صُنع في ظروف غير عادية

«تحت السيطرة تماماً».. «كوفيد-19» يتحول إلى لعبة سياسية بين فريقي العلماء والولاء

صورة

فيلم أليكس غيبني التسجيلي Totally Under Control، «تحت السيطرة تماماً» صُنع بشكل سريع جداً، أي هذا العام أو في الأشهر الماضية، وتحت ظروف غير عادية أبداً. المشاركون في الفيلم لم يقابلوا صانعه وجهاً لوجه، بل أجريت كل المقابلات عن بعد لضمان سلامة المتحدثين.

وعندما اضطر لإرسال بعض الفنيين إلى مواقع المتحدثين فإنه عزل منطقة التصوير بالكامل وأقام حاجزاً كبيراً بين المتحدث والفنيين على الجانب الآخر من الغرفة. بالتعاون مع المخرجتين أوفيليا هاروتيونيان وسوزان هيلينجر، استخدم غيبني المقابلات وفيديوهات أرشيفية لكشف ما حدث في الأشهر العشرة الماضية عندما ظهر «كوفيد-19» في ووهان الصينية، وانتشر في كل أصقاع الأرض.

عملياً، هو مثل تحقيق دقيقة بدقيقة منذ ظهور الفيروس إلى يوم إعلان إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه وعائلته بالمرض. حتى الآن سجلت الولايات المتحدة أكثر من 200 ألف وفاة من المرض وآلاف الحالات تسجل بشكل يومي، لكننا نعرف أكثر عن الفيروس اليوم مما كنا نعرفه في شهري مارس وأبريل عندما دخل العالم بأكمله في الحجر، كيف لا، وهو ما سمي بالفيروس الغامض في بداياته.

رغم كل ذلك لم يتحسن الوضع في العالم، وعادت موجة ثانية من الفيروس في أوروبا والولايات المتحدة وكأننا عدنا إلى كابوس مارس. في الوقت الذي يغطيه الفيلم، أصيب سبعة ملايين أميركي، 100 ألف مشروع تجاري أميركي صغير خرجت من السوق، ومئات الآلاف من الأميركيين فقدوا وظائفهم وأصبحوا قلقين من احتمال فقدان بيوتهم وعدم حصولهم على الرعاية الطبية.

على عكس الأفلام التسجيلية الأخرى (أفلام مايكل مور كمثال) فإننا لا نشاهد ولا مقابلة واحدة مع أي من مشرعي الكونغرس. قد يكون السبب أن غيبني أراد التركيز على خط زمني منتظم منذ اكتشاف الفيروس إلى هذا اليوم.

فهو يبدأ من أول حالة مسجلة لكوفيد-19 في سياتل في يناير، ثم يستعرض الخط الزمني بمقارنة بين الطريقة الكورية في مواجهة الفيروس والطريقة الأميركية وعرض نتائج الطريقتين، وهذه الجزئية تقدمها مراسلة صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» في سيؤول فيكتوريا كيم والصحافية الاستقصائية المستقلة كارولين تشين. لمشاهد الفيلم الذي تابع أخبار الوباء منذ بدايته، فقد لا يحمل له الفيلم جديداً، لكن غيبني يبرز تفاصيل داخلية غريبة ومثيرة جداً للاهتمام عن أبرز أوجه القصور في الفريق الذي عينه الرئيس دونالد ترامب، وهي تفاصيل لم تهتم بها الصحافة الأميركية، وهي تفاصيل لو نظرت إليها ككل وبتمعن عندها ستجد أخطاء فادحة تستغرب ارتكابها في دولة من العالم الأول.

تفسير الفيلم أن الوباء تحول إلى لعبة سياسية بين فريق العلماء وفريق الولاء، أي أولئك الذين يختارون الولاء للرئيس ويخفون الحقائق. يحرص غيبني على عرض تفسير طبيب أو خبير أمراض معدية متبوعاً بفيديو أرشيفي للرئيس ترامب يهون من الفيروس ويقول: الفيروس سينحسر من تلقاء نفسه، الأزمة برمتها تحت السيطرة بشكل كامل. ويعرض ستة تصريحات لترامب يكرر فيها التصريح نفسه بالضبط.

يعطي الفيلم انطباعاً لا شك فيه بأن القوى السياسية الحاكمة في واشنطن لا تعير أزمة «كوفيد-19» أي اهتمام، خصوصاً أن هناك 1000 حالة مسجلة يومياً، وأن الوطنية هي عدم ارتداء كمامة، كما يناقش الفيلم نظرية الرد الفاتر: يقتل المرض الملونين فقط أو أولئك الذين يعانون أمراضاً سابقة، وكبار السن.

في الجزئية أعلاه يعلق الدكتور تايسون بيل، رئيس وحدة العناية المركزة الخاصة بمرضى «كوفيد-19» في مستشفى جامعة فيرجينيا قائلاً: عندما تصاب أميركا بالأنفلونزا، يصاب السود بالالتهاب الرئوي. ويكمل د. بيل كلامه قائلاً: إن المرض سبب أمراضاً نفسية لزملائه من الممارسين والممرضين الذين توسلوا إلى رؤسائهم لتوفير أقنعة إضافية ومعدات طبية في ذروة فترة انتشار الفيروس خلال شهري مارس وأبريل الماضيين.

هذه المرة الأولى التي تسيس فيها الأقنعة: كان حكام الولايات يقدمون عروض أسعار على شحنات الإمدادات، لتأتي الحكومة الفيدرالية وتضع عرضاً أعلى من عروضهم وتشتري الشحنات! جمع غيبني مجموعة متنوعة جداً من الأطباء والخبراء لقول كلام في منتهى الأهمية، ويعكس فهماً وإدراكاً تاماً لخطورة الأزمة، وكيف كان يمكن معالجتها بشكل أفضل كما يحوي تصريحات بعض الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم لأنهم قرروا الخروج على خطة الإدارة وقول الحقيقة كاملة.

يكشف المدير السابق لهيئة بحث وتطوير الطب البيولوجي ريك برايت والرئيس السابق لمركز التحكم والوقاية من الأمراض د. توم فريدين، وغيرهم من رواد صناعة الطب في الولايات المتحدة، عن سلسلة إيميلات تبدأ من يناير الماضي نرى فيها كيف يتم اتخاذ قرارات خاطئة في فروع مركز التحكم والوقاية.

نتيجة لذلك يتشتت الموظفون ويطلبون دعماً من رؤسائهم الذين لا يجدون أصلاً دعماً من الحكومة الفيدرالية، فيضطرون إلى العمل وحدهم واتخاذ قرارات تتأرجح بين الارتجال والتدبر. ولا يلامون لأنه لا توجد معلومات للاستخلاص، وبالتالي اتخاذ أي قرار صحيح بناء عليها. ثم نرى بيث كاميرون من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يشرح كيف حدثت أزمة نقص أقنعة N95، متبوعاً بماكس كينيدي وهو شاب في العشرين من عمره متطوع في فريق توفير المعدات الطبية، ثم يظهر د. فلاديمير زيلينكو، مؤيد لخليط هيدروكسي كلوروكوين الذي دللت عليه هيئة الدواء والغذاء الأميركية في وقت سابق من هذا العام. يذكر أن أليكس غيبني أحد أهم صناع الأفلام التسجيلية في الولايات المتحدة في هذا الزمن، وقد يكون الأهم. صنع غيبني وثائقيات عديدة كان أهمها فيلم Enron: The Smartest Guys in The Room الصادر عام 2005، والذي ترشح لأوسكار أفضل فيلم تسجيلي. تناول ذلك الفيلم موضوع الفساد في مؤسسة إنرون للطاقة والفضيحة الكبرى التي تسببت في انهيار الشركة عام 2001.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


يحرص غيبني على عرض تفسير خبير أمراض معدية متبوعاً بفيديو أرشيفي لترامب يهون من الفيروس ويقول: الفيروس سينحسر من تلقاء نفسه.

يعطي الفيلم انطباعاً بأن القوى الحاكمة في واشنطن لا تعير أزمة «كوفيد-19» أي اهتمام، وأن الوطنية هي عدم ارتداء كمامة.

تويتر