للمرة الأولى تلفازياً عبر منصة «أمازون»

«جاك رايان».. كفاءة عالية في التنفيذ رغم البقاء في منطقة الأمان

صورة

منذ أسبوعين، بثت منصة برايم فيديو، التابعة لعملاق التجارة الإلكترونية «أمازون»، الحلقة الأخيرة من أنجح مسلسلاتها «جاك رايان».

يعد «جاك رايان» من أعمدة أدب الحرب الباردة في الولايات المتحدة، وهو من تأليف الراحل توم كلانسي، وصدرت روايته الأولى عام 1984 بعنوان The Hunt for Red October، والتي اكتشفتها هوليوود لاحقاً في العقد نفسه، وحولتها إلى فيلم رائع عام 1990 من بطولة الراحل شون كونري، وأدى «جاك رايان» النجم أليك بولدوين، أما الإخراج فكان للخارج من غمرة نجاح «داي هارد» جون مكتيرنان.

ابتسمت التسعينات لكلانسي، واقتبست هوليوود رواية «ألعاب وطنية» و Clear and Present Danger، والاثنان من بطولة هاريسون فورد، وإخراج الأسترالي فيليب نويس، حققا نجاحاً منقطع النظير، خصوصاً الثاني، رغم امتعاض كلانسي من الاقتباسين قبل أن ترضيه استوديوهات باراماونت بعقد مالي مغرٍ.

بعد ذلك اقتبست هوليوود The Sum of All Fears، وتقمص بن أفليك الشخصية، وبعدها بعقد كامل خلفه كريس باين في Shadow Recruit، والفيلمان أخفقا في إعادة نجاحات التسعينات. والآن هي المرة الأولى التي ينتقل فيها «جاك رايان» من السينما إلى التلفاز.

كل أفلام «جاك رايان» مقتبسة من روايات المؤلف، باستثناء هذا المسلسل الذي يوظف الشخصية فقط، أما الحلقات فهي مستلهمة من الروايات بشكل عام، وليست من رواية بعينها.

في التسعينات كان بولدوين بطل أكشن تقليدياً جداً، وهاريسون فورد أضاف حكمة إلى الشخصية، واليوم الجديد جون كراسينسكي خليط بين الاثنين، لكن الأخير يتمتع بكاريزما ونشاط أكثر من زميليه، ومقنع إلى حد كبير في الدور.

في هذه النسخة شريك رايان في مهامه جيمس غرير (وينديل بيرس)، والذي كان مديراً لمحطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في كراتشي واعتنق الإسلام، وهو من السود الراقين المثقفين، وليس كنظرائه في أفلام الأكشن.

ولدينا مديرة للوكالة أيضاً من الأقلية السوداء، تتقمصها بيتي غابراييل، وكانت مديرة محطة الوكالة في روما في الموسم الثالث.

في المواسم السابقة، شاهدنا موضوع التطرف الإسلامي، «جاك رايان» ضد «داعش» التي حاولت اغتيال الرئيس الأميركي بالسم. ونقول إن المشهد خجول جداً، مقارنة بالمشهد الصادم لمحاولة اغتيال الرئيس الأميركي بالسم بواسطة الإرهابية ماندي (ميا كيرشنر) في المسلسل الأسطورة 24.

ثم في الموسم الثاني، يطارد رايان شحنة أسلحة روسية، وتقوده المطاردة إلى فنزويلا ،حيث يتورط في أزمة سياسية داخلية بين مرشحة رئاسية تخوض الانتخابات ضد رئيس البلاد الغارق في الفساد.

في الموسم الثالث، وهو الأقرب إلى روايات كلانسي، والأكثر واقعية، نظراً لأنه يركز على محاولة روسيا إحياء الإمبراطورية السوفييتية بشن حرب نووية في أوروبا، ترى رايان يخرج عن بروتوكول الوكالة، عندما يشعر بأن العالم على المحك.

وفي الرابع والأخير والأكثر تعقيداً، نرى رايان يحاول كشف مؤامرة كبرى، تورطت فيها الوكالة نفسها بين تنظيم إرهابي في ميانمار، يتحالف مع عصابة مخدرات مكسيكية للسيطرة على طرق التهريب إلى داخل الولايات المتحدة.

يبدأ «جاك رايان» بشكل واعد في الموسم الأول ضد «داعش»، ويقدم أجمل شخصية شريرة زعيم «داعش» موسى بن سليمان (الفلسطيني علي سليمان)، وهو عربي متعلم مثقف، عانى حياة صعبة في باريس، فقرر التطرف ومحاربة القيم الغربية.

