يعيد أجواء أفلام بارانويا السبعينات

«بيكيت» يتجاهل المؤامرة السياسية ويركّز على الشخصية

صورة

صوّر الممثل الأميركي، جون ديفيد واشنطن، فيلم Beckett قبل فيلمه الأشهر والأضخم Tenet، الذي تصادف هذه الأيام ذكرى عرضه السنوية الأولى، وهو الفيلم الذي افتتح صالات العرض العالمية بين موجتَي الوباء الأولى والثانية في أغسطس 2020.

هذا يفسر لقطة في فيلم «بيكيت»، وهو من إنتاجات «نتفليكس» الأصلية، مثيرة للاستغراب، يظهر فيها واشنطن ينظر إلى صورة معلقة على جدار في السفارة الأميركية في أثينا للرئيس الأسبق باراك أوباما.

يتنافى توقيت طرح الفيلم مع الصورة التي أراد واشنطن رسمها لنفسه في ذهن الجمهور، فواشنطن بات اليوم نجم أكشن شهير وقد يصاب المشاهد بالحيرة لقبوله دور رجل الشارع العادي في هذا الفيلم منخفض الميزانية، الذي تبدو عليه سمات الأفلام الأوروبية.

يجسد واشنطن، وهو ابن النجم الشهير الحائز «الأوسكار» دينزل واشنطن، دور سائح أميركي يمضي إجازة مع صديقته أبريل (أليسيا فيكاندر)، بينما يقود السيارة وهي بجانبه يغلبه النعاس فيفقد السيطرة وتخرج السيارة من الطريق وتتدهور في ما يشبه غابة وتصطدم لتحطم جدار منزل صغير.

داخل المنزل يرى بيكيت امرأة شقراء وفتى أصهب، قبل أن تسحب المرأة الصبي ويختفيان في الخلفية. ما رآه بيكيت لثوانٍ، أو ما لا يجب أن يراه، سيلاحقه ويشكل أحداث الفيلم حتى وهو لا يفهم ما الذي يحدث له.

المخرج الإيطالي فيرناندو فيلومارينو، وهذا ثاني فيلم له، يعرض رؤيته لأفلام المؤامرات السياسية أو ما يسمى أفلام «الرجل في المصيدة»، أو أفلام «الرجل الخطأ في المكان الخطأ». وهذا اتجاه فرعي في سينما الأكشن والجاسوسية ازدهر في الخمسينات والستينات ووصل ذروته في السبعينات.

يأخذ فيلومارينو أفكاره من كلاسيكات مثلThe Man Who Knew Too Much عام 1956 لألفريد هيتشكوك، وكذلك North by Northwest عام 1959 للمخرج نفسه، لكن فيلومارينو لا يقلد تلك الأفلام، ويركز أكثر على غريزة البقاء لدى بيكيت، ونعود لاحقاً إلى هذه النقطة.

بيكيت لا يكشف المؤامرة هنا ولا ينقذ السياسيين من الاغتيال وإنما ينقذ نفسه. عندما يذهب بيكيت لمعاينة مكان الحادث وهو غير مصدق لما حدث، نراه تائهاً من الصدمة ولا يعلم عما يبحث عنه.

بيكيت لا يعلم أن حياته مهددة. فجأة وهو يتأمل رغبة في الانتحار في البيت الذي اصطدمت سيارته به، نرى لقطة deep focus تظهر فيها المرأة الشقراء من بعيد مصوبة مسدسها تجاهه وتطلق النار.

اللقطة صادمة وفيلومارينو يوظفها بشكل متقن، لأنه لا يريد تشتيت انتباه المشاهد عن بطل القصة. في هذا المشهد التركيز على ردة فعل البطل أكثر من المرأة التي تحاول قتله، والتركيز على حصر الأكشن كله في لقطة واحدة بدل القطع بين المرأة

وبيكيت. في الوقت نفسه فإن إطلاق الرصاصة هنا يرمز لانطلاق قصة الفيلم ودخول بيكيت في دوامة لا تنتهي إلا في الدقيقة الأخيرة.

كان بإمكان فيلومارينو رصد تحركاتها وهي تقترب بحذر من بيكيت، لكن الرجل غير مهتم بهذه التفاصيل التي لن تخدم سوى غرض واحد هو إطالة التشويق. من جهة أخرى، تعكس اللقطة ثقة المرأة العالية بقدرتها على إصابة هدفها من بعيد.

كل قرارات بيكيت التالية يشوبها انعدام اليقين، فهناك شرطي فاسد يجسده بانوس كورونيس متعاون مع المرأة، وهناك دبلوماسي فاسد في السفارة الأميركية يجسده بويد هالبروك، يدعوه للاحتماء في حرم السفارة قبل أن يتبين أن له أجندة أخرى.

بعكس أفلام المؤامرات السياسية التي ظهرت في السبعينات مثل Three Days of the Condor أو The Parallax View، فإن البطل ليس رجل استخبارات يتعرض للغدر، وليس صحافياً سياسياً يكشف مؤامرة، رؤية فيلومارينو تتمحور حول مواطن أميركي عادي.

يفعل فيلومارينو بفيكاندر، كما فعل الأسطورة هيتشكوك ببطلته جانيت لي في «سايكو» عام 1960، وهو يعكس محاولة الظهور كصانع أفلام جريء، في الوقت نفسه يريد فيلومارينو التركيز على شخصية بيكيت أكثر من كشف تفاصيل المؤامرة السياسية، وهذا واضح من خلال الأخبار التي ترد إلى بيكيت، من خلال الشخصيات الثانوية لإبلاغه أن المؤامرة انتهت دون أن نرى أحداثها على الشاشة.

التحولات التي يركز عليها المخرج هي انتقال بيكيت من سائح عادي إلى ضحية يريد أشخاص غامضون قتله. ومع تقدم أحداث الفيلم يتحول من رجل هارب إلى شخص يريد الانتقام من المعتدين عندما يراهم أمامه في الشارع، وذروة هذا التحول مشهد قفزة «باتمان» من مبنى مواقف متعدد الطوابق على سيارة المجرمين.

مشهد قفزة «باتمان» لا يعدّ عضوياً في فيلم كهذا، لأن هذا سائح اسمه بيكيت، وليس الملازم جون مكلين بطل أفلام Die Hard، والثاني دائماً هو الشخصية الخطأ في المكان الخطأ.

في المقابل، هناك مشاهد تبدو عفوية أكثر من مكتوبة في النص، وتعكس إنسانية الشخصية بشكل لافت، أهمها مشهد فشل بيكيت في سرقة درّاجة نارية، ومشهد صراعه مع المرأة الشقراء قبل قفزة «باتمان» بدقيقتين.

المثير للاهتمام هنا هو وضع فيلومارينو قالب مؤامرة سياسية في سياق تجريبي، والأكثر من ذلك معرفة الاتجاه الذي سيذهب إليه المخرج بعد هذا الفيلم.

• المثير للاهتمام هنا هو معرفة الاتجاه الذي سيذهب إليه المخرج بعد هذا الفيلم.

• توقيت طرح الفيلم يتنافى مع الصورة التي أراد واشنطن رسمها لنفسه في ذهن الجمهور.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر