شخصية الرواية الرئيسة أمها مبكراً، رحلت أمي كذلك، وأنا على أبواب مرحلة حرجة، كنت أودع الصبية فيّ لأستقبل شخصية أخرى، ولم أعرف حينها كيف سأصحو يوماً وأنا لا أستطيع أن أبدأ نهاري بنداء (يا اميه) وربما لذلك جاء ذلك الجزء مؤثراً في روايتي، وهو ما استشعره كثيرون».

«أمرتة» مقصودة

تؤكد صاحبة «عيناك يا حمدة» أنها كانت مسكونة حين إعدادها الرواية، التي صدرت طبعتها الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، ومازالت تحظى برواج كبير بين القراء، بكتابة عمل بروح محلية خالصة، يغترف كل شيء من واقعه الإماراتي، ولا يستعير من بيئات أخرى. تقول «كان هاجساً يراودني لسنوات وهو ان أكتب عملاً أدبياً يؤرشف تفاصيل المكان والزمان، وحتى رائحة الأشياء التي أسرتني واسعدتني في طفولتي البسيطة، بدءاً من رائحة مطبخ أمي وعطرها وأرجاء غرفتها، مروراً بانعكاس ظلال النخيل وشجر اللوز على آثار اقدامنا المتسكعة بين البيوت، ثم البحر بكل جمالياته وسحر شاطئه الذي كان يعانق منازلنا قبل ان يدفن تحت بنية حضارية قاسية»، لافتة إلى أنها غلبت الحوار باللغة المحكية على السرد في الرواية، نظراً لأنها رغبت في «أمرتة» العمل والجو العام للقصة، مضيفة «للحوار في الرواية خصوصية اماراتية لا يشبهنا فيها الا أنفسنا، فتركت للسرد الفصيح مهمة توضيح ما يدور بين الشخصيات من حوار اماراتي وما يدور في نفس حمدة من تساؤلات».

وحول هل فكرت الكاتبة في العودة بتفاصيل جديدة عن حمدة، خصوصاً أن القارئ يستشعر بأن لدى البطلة ما ترويه من وقائع وتفاصيل في ظل النهاية المفتوحة التي اختتمت بها المؤلفة الرواية، تجيب آمنة «لا نهاية لحمدة، فتتمة الحكاية موجودة في قلب كل من يقرأها بوعي، يستوعب هواجسها ويحس بها ويؤمن بصدقها ، عندها تصبح حمدة جزءاً من كيان قارئها، وله الحق في ان يطلق العنان لخياله ويضع خطوط النهاية كما يشعر بها. وكثيرون طالبوا بجزء ثانٍ للرواية إلا انني أرى انها ستأخذ منحنى جديداً عما قريب بإذن الله عندما ترى النور في عمل درامي».

وبخصوص المثالية غير المبررة أحياناً من قبل البطلة، ووعيها المبكر وتمردها الواعي أكثر مما يتحمل عمرها وظهور ذلك في حواراتها الأولى رغم صغر سنها، ترى آمنة المنصوري ذلك مبرراً «لاسيما أن معظم الذكريات استدعتها حمدة حينما كبرت، فالتجارب والأحداث التي لم تكن تقدر على تحليلها وهي طفلة، لأن الحياة كانت في عينيها بسيطة، استطاعت أن تفسرها وتحللها، فحمدة جلست على شاطئ البحر وهي فتاة بكامل علمها ونضجها تسترجع ذكريات سنوات مضت فلا تستطيع الجام عقلها عن ممارسة طقوس التحليل والتفسير، وأما تمردها في مراهقتها فهو أمر لابد منه، لاسيما لو قارنتها بمن هو في جيلها والذين نشأوا في وقت تطلب منهم ومنا الكثير من الوعي والانتباه لطفرة التغيير المقبلة».

وكشفت الكاتبة عن أن قلمها تحرر من «حمدة» بعد طبعتها الرابعة، إذ تعد حالياً لعمل روائي ثانٍ، مغاير في جوه العام لعملها الأول، إذ يدور في فضاء صحراوي لا يبتعد عن الحيز الإماراتي، والصوت الغالب فيه هو للعنصر الذكوري، كي تعرض وجوها مختلفة، مشيرة إلى أنها تضع اللمسات النهائية على روايتها الجديدة التي تتمنى أن تحقق ما حققته «حمدة».

بدايات

 ‏سيرة

ولدت آمنة المنصوري في رأس الخيمة، وتخرجت في كليات التقنية العليا بشهادة دبلوم عالٍ في إدارة نظم المعلومات، ثم درجة البكالوريس في تدريس نظم المعلومات، وتسعى حاليا إلى الحصول على درجة الماجستير في التخصص نفسه من إحدى الجامعات البريطانية. تعمل آمنة التي تهوى التصوير الفوتوغرافي والأشغال اليدوية عضواً في هيئة التدريس في كليات التقنية العليا. حازت العديد من الجوائز الأدبية عن مشاركاتها القصصية القصيرة والمسرحية خلال المرحلة الجامعية وما قبلها، وشاركت في كتابة سيناريو وحوار المسلسل الكرتوني «فريج» للموسمين الثاني والثالث.‏

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/107756.jpg

تتذكر آمنة المنصوري أنها تعلقت بالقراءة، وبدأت خربشاتها الأولى في مرحلة مبكرة من حياتها، وتروي ذلك قائلة «في التاسعة من عمري، وعندما كنت أعيش في منطقة معيريض القديمة، في رأس الخيمة، والتي كان يسكنها الكثير من المغتربين، ومن بينهم أحد المدرسين كان يسافر لوطنه نهاية كل عام دراسي تاركاً امام منزله أكواماً من الكتب والدفاتر. وأول كتاب اقرأه كان لمصطفى لطفي المنفلوطي، وكان متهالكاً تنقصه بعض الأجزاء فعكفت على اصلاحه، وأضفت صفحات بيضاء بدل المفقودة منه، وبدأت احاول بحروفي ولغتي البسيطة اكمال ما ينقص الكتاب، وتعلقت بالقراءة والكتابة اكثر، وفي الصف السابع كتبت قصة قصيرة وأصرت معلمتي حينها على ارسالها لإحدى المسابقات المدرسية ففازت بالمركز الأول على مستوى المنطقة وتأهلت لتفوز على مستوى الدولة ايضاً في جائزة العلم في الشارقة».

وتعتبر آمنة حكايا أمها قبل النوم هي كتابها الأول الذي سمعته وتخيلت شخوصه، وتقول «كانت أمي تجمعنا حولها في ليالي الصيف الرطبة في فناء منزلنا، تحكي لنا أجزاء من قصص قديمة كنا ننام قبل أن يكتمل معظمها فتكمل في خيالنا في عوالم لا نعيش فيها ولا نراها لكننا تعلمنا كيف نتخيلها».‏

تويتر