يختزل 15 عاماً في 134 دقيقة

«بوهيميان رابسودي» يركّز على ميركوري ويتجاهل كويين

صورة

برزت موسيقى فرقة كويين الإنجليزية من نوعية الروك في عقدي السبعينات والثمانينات، وبالنسبة لعشاق الفرقة؛ فإن الجانب الآسر هو موسيقاها. فيلم Bohemian Rhapsody، وهو اسم أغنية للفرقة طرحت عام 1975، عن قصة هذه الفرقة الغنائية، وهي ككل قصص الفرق الغنائية التي شاهدناها سينمائياً في الماضي، إذ تجمع بين التفاهة والابتذال والمأساوية والكليشيه.

مخرج رغم الإقالة

أقالت الشركة المنتجة المخرج سينغر أثناء تصوير الفيلم، وعينت الإنجليزي ديكستر فليتشر، ليكمل مهام الإخراج، ونظراً لقوانين نقابة المخرجين في أميركا فإن سينغر هو المخرج الفعلي رغم إقالته؛ لأنه صور أكثر من نصف مشاهد الفيلم، أما فليتشر فقد نسب إليه المنتج التنفيذي للفيلم.

1975

العام الذي طرحت فيه الأغنية التي يحمل الفيلم اسمها.

- ليس فيلماً سيئاً جداً، فهناك لحظات تجعله قابلاً للمشاهدة، خصوصاً لعشاق الفرقة، أما غير العشاق فيكفيهم أداء مالك.

يميل الفيلم بشدة إلى العامل الأخير أكثر من البقية، ويغير الحقائق التاريخية ويخلق عنصراً شريراً، ويدخل أجزاء مثيرة للعواطف في القصة دون أن تكون بالضرورة موجودة في الواقع، ويعطي قصة كويين مساراً دراماتيكياً، كل ذلك من أجل أن تكون مناسبة للعرض السينمائي! ما ينقذ «بوهيميان رابسودي» من التحول إلى كارثة هي المشاهد الموسيقية، خصوصاً الأخير منها، وهو الذي يبدأ الفيلم به وينتهي إليه.

فاروق بولسارا

يبدأ الفيلم في ملعب ويمبلي بإنجلترا، حيث تُجرى الاستعدادات على قدم وساق لإقامة حفل لايف أيد الشهير عام 1985، ثم يعود الفيلم إلى عام 1970، ونرى شاباً فقيراً من أصول هندية يدعى فاروق بولسارا (الأميركي من أصل مصري رامي مالك)، يعمل في وظيفة حمّال حقائب في مطار هيثرو اللندني.

يذهب فاروق إلى نادٍ ليلي لمشاهدة فرقة تسمى سمايل، انفصل المغني الرئيس عنها، يتعرف فاروق إلى أعضاء من الفرقة، عازف الغيتار برايان (غويليم لي) وروجر (بين هاردي)، ويعرض عليهما أن يكون المغني الرئيس. ينضم إلى الفرقة عازف يدعى جون ديكن (جوزيف مازيلو)، وتغيّر الفرقة اسمها إلى كويين، وتبدأ المشاركة في حفلات صغيرة في بريطانيا، قبل أن تبيع سيارتها للحصول على المال اللازم لإنتاج أول ألبوم غنائي.

تتبنى كويين أسلوباً غنائياً فريداً من نوعه يجذب انتباه شركة الموسيقى الشهيرة EMI، وفي الوقت نفسه يقرر فاروق تغيير اسمه بشكل رسمي إلى فريدي ميركوري، ويقع في حب عاملة متجر ملابس إنجليزية حسناء تدعى ميري أوستن (لوسي بوينتن).

أثناء جولة الفرقة في أميركا تبدأ التحولات الغريبة تطرأ على ميركوري ويتحول إلى منحرف جنسياً، وتتركه أوستن لتتزوج رجلاً آخر، بينما قلب ميركوري مازال متعلقاً بها، لكنه غير قادر على العودة إلى الفطرة الإنسانية السليمة، بالإضافة إلى إدمانه المخدرات، وتالياً يصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة (الآيدز)، ما أدى إلى وفاته جراء المرض في نوفمبر 1991 عن عمر ناهز 45 عاماً.

ليست خطوة حكيمة

يركز مخرج الفيلم برايان سينغر على شخصية ميركوري ويتجاهل أعضاء كويين رغم اعتراف ميركوري في الفيلم بأنه لا يستطيع الابتعاد عنهم بعد قطيعة السنوات الثلاث وعودته إليهم، لأنه يهتم بآرائهم وقبوله بشروطهم. وحتى لو كان ميركوري يستطيع العمل دون كويين فإنه فضل العودة؛ وهذا يعني تقديره لدور بقية أعضاء الفرقة، أما اختيار التركيز عليه وحده والتعامل معهم كشخصيات ثانوية فليس خطوة حكيمة.

مالك ممثل موهوب جداً، وقدم أداء مبهراً في تجسيد ميركوري، خصوصاً حفل لايف أيد الضخم الذي ذهب ريعه لمكافحة المجاعة في القارة السمراء (المشهد الأخير)، لكن ذلك لم يكن كافياً. لا نقول إنه فيلم سيئ جداً، بل هناك العديد من اللحظات التي تجعله قابلاً للمشاهدة، خصوصاً لعشاق الفرقة، أما غير العشاق ومن لا يعرفون الفرقة فيكفيهم أداء مالك. هناك تباين ملحوظ في المستوى بين مشاهد الدراما ونظيرتها الغنائية، فالأولى ضعيفة والثانية قوية، نستغرب جداً عدم اهتمام صانعي الفيلم بمعالجتها، وردم الهوة بينهما، واعتمادهم بشكل كامل على اللقطات الغنائية فقط. يحاول الفيلم اختزال 15 عاماً في 134 دقيقة، وهذا المأزق الذي تقع فيه معظم أفلام السيرة الذاتية.

«بوهيميان رابسودي» يعلم ذلك، فيلجأ الكاتب النيوزيلاندي آنثوني مكارتن (كتب نص نظرية كل شيء 2014 وأحلك ساعة 2017، وكلاهما حصل على ترشيح أفضل نص مقتبس وأفضل فيلم)، إلى إعادة ترتيب كل أحداث الفيلم ليكون عن حفل لايف أيد وينتهي به، ونتيجة لذلك وقع في أخطاء كثيرة وتسلسل زمني غير منطقي، ناهيك بسطحية فكرة أن ذلك الحفل هو أهم شيء في مسيرة تلك الفرقة.

استراتيجية مكارتن أو ربما استوديو الإنتاج هي التركيز على أهم أغاني الفرقة وكذلك اللحظات المفصلية في حياة ميركوري، وهنا الهدف واضح، وهو أولاً أن الفيلم موجه لعشاق كويين فقط، وثانياً، فرض شكل قالب سينمائي: بداية - صعود - ذروة - أفول على قصة الفرقة، وهي ليست بالضرورة بحاجة إليه. ونتيجة لذلك وقع الخلل في الخط الزمني للقصة، لأن جعل لايف أيد ذروة الفيلم يعني نقل كل ما حدث بعدها زمنياً ليكون قبلها!

فإذا كانت لايف أيد عام 1985 حسب الواقع والفيلم، فإن ميركوري اعترف بإصابته بالآيدز عام 1987، لكن الفيلم وضع الاعتراف قبل الحفل! وحسب الفيلم فإن مدير أعمال ميركوري فضحه في مقابلة صحافية قبل الحفل، لكنها في الواقع حدثت بعده، وهكذا دواليك.

ربما كان «بوهيميان رابسودي» سيصبح فيلماً أفضل لو ركز صانعوه على جزئية واحدة أو اثنتين فقط، مثلاً، كيفية إنتاج أغاني الفرقة مثل تركيزهم على نقاشات المجموعة أثناء وضعهم لسيناريو الأغنية العنوان، وكان مشهداً جميلاً للغاية، فهذه الجزئيات عادة تنتج عنها خلافات في وجهات النظر وصراعات بين أعضاء الفرقة، لأن طرفاً يريد التقيد بتقاليد المجموعة وطرفاً آخر يرغب في التجديد وكسر حدود موسيقى الروك التقليدية. لو ركز الفيلم على هذا الجانب فقط لكان هذا حتماً فيلماً أفضل.

أفلام السيرة الذاتية بحاجة إلى كسر القالب السينمائي وأفضل من فعل ذلك كان المخرج الإنجليزي داني بويل في فيلم ستيف جوبز عام 2015، عندما اختار التركيز على أهم ثلاثة أحداث في حياة الرجل.

هناك مشهد ظريف ومضحك في الفيلم يظهر فيه الممثل الكوميدي الكندي مايك مايرز في دور منتج موسيقي يسخر من أغنية بوهيميان رابسودي، ويقول إنها سخيفة ولا تستحق الاستثمار فيها، النكتة أن مايرز لعب دور المعجب بالأغنية نفسها وغناها يتملكه الطرب في فيلم «عالم وين» عام 1992.

تويتر