تقليد خاوٍ لمسلسل «لعبة العروش»

«ماليفيسنت 2» يستخفّ بعقول الكبار وعسير الفهم على الصغار

صورة

عندما طرحت ديزني فيلم Maleficent عام 2014، كان الفيلم يمثل منهجاً جديداً لقصة الجميلة النائمة في قالب حركة حية (ممثلون وشخصيات كمبيوتر). مع أنجلينا جولي في دور الجنّية ماليفيسنت وإيل فاننغ في دور الجميلة النائمة أوروروا، حقق الفيلم نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر ليضمن جزءاً ثانياً.

النتيجة وصلت اليوم وهي Mistress of Evil سيدة الشر، وهو فيلم به الكثير من الإيجابيات التي لا يعرف كيف يوظفها جيداً لأن القصة انتهت في الفيلم الأصلي. بعد انطلاقة جيدة يصل الفيلم إلى مرحلة رمال متحركة، وضعها كتّاب النص من دون الإتيان بحل جيد لانتشاله منها. «ديزني» شركة بارعة في صنع أفلام جميلة ومبتكرة، لكن منطقة الجدية حتماً ليست ضمن اختصاصها كما يتضح من خلال أحداث هذا الفيلم.

هناك فرق كبير بين أن تصنع فيلماً عائلياً موجهاً للأطفال غالباً ويخاطب عقولهم، كما دأبت «ديزني»، وبين أن تصنع فيلماً يخلط الميلودراما بالسياسة الداخلية والخارجية، وتملأه برموز لا يفهمها سوى قارئي الصحف ومتابعي التحليلات السياسية، خصوصاً موضوع إبادة البشر أو التطهير العرقي.

الأطفال حتماً لن يستوعبوا ما يحدث في الفيلم الذي سيظنونه مجرد فصل جديد من قصة. أما الكبار فسيفاجأون لو علموا عن خطة الملكة إنغريث (ميشيل فايفر)، وهي بيضاء متعصبة تؤمن بتفوق فصيلتها على بقية ساكني المعمورة، لو علموا أنها تخطط لاستئصال مملكة الجن/‏ الساحرات.

هذا لا يكون واضحاً من البداية، حقيقة جوهر القصة عن سؤال ما إذا كانت مخلوقات مور قادرة على التعايش السلمي المشترك مع البشر المجاورين؟ لكن مع تطور القصة تنكشف خطة إنغريث. مشكلة الفيلم ليست محصورة في طرح موضوع الإبادة الجماعية الجاد والثقيل والمخيف، لكن في رمي حل سهل لا يتساوى وزناً ولا نبرة مع الموضوع.

بكل بساطة يكنس الفيلم العواقب تحت السجادة كما يقال، ويتناساها بشكل غريب وكأنها لم تكن، ويدفع بالشخصيات لتغني كمبايا! وهي إهانة واستخفاف بعقول الكبار في محاولته عدم إهانة عقول الصغار بمسألة عسيرة الفهم.

لو وضعنا جانباً مسألة جدية موضوع القصة واستخفاف الفيلم بها في نهايته، فإن سيدة الشر فيلم لا بأس به إلى حد ما. عندما تقرر مسلوبة الإرادة أوروروا الزواج من الأمير الساذج فيليب (هاريس ديكنسون بديلا لبرنتون ثويتس من الجزء الأول)، يقرر الاثنان أن الوقت حان لإبلاغ عائلتيهما.

يسعد والد فيليب الملك المسالم جون (روبرت ليندسي)، بإمكانية عقد علاقات صداقة ووئام بين المملكتين اللتين تتناصبان العداء. لكن زوجته إنغريث ترى الزفاف كخطوة تالية في مخططاتها الشيطانية. ترفض ماليفيسنت، وهي والدة أوروروا بالتبني، الاتحاد القائم على ذلك الزواج، لكنها توافق على مجرد حضور عشاء التعارف بين العائلتين (بالضبط على طريقة الفيلم الكوميدي الشهير Meet the Parents ).

تبدأ المشكلات من طاولة العشاء، تحدث مشادة كلامية، يسقط الملك جون في غيبوبة غامضة، تورط إنغريث ماليفيسنت في اللعنة التي حلت بالملك، تغادر ماليفيسنت القصر غاضبة وتطير بجناحيها، لكنها تصاب بجرح غائر من رصاصة حديدية أطلقتها عليها غيردا (جين موراي) اليد اليمنى لإنغريث من قوسها الشبيه ببندقية.

