يحوي إيحاءات من أفلام ديفيد كروننبيرغ

«كم ترو».. النهاية المبتذلة تقوّض غموض الأحلام والكوابيس

صورة

لطالما كان عالم الكوابيس والأحلام والهلوسات أرضاً خصبة لصناع الأفلام، هو عالم غامض وغير منطقي، عالم تقع أحداثه في العقل البشري، للبعض النوم راحة، وللبعض الآخر هو تجربة كوابيس قاسية، يود المرء لو أنه لا ينام بسببها.

فيلم Come True، خيال علمي منخفض الميزانية، لأنثوني سكوت بيرنز، يتناول تجربة مراهقة هاربة من بيتها لسبب لا نعلمه، تسمى سارة (جوليا سارة ستون) التي ترى كابوساً متكرراً، عبارة عن هيئة شخص له عينان مضيئتان في الظلام.

ترى سارة ملصقاً في مقهى يعلن عن دراسة جامعية تتعلق بالنوم، وتغري المتطوعين بمبلغ كبير بالنسبة لفتاة هاربة تعيش كمشردة، وتقرر سارة المشاركة، وتبدأ الدراسة بالشكل المعتاد، طالبة مساعدة في البحث تقابل المتطوعين وتسألهم أسئلة متكررة، كأنها طبيب معالج، والمتطوعون يدخلون ويخرجون لغرفة صُممت لمراقبة النوم.

تكتشف سارة في ما بعد أن الدراسة لها جانب استغلالي تجريبي، وتشعر بأن أمراً ما ليس على ما يرام، هؤلاء القائمون على الدراسة لا يعاينون عملية نومها فقط، بل يتصفحون أحلامها، هل خطر فيلم Inception لكريستوفر نولان على بال القارئ؟

يحمل الفيلم إيحاءات واضحة لديفيد كروننبيرغ، صانع الأفلام الكندي الشهير، المتخصص في رعب الأجساد، والبارع في مزج الرعب بالخيال العلمي. «كم ترو» من نوع slow burn، أي أنه يتطور ببطء قبل أن يتحول إلى شيء آخر أو ينتهي بمفاجأة.

معالم استقلالية الفيلم واضحة من البداية، فلا يوجد أي ممثل معروف، ولا يوجد طاقم كبير للفيلم، خصوصاً لو علمنا أن بيرنز نفسه كتب وصوّر وأخرج الفيلم وألّف الموسيقى، فضلاً عن أن مشاهد الرعب مصنوعة بأسلوب المدرسة القديمة، يعني بلا مؤثرات خاصة، والاعتماد كله على الإضاءة والظلال والظلام، وهو أسلوب مؤثر جداً ولا يكلف شيئاً.

ينجح الفيلم في تقديم نبرة حادة وجو عام مثالي لمادته، ويدفع أحداثه باتجاه تصاعدي ليصل إلى ذروات قد تُحدث قشعريرة في جسد المشاهد، بيرنز صبور ويعشق الممرات الخالية التي تتكرر كثيراً في لقطاته، وكذلك الغابات المظلمة وشاشات الفيديو المشوهة.

يحوي الفيلم قسمين، الأول عالم اليقظة لسارة، والثاني أحلامها، والقسمان يحويان غرابة لا بأس بها، وعمل المخرج على دمج العالمين معاً، وموازنتهما تقوّي كل قسم منهما.

يتمتع الفيلم رغم بطئه بأسلوب تشويقي، والحوار يجعل شهية المشاهد مفتوحة لما سيتبعه. يعد الفيلم ذكياً إلى حد معين، لكنه ليس ذكياً بالدرجة التي يحاول مخرجه الوصول إليها، وهناك عناصر معينة في القصة تفسد التجربة وتوقفها تماماً عن التقدم.

مثلاً، قصة الفتاة الوحيدة الأخرى التي انسحبت من التجارب السريرية المتعلقة بالكشف عن أسباب صعوبات النوم، ومحاولة الباحثة إقناع سارة بأن هذا شيء معتاد يحدث في كل الأبحاث العملية. وهناك قصة فرعية في فيلم لا يحتمل قصصاً جانبية، إلا إذا كان مخرجه بارعاً مثل ديفيد لينش أو نولان، عن باحث، يجسده لاندون ليبويرون، يكاد يقع في حب سارة المراهقة، وهي قصة حتماً لا مكان لها في الفيلم ولا ترتبط به عضوياً، ولا سبب لوجودها إلا أن بيرنز غير مقتنع بأن فيلمه يمكن أن ينتهي في 90 دقيقة أو أقل.

قصة هذا الباحث تبدأ بمطاردته لها وتنتهي بشكل غريب، والغريب نوعان، النوع الذي يجعلك تفكر فيه، أو الذي يجعلك تفكر في أسباب قرار المخرج إقحام شيء لا فائدة منه سوى إطالة مدة الفيلم.

لماذا هربت سارة من المنزل؟ سؤال يستحق الطرح في فيلم عن كوابيس هذه الفتاة، ليس غرض الفيلم تفسير الغموض أو تفسير أحلام و كوابيس سارة، لكن عليه شرح أسباب هروبها، وربط ذلك بالغوص في الحالة العاطفية للمراهقة، وكيف ينعكس ذلك في كوابيسها. الكوابيس هنا هي حالة مجردة، مخيفة نعم، لكن لا معنى لها وسطحية، فلو قال لك شخص حلمت بكذا أو رأيت كابوساً، فأول سؤال يتبادر إلى ذهنك هو بماذا يفكر هذا الشخص وما الذي يخيفه؟ ثم تربط بين أسباب الخوف والكوابيس، فتبرز لدينا الحالة العاطفية.

أداء ستون جيد جداً وتفرض حضورها على الشاشة، وسط ممثلين مساندين يحاولون تقديم الكثير بالقليل المتوافر لديهم، ونخص بالذكر كريستوفر هذرينغتون في شخصية د.ماير غريب الأطوار، بنظارته الضخمة وقميصه الذي يغطي عنقه، ومشاهده التي تهيمن عليها ألوان غريبة كالبنفسجي، وأنيتا (كارلي ريسكي) التي تحاول إقناع سارة بالتجربة.

النهاية بمثابة قنبلة تنفجر في وجه المشاهد، وقد يعشق الفيلم بسببها أو يلعنه ويلعن اللحظة التي قرر فيها مشاهدته.. النهاية مثل كل النهايات المخادعة الاحتيالية الرخيصة، التي يوظفها الأميركي الهندي، إم نايت شايمالان، في أفلامه «الحاسة السادسة» و«أنبريكبل» و«القرية»، و«الزيارة» و«سبليت»، وبعيدة كل البعد عن المفاجآت المباغتة التي يحسنها لينش، مثل نهاية «ملهولاند درايف» التي لا تنسى.

• يعد الفيلم ذكياً إلى حد معين، لكنه ليس ذكياً بالدرجة التي يحاول مخرجه الوصول إليها.

• يتمتع الفيلم رغم بطئه بأسلوب تشويقي، والحوار يجعل شهية المُشاهد مفتوحة لما سيتبعه.

• النهاية بمثابة قنبلة تنفجر في وجه المشاهد، وقد يعشق الفيلم بسببها أو يلعنه.. مثل كل النهايات المخادعة الاحتيالية الرخيصة.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر