كلير فوي تفننت في أداء الشخصية

«أنسين».. أفضل فيلم رعب - تشويق يُصوَّر بهاتف ذكي

صورة

فيلم Unsane «قليل من الجنون»، هو الفيلم الأكثر جنوناً لصانع الأفلام الأميركي ستيفن سودربيرغ، بعد عودته من التقاعد الذي أعلنه منذ خمسة أعوام، عندما قال جملته الشهيرة: «لم تعد الأفلام تهمني.. أريد أن أنمي مهارة الرسم لديَّ».


لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


• «قليل من الجنون».. الفيلم الأكثر جنوناً لصانع الأفلام الأميركي ستيفن سودربيرغ، بعد عودته من التقاعد.

• الحديث عن كاميرا الفيلم لن يتوقف.. والمجادلون لهم الحق في قول إن التجربة لو تكررت فذلك يعني نهاية السينما كما نعرفها.

• نهاية مقوّضة للفنيات

«أنسين» لا يركز على مشاهد الدم ولا الجثث ولا قفزات الفزع الرخيصة، بل ذهب سودربيرغ باتجاه الإعداد ببطء لجو من التشويق. ما قوّض الفيلم هو نهايته المبتذلة التي لا تتماشى مع فنياته، ولا مع أداء بطلته الجميل، ولا حتى مع أجواء الإثارة التي جعلته يستحوذ على اهتمام المشاهد.

لكن سودربيرغ انصرف للإخراج التلفزيوني، وأنجز مسلسل The Knick بتصوير 600 صفحة في 73 يوماً، بمعدل 10 ساعات عمل. شعر سودربيرغ بعدها بطاقة رهيبة؛ وقرر العودة إلى السينما، وصرف موضوع الرسم لسبب بسيط، هو أن الجمهور ينتظر أفلام سودربيرغ وليس لوحاته. وعندما عاد الرجل شاهدنا له فيلمين: الأول Logan Lucky، الذي صوره في 36 يوماً، وهو انقلاب على فيلم Ocean’s 11 الذي أخرجه سودربيرغ نفسه عام 2001، ثم صنع هذا الفيلم.

«أنسين» فيلم مجنون صوّره سودربيرغ الجريء بالكامل بجهاز «آي فون 7 بلاس»، وهو بذلك فقد معياراً مهماً نزع منه صفة سينمائي، لكنه لايزال فيلماً جيداً يعرض في دور السينما.. سنعود لتفصيل هذه النقطة لاحقاً.

الأمور أكثر تعقيداً

فتاة تدعى سوير فالينتيني (كلير فوي من مسلسل ذا كراون) تنتقل إلى وظيفة جديدة في مدينة أخرى، وتؤدي عملها بشكل جيد، يطري عليه رئيسها في العمل، ويدعوها لمرافقته لحضور مؤتمر.

سوير تعاني مشكلة نفسية؛ وهي اضطراب ما بعد الصدمة ناتج عن تعرضها لملاحقة شخص في وقت سابق. كنتيجة لهذا المرض أصبحت سوير ترى الشخص واسمه ديفيد ستراين (جوشوا ليونارد) أمامها في كل مكان.

تقرر سوير الذهاب إلى طبيبة نفسية، وتميل الأخيرة للاعتقاد أن سوير قد تفكر في الانتحار. تضلل الطبيبة سوير، وتقنعها بتوقيع أوراق موافقة على دخول مصحة عقلية تطوعاً لمدة 24 ساعة بغرض المراقبة، وبعد استفزازها تلجأ سوير للعنف، ما يخول المركز تمديد فترة إقامتها من يوم إلى أسبوع.

يتضح لسوير أن الأمور أكثر تعقيداً مما تتصور، عندما تلاحظ أن أحد الممرضين يشبه الشخص (ستراين) الذي يلاحقها! فهل الأمر كذلك فعلاً أم أنها تتوهم أشياء لا وجود لها؟

تجربة مثيرة

هل «أنسين» فيلم سينمائي؟ الجواب هو لا. هذا فيلم غير سينمائي، وهذا لا يعني أنه سيئ، لكن لأنه مصنوع من كاميرا هاتف ذكي، والأصل في السينما هي الكاميرا السينمائية أو نظيرتها الرقمية التي تمنح الفيلم الصفة المستحقة. لكن ذلك لا يعني أن الفيلم لا يستحق عرضاً سينمائياً، فهذه في النهاية تجربة جديدة ومثيرة للاهتمام، يحق لمؤلفها استكشاف ما يريد.

الفيلم مكون من لقطات ذات قيمة فنية عالية، ومن زوايا جميلة، إذ إنه من الواضح أن سودربيرغ حريص على إضفاء قيمة فنية لتمييز نفسه.

الإضاءة خافتة في لقطات كثيرة، ونعلم أن سودربيرغ تعمّد تركها كما هي لأنه يجرّب، وأخرى من الواضح أن كاميرا الهاتف الذكي عجزت عن إظهارها بالشكل الصحيح الذي تظهر به بكاميرا سينمائية حقيقية. بشكل إجمالي الفيلم ينتقل من لقطة مضاءة جيداً إلى أخرى معتمة، ولن نعتبر ذلك سمة سيئة، لأن الفيلم بأكمله تجريبي.

هنا من الواضح أن سودربيرغ يقدم شيئاً يمكن تسميته فيلماً مصنوعاً بهاتف ذكي، وهو في الحقيقة أفضل فيلم رعب وتشويق يصور بأداة غير سينمائية، والتصوير سمة غير رئيسة فيه.

الحديث عن كاميرا الفيلم لن يتوقف، والمجادلون لهم الحق في قول إن التجربة لو تكررت فذلك يعني نهاية السينما كما نعرفها. التجربة قد تتكرر لكنها لن تنتشر، وكاميرا أي جهاز ذكي لن تحل محل الكاميرا السينمائية الاحترافية، إلا لو تطورت وأصبحت تعطي جودة وحجم الصورة السينمائية العريضة تماماً، لكن دعونا ننظر إلى الفيلم من منظور تجربة جديدة.

القيمة الفنية الوحيدة هنا متمثلة في وجود سودربيرغ خلف الكاميرا (سودربيرغ يصور أفلامه باسم مستعار، ويخرجها وينفذ مونتاجها)، هذا يعني أن تصوير الفيلم وتحديد شكل اللقطات كان جميلاً ومتلائماً مع متطلبات الوسط السينمائي، بعكس فيلم آخر شاهدناه مصوراً بكاميرا سينمائية لكن لقطاته جاءت برتابة واحدة ومملة، وهو «لعبة مولي» المصنوع بمعايير فيلم تلفزيوني، لا يستحق العرض على الشاشة الفضية.

بكلمات أخرى: نحن نشاهد فيديوهات كثيرة على هواتفنا الذكية، كلها مصنوعة بشكل عشوائي، لكن عندما أمسك السينمائي المحترف الأداة صنع بها فيلماً جميلاً، بالمقابل؛ لم يتمكن آرون سوركين، وهو مجرد كاتب، من إعطاء نتيجة مماثلة فنياً في «لعبة مولي»، رغم وجود كاميرا احترافية بين يديه. بالمنطق نفسه، نستطيع القول مثلاً: فنان العرب محمد عبده يمكنه العزف على عود لعبة مثلاً، مخصص للأطفال أفضل من هاوٍ يعزف بعود احترافي، أو فرقة «رولنغ ستونز» تستطيع العزف بجيتارات معطوبة الأوتار أفضل من هواة بجيتارات احترافية، هذا المنطق الفني الذي نريد توضيحه للفيلم. وهلم جرا.

العامل الآخر لنجاح هذا الفيلم، هو أداء فوي التي تتفنن في إبراز محاور مختلفة للشخصية، من امرأة مكتئبة تحاول تحييد مخاوفها واسترجاع حياتها الطبيعية، إلى صراع الشخصية ومحاولة تجميع بقايا ما تبقى لها من عقلانية. في المنتصف كفاح الشخصية مع شياطينها ومحاولة رؤية الحقيقة، من خلال نوبات هلوسة.

سودربيرغ ليس أول من استخدم هاتفاً ذكياً في صنع فيلم، لكنه أشهر من جربوا هذا الأسلوب. سودربيرغ صرح بأن الهواتف الذكية هي مستقبل السينما، وأنه لن يكتفي بهذه التجربة. لكن لو نظرنا إلى مستقبل السينما من منظور الهواتف الذكية سيكون الحكم مختلفاً، وسنقول إن هذه التقنية أظهرت الفيلم كأنه مصنوع بتقنية بدائية، مقارنة بالكاميرا الاحترافية، ولم تضف شيئاً إلى صناعة السينما، بل بالعكس انتقصت منها بإعطاء الفيلم صورة رديئة الجودة، مقارنة بالمعيار السينمائي المحترف.

تبقى نقطة أخيرة، ماذا ستكون النتيجة لو صنع سودربيرغ الفيلم القادم بكاميرا «سامسونغ نوت 8»، القادرة على التغلب على الإضاءة المنخفضة التي كانت مشكلة لكثير من مشاهد «أنسين»؟ وهل يمكن أن يفعلها صانع أفلام آخر، ويقدم فيلماً بالجهاز المنافس لـ«آي فون»؟ لا نعلم ربما حتى تتقدم إحدى شركات الهواتف الذكية بعرض لتصوير فيلم بجهازها ومن إنتاجها. سواء حصل ذلك أم لم يحصل، المهم أن «أنسين» فيلم مجنون، يستحق المشاهدة من منظور تجربة جديدة!

تويتر