تسقط في الماء فينقذها مواطنها كونال (تشيويتيل إيجيوفور)، ويأخذها إلى مكان آمن منعزل، حتى تتعافى من إصابتها وتقرر إن كانت تريد الحرب أو السلام مع المعتدين. في الوقت نفسه تجهز إنغريث جيشها لمعركة القضاء على المخلوقات غير البشرية.

يبقى فيليب غير مبالٍ بما يحدث من تآمر من قبل والدته، لكن أوروروا تقلق بشأن ماليفيسنت وما إذا كانت قد غدرت بعائلة حبيبها واختفائها، وتبدأ الشكوك تساورها في ما يتعلق بخياراتها ونزاهة إنغريث.

من نقاط قوة ماليفيسنت، الأولى كانت قدرة المخرج، روبرت سترومبيرغ، على بناء ذلك العالم. رغم أن مخرج الجزء الثاني، النرويجي يواكيم روننغ، (شارك في إخراج قراصنة الكاريبي الأخير)، لا يمتلك تلك البراعة، إلا أن فيلمه يتمتع بالمشاهد البصرية الخلابة. مخلوقات عالم مور تظهر بكامل تفاصيلها وألوانها الزاهية.

هناك مشهد واحد لافت في بداية الفيلم، عندما تدور الكاميرا 360 درجة وترتفع بشكل ساحر، لكن قد يصاب المشاهد ذو الإحساس المرهف بنوع من دوران الرأس.

أنجلينا جولي لا تعطي الكثير في الدور، وهي غائبة عن الشاشة نصف مدة الفيلم، فضلاً عن أن النص يقلصها إلى مجرد أداة قصة. ولا تعطي أفضل ما عندها إلا عندما يبزغ جانب الشر من شخصية ماليفيسنت، ومن المعروف أن جولي أفضل دائماً في دور شريرة أكثر من صالحة.

الحقيقة أن الجماهير ستدفع لمشاهدة جولي وحدها، فهي نجمة الفيلم، وهي لا تظهر في أفلام كبيرة سوى مرة كل أربع أو خمس سنوات منذ بداية هذا العقد، وكان آخر بطولة فيلم كبير لها هو الجزء الأول من ماليفيسنت.

فاننغ، التي كانت في دور ساحر بالجزء السابق، محصورة هنا في دور عانس متوترة. ميشيل فايفر تألقت في دور الرأس المدبر لمؤامرة غزو. تستطيع فايفر التلاعب بملامحها لتظهر شراً متأصلاً في روحها. أما ديكنسون فهو الأسوأ، إذ ظهر مملاً وأقرب إلى أداء الدراما الخليجية البائسة.

ولا نعلم إن كان هذا إثراء للفيلم أم إفلاساً، لكننا نظنه الأخير، إذ إن روننغ وكتابه ليندا وولفرتون وميكا فيتزرمان ونوا هاربستر، متأثرون بوضوح شديد بمسلسل «لعبة العروش». من الزفاف السياسي الذي سيوحد مملكتين إلى ماليفيسنت التي تتحول إلى طائر ضخم يهجم على القصر، إلى مشهد اقتحام القصر من قبل جيش ماليفيسنت، إلى نوع الأسلحة المستخدمة، كلها مشاهد مألوفة جداً من ذلك المسلسل الذي امتد على طول هذا العقد.

التأثر ليس عيباً، لكن عندما لا يضيف المتأثر جديداً فحينها يتحول التأثر إلى مجرد تقليد خاوٍ. لا نعلم كيف نصف الفيلم، لكنه يخاطب الأطفال بلغة الكبار، وبالتأكيد لن يفهمه من هم دون العاشرة، ونشك في أن يفهمه أبناء الـ12 ربيعاً. بكلمات أخرى، هذا الفيلم نسخة الأطفال من مسلسل «لعبة العروش».

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


فرق كبير بين أن تصنع فيلماً موجهاً للأطفال، وبين أن تصنع فيلماً يخلط الميلودراما بالسياسة، وتملأه برموز لا يفهمها سوى متابعي التحليلات السياسية.

يكنس الفيلم العواقب تحت السجادة كما يقال، ويتناساها بشكل غريب وكأنها لم تكن، ويدفع بالشخصيات لتغني كمبايا.

تويتر