ينغمس المسلسل في حياة بن سليمان إلى درجة أن نصف الحلقات باللغة العربية، ويعطيه مشاهد استرجاعية تصلح لمسلسل مستقل عن حياة الشخصية، لكن في الحلقة السابعة تبدأ التخبطات الشديدة، ومن الواضح جداً أن سببها ضيق الوقت (كل موسم يحوي ثماني حلقات)، وكأن مؤلفي المسلسل كارلتون كيوز وغراهام رولاند انغمسا في الكتابة، ثم انتبها فجأة أنه باق لديهما حلقتان لإنهاء الموسم، فتتسارع الأحداث فجأة بلا منطق، ونرى المواجهة بين رايان وسليمان على الأراضي الأميركية، دون أي تفسير منطقي لكيفية دخوله رسمياً عبر المطار وهو مطلوب أمنياً!

يتحسن المسلسل كثيراً في الموسم الثاني، لكن تعود التخبطات عبر شخصية هارييت (السويدية ناومي راباس)، وراباس تعاني منذ فترة طويلة ضعف أدوارها، إلى درجة أن مجلة «توتال فيلم» البريطانية سخرت منها عبر انفوجراف نشرته عام 2019.

هارييت عميلة جهاز المخابرات الألمانية تطارد زميلاً لها، وهي شخصية غير مقنعة، وتفعل أشياء غير منطقية، لكن ما يغطي على عيوب الموسم الأكشن في أدغال فنزويلا، والنهاية المقنعة أكثر من فوضى الموسم الأول، فضلاً عن ظهور شخصية مايك نوفمبر (مايكل كيلي) للمرة الأولى في هذا الموسم، وهو رئيس محطة الوكالة في فنزويلا، والذي سيكمل مع رايان حتى الحلقة الأخيرة.

الموسم الثالث يبدو وكأنه كتب هذه الأيام التي نشهد فيها الحرب الروسية الأوكرانية، وهو أكثر موسم وفق فيه المؤلفان في عملية البحث أثناء الكتابة. والموسم الذي يختتم بمواجهة سفينتين حربيتين أميركية ضد روسية، على غرار مواجهة الغواصتين في فيلم «ذا هانت فور ريد أكتوبر» المذكور في الفقرة الثانية.

الموسم الرابع جميل، ويحوي الكثير من الإثارة والتشويق، وقصته محبوكة بشكل ممتاز، وإن طغى عليها الإصرار على البقاء في منطقة الأمان، ولشرح معنى منطقة الأمان، فإننا نقول إن «جاك رايان» مسلسل جيد جداً، لكنه ليس تحفة، ولا يتمتع بأي جرأة، وهو أقرب شيء - صنعته «أمازون» - لمسلسل الأكشن الأسطورة 24.

كان 24 أول مسلسل تجاوز حدود المقبول، وأول مسلسل تعدى على شخص الرئيس الأميركي، وعلى مؤسسة الرئاسة، وعلى مقر الرئاسة، وأول مسلسل تجرأ وفجر قنبلة نووية داخل أميركا، بعد هجمات سبتمبر، وأول مسلسل فيه ضابط مكافحة إرهاب يتمرد ويهجم على موكب رئيس سابق ويخطفه.

هذه أفكار لم يتجرأ أحد على طرحها حتى في فترة خصام هوليوود والسياسة الأميركية أيام فيتنام في السبعينات وموجة أفلام المؤامرات السياسية.

ونختم بهذه الملاحظة: أحب عشاق «جاك رايان» شخصية مايك نوفمبر، وذهبوا لاستكشافها أكثر من روايات كلانسي، لكن المفاجأة أنها ليست في رواياته، لأنها ليست من تأليفه، وإنما ألفها كاتبا المسلسل كيوز ورولاند.

أما إذا استوقفك الاسم وتساءلت: لماذا نوفمبر؟ فتذكر أن أول رواية لكلانسي هي «ذا هانت فور ريد أكتوبر»، فأراد المؤلفان إعطاء إشارة إلى الرواية الأولى، فاختارا اسم الشهر التالي «نوفمبر»، فكانت إشارة إجلال للمؤلف بها قدر من الظرافة.

كل أفلام جاك رايان مقتبسة من روايات المؤلف، باستثناء هذا المسلسل الذي يوظف الشخصية فقط، أما الحلقات فهي مستلهمة من الروايات بشكل عام وليست من رواية بعينها.

الموسم الرابع جميل ويحوي الكثير من الإثارة والتشويق وقصته محبوكة بشكل ممتاز.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر