أحداث 2020.. الصين تتصدّر شباك التذاكر العالمي

2020 عام مضى حافلاً بالأحداث.. 3 نهايات محتملة للسينما.. و«ستريمنغ» يسعى إلى حماية مكاسبه

مهرجان «البندقية» 2020 نظم بين الكمامات والقلق. À إي.بي.أيه

العدو الخفي «كوفيد-19» فعل ما كان العالم يتخيله مستحيلاً، وهو إغلاق كل صالات السينما من طوكيو في أقصى الشرق إلى لوس أنجلوس في أقصى الغرب في وقت واحد. وتساءلنا في مارس الماضي: «هل معنى هذا نهاية السينما كما نعرفها»، وكانت توقعاتنا أقرب إلى نعم.


وصلنا إلى نهاية عام 2020، العام الأغرب والأقسى في العقد المنصرم، عام الجائحة. تمكن وباء «كوفيد-19» من فعل شيء عجزت عنه حربان عالميتان حطمتا قارتي آسيا وأوروبا. نعم، السينما توقفت في أوروبا في النصف الأول من القرن الـ20، لكنها كانت في قمة إبداعها في أميركا الشمالية، بينما كانت برلين تُقصف وجنود الحلفاء يحررون الأراضي الأوروبية المحتلة من النازيين.

لكن العدو الخفي «كوفيد-19» فعل ما كان العالم يتخيله مستحيلاً، وهو إغلاق كل صالات السينما من طوكيو في أقصى الشرق إلى لوس أنجلوس في أقصى الغرب في وقت واحد. وتساءلنا في مارس الماضي: «هل معنى هذا نهاية السينما كما نعرفها»، وكانت توقعاتنا أقرب إلى نعم. واليوم في نهاية العام واتضاح الأمور أكثر، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول والثاني منها يقول إن التغيير قادم، والثالث متفائل لكنه مستبعد.

أغلق الوباء صالات السينما، وألغى مهرجان كان السينمائي، وزلزل «البندقية»، الذي نظم على صفيح ساخن، أما «تورنتو السينمائي» فمر مرور الكرام وسط الموجة الوبائية الثانية التي عصفت بأميركا وأوروبا. «تورنتو» ظن أن الجائحة نزهة وقرر أن الأقنعة في الصالات أمر اختياري، وعندما تعرض لانتقاد شديد بسبب ارتفاع الإصابات في إقليم أونتاريو غيّر قراره في غضون 24 ساعة، وأصبح القناع إلزامياً. أما بقية المهرجانات الصغيرة نظمت افتراضياً، وطرحت الأفلام عبر الإنترنت.

الأفلام الكبيرة أجلت مواعيد عرضها حتى إشعار آخر، أو حددتها بعد أشهر من الموعد الأصلي. وبسبب هذا تأثرت إيرادات شباك التذاكر وانخفضت بمليارات الدولارات وأعلنت دور سينما إفلاسها.

أثرت الجائحة كذلك على منظمي الجوائز السينمائية، الذين اضطروا إما لإقامتها افتراضياً أو دون جمهور أو إلغائها. أما حفل الأكاديمية الأميركية للعلوم السينمائية - أوسكار - فقد أُجل من 28 فبراير إلى 25 أبريل 2021، كما ألغى مؤقتاً شرط العرض السينمائي لأفلام 2020، وأتاح مشاهدتها لأعضائه عبر الإنترنت باستخدام كلمات مرور خاصة بهم.

حصة الأسد

لكن مصائب قوم عند قوم فوائد، وعندما فرضت حكومات العالم حظر التجوال لجأت الناس إلى الترفيه المنزلي، الذي توفره خدمات البث التدفقي على الإنترنت Streaming، على رأسها «نتفليكس» ملكة الإنتاجات الأصلية وشريكاتها، مثل «أبل TV» و«أمازون برايم» التي تستحوذ على 20% فقط من العالم، بينما تتفرّد «نتفليكس» بحصة الأسد.

ازدهرت خدمات «ستريمنغ» بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الترفيه. هذا أثر كثيراً في قرارات الاستوديوهات، التي أرادت وضع حد لخساراتها، فكان قرار يوليو التاريخي، الذي اختصر المدة الزمنية بين إصدار السينما والفيديو أو «ستريمنغ» من 70 يوماً إلى 17.

كما اتخذت استوديوهات يونيفرسال قراراً تاريخياً بطرح فيلم «ترولز وورلد تور» في القنوات الرقمية، وتجاهل دور العرض التي قررت مقاطعة أفلام الاستوديو. وكان قراراً صائباً، إذ جنت الشركة 100 مليون دولار صافية لم تضطر إلى تقاسمها مع أصحاب دور العرض كما يحدث في العادة. وهو مبلغ أكثر مما جنته في خمسة أشهر أثناء عرض الجزء الأول من الفيلم في الصالات عام 2017.

في آخر يوليو الماضي أعيد افتتاح بعض الصالات في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وتفاءلت هوليوود. قررت استوديوهات وورنر المراهنة على فيلم كريستوفر نولان المنتظر «تينيت» وطرحه في الصالات نتيجة ضغط صانع الفيلم نفسه، كما تشجعت «ديزني» لطرح «مولان» في الأسبوع التالي.

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، وأخفق الفيلمان في شباك التذاكر التي تعمل بقيود «كوفيد-19» المشددة، رغم أنهما الفيلمان الوحيدان المعروضان في الصيف دون أي منافسة تذكر. وذلك يرجع إلى أن أكبر أسواق السينما في العالم (لوس أنجلوس ونيويورك والصين) لا تعمل بكامل طاقتها.

في أكتوبر، كانت الموجة الثانية من «كوفيد-19» تكتسح وسط وجنوب الولايات المتحدة وامتدت إلى كاليفورنيا. أما أوروبا فكانت تكافح الموجة نفسها التي ضربت فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، والتي عادت جميعها إلى إغلاق مارس، والمستمر كلياً في مناطق، وجزئياً في مناطق أخرى إلى اليوم.

وأخيراً، اتخذت بعض استوديوهات هوليوود قراراً بتزامن طرح أفلامها بين السينما والقنوات الرقمية عبر الإنترنت، وكان أول أفلام هذا القرار «ووندر وومان». القرار تعرض لانتقادات لاذعة من صنّاع الأفلام المتعاقدين مع الشركة، مثل نولان وباتي جنكنز الذين وصفوا قناة «إتش بي أو ماكس» المملوكة للاستوديو بالأسوأ على الإطلاق مقارنة بمنافسيها.

سيأتي الأفضل

اليوم نحن أمام ثلاثة سيناريوهات، الأول اخترعته «نتفليكس» وهو طرح الفيلم في السينما والمنصّة الرقمية في الوقت نفسه، وهذا ما دأبت عليه هذه المنصّة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

«نتفليكس» أثرت بشدة في صناعة الأفلام وغيّرت قواعد اللعبة 180 درجة بالنسبة لصناعة وتوزيع الأفلام، لسبب بسيط هو أن نموذجها يختلف عن هوليوود، فالفيصل ليس شباك التذاكر وإنما عدد المشتركين.

فإذا كانت حصة دار عرض من فيلم ثلثي سعر التذكرة، فعلى استوديو الإنتاج تحقيق أربعة أضعاف الميزانية فما فوق ليضمن ربحه. «نتفليكس» لا تعمل هكذا، لكنها تطرح أفلامها باستمرار، بغض النظر عن الميزانية وتجني أرباحها من قيمة الاشتراكات، علماً بأن الشركة لا تنشر أرقاماً. لكن رسالة الشركة من خلال هذا النموذج هي: «نحن نصنع محتوى باستمرار ليكون اشتراكك ضرورياً. وإن أخفق الفيلم فليست مشكلة، لأن غيره موجود وسيأتي الأفضل بعده».

بالنسبة لـ«أبل» و«أمازون»، فإن النموذج نفسه معتمد، وإن أخفقت الأفلام فهي ليست مصدر الدخل الوحيد، لأن هذه الشركات تجلس على جبال من الأموال تجنيها من نشاطاتها الأخرى. الحقيقة الأخرى المُرة هي أن نموذج السينما عتيق ولم يتغيّر منذ 40 عاماً، وتحديداً منذ اختراع الفيديو وانتشار الأشرطة مطلع الثمانينات. فهو منذ ذلك الوقت يعتمد في تحقيق أرباحه على المدة الزمنية التي يعيشها الفيلم في الصالة وهي 70 يوماً.

السيناريو الثاني هو إخفاق السينما مالياً وإغلاق دور العرض. والوارد في هذه الحالة هو شراء اللاعبين الجدد الصالات، وقد حدث هذا فعلاً العام الماضي عندما اشترت «نتفليكس» أول دار سينما. إن حدث هذا فالتاريخ يعيد نفسه، لأن هذا كان نظام الاستوديوهات في هوليوود منذ بداية العشرينات، الذي وصل ذروته مطلع الثلاثينات، إلى أن وضعت له المحكمة العليا الأميركية حداً آخر الأربعينات وتوقف فعلياً أول الخمسينات.

طبقاً لهذا النظام، فإن كل مراحل إنتاج الفيلم تتم في كيانات مملوكة لشركة واحدة أو واقعة تحت تأثيرها. وبما أن «نتفليكس» أو «أمازون» مثلاً تموّل الفيلم وتعرضه على منصتها فهي توزعه، فإن امتلكت إحداها دار عرض لأفلامها، فذلك يعني عودة نظام الاستوديوهات فعلياً بعد 70 عاماً من حله.

وشهد شهر أغسطس ما يشير لنا إلى أن نظام الاستوديوهات الجديد سيصبح قائماً، بعد أن منح قاض في نيويورك إذناً لوزارة العدل الأميركية لإنهاء تشريع صدر عام 1948 يحرم شركة «باراماونت» من ممارسات احتكارية تسببت بخسائر فادحة لملاك السينما آنذاك. إنهاء التشريع يعني أن «نتفليكس» و«أمازون» و«ديزني بلاس» و«أي استوديو أفلام» بإمكانها تملّك أي دار سينما.

أحلام وردية

السيناريو الثالث يعتمد على أحلام وردية، أي أن الجائحة ستنتهي وكأن شيئاً لم يكن، وستعود المياه إلى مجاريها بعد حملات التطعيم العالمية، وستفتح دور السينما بكامل طاقتها، كما كانت الحال قبل 2020 بمجرد رفع القيود، وستعوّض السينما خسائرها في هذه الحالة بسبب حماسة الجماهير وعودتهم إلى الصالات المظلمة نتيجة اشتياقهم إليها.

هذا السيناريو متفائل جداً ومستبعد ليس تشاؤماً، ولكن لأن «كوفيد-19» لن يختفي بكبسة زر ولن ينحسر بسهولة، نعم سينتهي يوماً ما لأن لكل الفيروسات بداية ونهاية. الواقع أن فيروس «كورونا» سيستمر عاماً آخر، وسيعتاده العالم، وسيصبح مرضاً سارياً. دور السينما لن تحتمل عاماً آخر من القيود، إلا لو تدخلت الحكومات وأنقذتها بحزم مالية، لكن الحق يقال إن السينما بعد حقبة «كوفيد-19» ستظل شيئاً كمالياً مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى.

الواقع الآخر أن منصّات «ستريمنغ» لن تفرط أبداً بمكاسبها في عام الوباء وستبني عليها، وبالنظر إلى نموذجي عالم الترفيه المذكورين، فإن المستقبل مع «ستريمنغ»، والأجيال المقبلة لن ترحم النموذج التقليدي (السينما)، فهي تشاهد الأفلام على الشاشة الذكية بمختلف أحجامها (تلفزيون - هاتف ذكي - جهاز لوحي)، وليست متعلقة بالصالة المظلمة، وغير معنية بشعور المشاهدة مع غرباء الظلام.

اللوم يقع على نموذج السينما الذي لم يتطور خلال 40 عاماً، وظل يعتمد على عامل واحد فقط لجني أرباحه، ونوع واحد من الأفلام فقط (بلوكباستر) سخر له كل موارده، ولم يحسب حساباً لظرف مثل هذه الجائحة قد لا يتعافى منها أبداً.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


حقائق عن 2020 لم تحدث في تاريخ السينما:

-- سجل عام الوباء سابقة، وهي تجاوز شباك التذاكر الصيني نظيره الأميركي لتصبح الصين أكبر سوق أفلام لهذا العام، وذلك بسبب اجتياح «كوفيد-19» لقارة أميركا الشمالية، وإغلاق دور العرض فيها.

-- نظراً إلى التأثير الصغير للوباء على سوق الأفلام الآسيوية، فإن نصف قائمة أعلى الأفلام إيراداً تحتله إنتاجات صينية ويابانية. وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ السينما، التي اعتادت سيطرة هوليوود وتصدر أفلامها قائمة أعلى الإيرادات.

-- حطم فيلم «سونيك القنفذ» الرقم القياسي الذي سجله فيلم «بوكيمون: ديتكتيف بيكاشو» العام الماضي، كأعلى فيلم من ناحية الإيرادات يعود إلى تصنيف ألعاب الفيديو. كما يُعدّ فيلم «سونيك القنفذ» أعلى فيلم سوبر هيرو إيراداً لعام 2020، منهياً بذلك سيطرة أفلام عالم مارفيل السينمائي في هذا التصنيف، التي امتدت من 2010 إلى 2019.

-- للمرة الأولى في تاريخ إيرادات شباك التذاكر يتصدّر فيلمان غير أميركيين - ياباني Demon Slayer وصيني Jiang Ziya - من صنف «أنيميشن» ليصبحا الفيلمين الأعلى ربحاً من هذا الصنف. وهي المرة الأولى التي يتصدّر فيها فيلم ياباني شباك التذاكر الآسيوي منذ عام 1987.

أعلى إيرادات الأفلام بالمليون في 2020

The Eight Hundred - 461

Bad Boys For Life - 426

My People, My Homeland - 422

Tenet - 362

Demon Slayer - 340

Sonic the Hedgehog - 320

Dolittle - 250

Jiang Ziya - 243

Birds of Prey - 201

أفلام مؤجلة

2021 أبريل - No Time To Die

2021 يناير - 2 Peter Rabbit

2021 أبريل - 2 A Quiet Place

2021 مايو - Black Widow

2021 أبريل - ٩ Fast and Furious


• الوباء أغلق الصالات، وألغى مهرجان كان السينمائي، وزلزل «البندقية»، الذي نظم على صفيح ساخن.

• السينما بعد حقبة «كوفيد-19» ستظل شيئاً كمالياً، مقارنة بقطاعات أخرى.

تويتر