‏‏‏ معرض يجمع بين يابانية وعراقي في «قباب» أبوظبي

«المسطح العميـق».. بحث لوني لكشــف المستور‏

جوري موريوكا: الألوان في أعمالي تقودني إلى الفكرة. تصوير: إريك أرازاس

‏ماذا يوجد خلف الأقنعة، وما تخفيه الأعماق البعيدة تحت الأسطح القريبة؟ كان الهدف الذي سعى كل من الفنانة اليابانية جوري موريوكا والفنان العراقي د. طه الدوري لكشفه عبر أعمالهما الفنية التي جمعها المعرض المشترك «المسطح العميق» في صالة «قباب» في أبوظبي. معرض تضمن مجموعة من أعمال فنانين قررا كشف المستور في تفاصيل كثيرة من الحياة.

الألوان المبهجة، هي العنصر الأبرز في أعمال موريوكا، وهي أيضاً محرك الفنانة للعمل، حيث قالت لـ«الإمارات اليوم» «من الألوان تبدأ اللوحة وبعدها تأتي الفكرة أو الموضوع، ومن خلال ألواني أعبر عن حالتي النفسية والمشاعر التي تموج بداخلي. وغالباً ما تأتي مبهجة وسعيدة حتى في حالات الاكتئاب أو الإحباط التي قد أمر بها». وأضافت «أجد أنني في حاجة لاستخدام ألوان مفرحة لأتغلب على هذه الحالة، وعموما أهتم كثيراً بتحقيق حالة من التناغم في ألوان لوحاتي كما في المقطوعات الموسيقية، ربما يعود هذا الأمر إلى أنني كنت أعزف البيانو في طفولتي، كما كان والدي موسيقياً».

وعن موضوع المعرض الذي يستمر حتى 28 مارس الجاري، أوضحت موريوكا «خلف الأسطح الواضحة، والصورة العامة، يكمن دائماً ما هو أكثر عمقاً، سواء في معاني الأشياء، أو تاريخ المدن والأماكن الذي يمتد لسنوات طويلة، أو حتى كمعنى رمزي لتراكم العديد من الأمور والخبرات والتجارب داخل الإنسان لتخلق طبقات متراكمة تزداد عمقاً مع الوقت». مشيرة إلى تأثرها بثقافات مختلفة، فهي يابانية تعيش في نيويورك، وأتاح لها السفر فرصة الاحتكاك بأشخاص من ثقافات مختلفة، وهو ما انعكس على أعمالها الفنية.

وقالت «أجد ان هناك تشابهاً بين ممارسة الفن وتعلم قيادة السيارة، فأحياناً يجد الإنسان نفسه في طريق غير الطريق الذي يقصده، وهنا عليه أن يعود لأقرب طريق رئيس ليحدد موقعه ومن ثم ينطلق من جديد. وهكذا الرسم أيضاً، كثيرا ما تختلف الأمور وتتغير نتيجة لظروف وتجارب يمر بها الفنان، ولكن في النهاية علينا أن نواصل حياتنا، وأن ندرك كل تجربة نمر بها تجعلنا أكثر قوة».

وأشارت موريوكا إلى ان هناك أماكن تحفزها للرسم، فهي في نيويورك ترسم كثيرا ولديها مرسم خاص بها هناك، وتجد في الإمارات مكانا ملهماً لها، «يمتلك طاقات خاصة به، تنبع من تعدد الثقافات على أرضه، والحياة الديناميكية التي تخلق أجواء من الإثارة والإلهام للفنان». بينما لا تشعر خلال وجودها في اليابان بالرغبة في الرسم نفسها، وتوضح « كل شيء هناك يتسم بالجمال، ويمنحك إحساسا بالاكتفاء، وهناك الكثير من التشابه بين المجتمعين الإماراتي والياباني، مثل الكرم وحفاوة الاستقبال، كما ان تفاعل المتلقي هنا مع العمل الفني يعتمد على مشاعره تجاه هذا العمل، وهو ما يتفق مع مقولة «العمل الجيد الصادر عن القلب، يعرف طريقه للقلب والمشاعر مباشرة» على عكس المتلقي الأميركي الذي يتعامل مع اللوحة كمادة عليه ان يحللها بعقله ويخضعها للمنطق حتى يتفاعل معها»، مشيرة إلى أن المعرض، وهو الأول لها في أبوظبي، أتاح لها تلمس مدى اهتمام المرأة العربية والإماراتية بالفن التشكيلي، وإطلاعها على مدارسه واتجاهاته وقالت «شعرت بالمفاجأة أمام ما تتمتع به الكثيرات من نظرة منفتحة جدا على الفن التجريدي، وقدرة على التفاعل معه واكتشاف أمور وتفاصيل جديدة في العمل الفني».

اهتمام بالتفاصيل

بأسلوبه الخاص، عمد الفنان طه الدوري في أعماله المشاركة في المعرض إلى كشف المستور والمخفي في قضايا عدة وبأساليب فنية مختلفة، وان اتسمت جميعا بالتفاصيل الدقيقة التي حرص الفنان على إبرازها، مشيراً إلى أن الاهتمام بالتفاصيل هو جزء من شخصيته، ويجد متعة في رسم التفاصيل الدقيقة التي تمنحه شعوراً بأن هناك ما يمكن أن يضيفه للعمل الفني.

شكلت المرأة العربية وعوالمها موضوعا مهما في لوحات الدوري، من بينها لوحة لوالدته، جمع فيها بين الواقع والخيال، أو في لوحة «في حالة مداولة» التي تتصدرها امرأتان تجلسان في حالة جدال، وإلى جانبهما ثالثة تحاول أن تقرب وجهات النظر بينهما، موضحاً ان المرأة في أعماله دائماً في حالة تفاعل واتخاذ قرار، بمفردها بعيداً عن أي ظهور للرجل، كما يحمل وجهها ملامح الإصرار والثقة بالنفس، وهو ما يسعى من خلاله لتصحيح الصورة النمطية التي تكونت لدى العالم الغربي عن المرأة العربية، والتي تعود جذورها إلى أعمال المستشرقين.

ظهرت المرأة أيضاً في لوحة بعنوان «الزرد» وهو الرداء الذي يرتديه المحارب ليحميه، والذي استخدمه الفنان في اللوحة كرداء لامرأة تسدل على وجهها وشاحاً أنيقاً من التول، يشير من خلاله الفنان إلى المسافة التي تحرص الإماراتية على أن تفصلها عن الآخرين خلال تعاملاتها الاجتماعية.

تخصص الدوري في العمارة والهندسة انعكس في العديد من أعماله، من بينها سلسلة تضم اربع لوحات قام برسمها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان ،2006 وقدم فيها مشاهد من الدمار الذي أصاب الحياة والمباني هناك. وأوضح «في هذه اللوحات رغبت في تقديم صورة للدمار الذي سببته الحرب، واستخدمت فيها اللون الأسود فقط على بياض اللوحة لإظهار جماليات الخط نفسه، وكما استخدمت فيها نوعاً من الأقلام لا يمحى، حتى يكون هناك التوتر الذي ينتج عن إدراكي، لان الخط الذي يرسم لا يمحى». مشهد آخر من مشاهد الدمار أيضاً، قدمه الدوري في لوحاته، ولكن بأسلوب مختلف، حيث جسد في لوحته «برجين توأم» انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وهي التجربة التي عايشها، حيث كان يقيم بالقرب من المكان في تلك الفترة.‏

تويتر