اعتمدت على الإنترنت في عملية التسويق

سينما الـ «لقطات المــكتشفة».. تكتسب التقنية الجديدة وتفقـــد السياق المتين

صورة

ذكرنا في قراءتنا لفيلم «بلير ويتش» أن فيلم «كانيبال هولوكوست» عام 1980، للإيطالي روجيرو ديوداتو، كان أول فيلم رعب من صنف (Found Footage) أو «لقطات تم العثور عليها»، حسب مؤرخي السينما، إلا أن فيلم «ذا بلير ويتش بروجيكت» عام 1999، هو الذي أطلق هذا الاتجاه الفرعي في سينما الرعب، بالصورة المتعارف عليها حالياً بين الناس.

في القرن الـ21، وتحديداً في العقد الماضي، ازدهر هذا الاتجاه بشدة، وكان سبباً في تراجع أفلام Slasher (أفلام القتل بالسكين)، التي هيمنت على سينما الرعب لعقدين من الزمن تقريباً، من 1984 حتى نهاية عقد التسعينات.

ضبابية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/09/5411091.jpg

أفلام «لقطات تم العثور عليها» كانت في السابق مقبولة بشخصيات وقصص سطحية مادامت تقدم تجربة مشاهدة مثيرة، لكن الآن لم يعد ذلك مقبولاً، حيث أصبحت القصص والشخصيات محط انتقاد بسبب ضحالتها. بشكل عام وضعية هذه الأفلام أصبح ضبابياً، وفي الوقت نفسه بسبب عمليات المزج غير الموفقة تولّد شعور لدى عشاق السلسلات الأخرى أن هوليوود تحاول مزج هذه النوعية بالأنواع الأخرى حتى لا تضمحلّ الأولى. هذا تسبب في انتشار شائعات أن سلسلة مثل Friday the 13th، ستكون من نوع «لقطات تم العثور عليها» مستقبلاً، ما أدى إلى إغضاب جماهير السلسلة، وهو ما دفع منتجيها إلى نفي الشائعة، وطمأنتهم أن ذلك لن يحدث.

أسباب نجاح وازدهار هذه النوعية من الأفلام تعود بالدرجة الأولى إلى أسلوبها الواقعي جداً في تقديم المادة المصورة (غالباً تتميز بالاهتزاز الشديد)، وهو ما أدى إلى خلق حالة التباس بين الناس التي ظنت أن فيلماً مثل Chernobyl Diaries عام 2012 هو من صنف «لقطات تم العثور عليها»، نظراً لأنه يحمل بعضاً من سمات الصنف، وللعلم أن أحد كتّابه هو أورين بيلي مخرج فيلم «بارانورمال آكتفيتي» (نشاط خارق للعادة)، وهو أحد أكثر أفلام هذا الصنف شعبية.

اليوم نحن أمام أحدث فيلم من هذا الاتجاه وهو «بلير ويتش»، الفيلم الثالث في السلسلة إجمالاً، والثاني من ناحية القصة، على اعتبار أنه تم تجاهل ما حدث في الجزء الثاني المعروف باسم «ذا بووك أوف شادوز». الفيلم مثير للاهتمام والنقاش، كونه تأثر بالتغييرات التي طرأت على هذا النوع خلال 17 عاماً الماضية، أي منذ طرح الجزء الأول في دور العرض. الفيلم الجديد يستخدم أسلوب الجزء الأول نفسه تماماً، لكنه غيّر كثيراً على صعيد التقنيات المستخدمة من قبل الشخصيات، أي أنه (مُعصرن) تماماً، لكن ذلك لا يعفي صانعيه من السؤال المهم: ما الخطوة التالية لهذا الصنف الذي اهترأت معادلته؟

قبل محاولة التوصل لإجابة، دعونا نرصد مراحل تطور هذا الاتجاه الفرعي في سينما الرعب من أيام «ذا بلير ويتش بروجيكت».

بينما تم منع «كانيبال هولوكوست» من العرض في دول عدة، ووجهت اتهامات لصانعه (تم إسقاطها لاحقاً) مفادها أن مادة الفيلم عن أكلة لحوم البشر لم تكن مصطنعة، وأن الجماهير احتارت في كون الأحداث حقيقية، فإن «ذا بلير ويتش بروجيكت» لعب على العامل نفسه إنما بطريقة أخرى، فقد استغل الفيلم جهل الجماهير بهذا الصنف من الأفلام لمصلحته.

«ذا بلير ويتش بروجيكت»، بشكل عام، سجل سابقة، إذ إنه الفيلم الأول الذي يوظف الإنترنت لتسويقه، فقد تم تحميل موقعه الرسمي بمقاطع فيديو تضمنت مقابلات مزيفة وتقارير شرطة تلمّح إلى أن كل أحداث الفيلم حقيقية، وهي فكرة عزّزها صانعو الفيلم خلال جولاتهم في مهرجانات الأفلام.

خدعة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/09/541461.jpg

«بارانورمال آكتفيتي» تم تصويره عام 2007 في 10 أيام بميزانية بلغت 15 ألف دولار، وعند عرضه في مهرجان «سلامدانس السينمائي» أحدث ضجة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/09/541471.jpg

«رغم أن صنف (لقطات تم العثور عليها أو المكتشفة) مرتبط بسينما الرعب، إلا أنه كانت هناك محاولات لدمجه مع أصناف أخرى خارج سينما الرعب في العقد الماضي».


«في القرن الـ21، وتحديداً في العقد الماضي، تراجعت أفلام Slasher (أفلام القتل بالسكين)، التي هيمنت على سينما الرعب لعقدين من الزمن تقريباً».


مستقبل غامض

من الصعب تحديد مستقبل هذا الاتجاه الفرعي وما إن كان سيتطور دون خلطه بالأصناف الأخرى، «بلير ويتش» لن يرسخ في الأذهان كعمل ملهم، كما حدث مع الأصلي، لكنه يعتبر مثالاً جيداً يوضح ويثبت أن هذا الاتجاه تغيّر كثيراً منذ انطلاقه فعلياً عام 1999، من الممكن أن نشاهد لقطات تم العثور عليها من خلال تطبيقات الأجهزة الذكية مثلاً أو حتى من خلال كاميرا طائرة دون طيار، لكن حان الآن الوقت لبدء نقاش جاد في هوليوود عن الخطوة التالية لهذا الاتجاه.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/09/541459.jpg

الخدعة لم تنطلِ على الجميع، لكن تمكّن الفيلم من خداع نسبة كبيرة جداً من البشر كانت كفيلة بتأمين إيرادات تخطت عتبة الـ200 مليون دولار مقابل ميزانية لم تتجاوز 60 ألف دولار. وهكذا أصبح الترويج عبر الإنترنت أحد مظاهر التسويق في عالم الأفلام، وامتد ذلك ليشمل الأفلام المستقلة وأفلام الميزانيات الضخمة (البلوكباستر)، مثل جوراسيك وورلد 2014.

وهو الأسلوب ذاته ومفتاح النجاح للمخرج مات ريفز عندما طبّقه لتسويق فيلمه «كلوفرفيلد» عام 2008، لكن ريفز لم يعتمد بالضبط أسلوب «بلير ويتش بروجيكت»، بل كان أكثر ذكاء، فبدل أن يبث ريفز أخباراً كاذبة أو ادعاءات أن مادة فيلمه قد تكون حقيقية، وبالتالي يثير فضول الجماهير، ذهب باتجاه الترويج إلى سرية الفيلم، وامتنع حتى عن ترويج القصة أو الممثلين، وحث الجماهير على التواجد في الصالات لحضور الفيلم واكتشافه بأنفسهم، وسجل التاريخ ذلك كأحد أنجح وأذكى أساليب التسويق في عالم السينما.

في الوقت الذي أحدثت فيه سرية فيلم «كلوفرفيلد» ضجة قبل طرحه، كان هناك فيلم صغير يسمى «بارانورمال آكتفيتي» بدأ بعمل ضجة شبه موازية في دوائر مهرجانات الأفلام، وكما كان «بلير ويتش بروجيكت» يتلاعب بعامل ادعاء واقعية أحداثه فإن «بارانورمال آكتفيتي» دفع باتجاه تعريف نفسه كأحد أكثر التجارب رعباً داخل صالات السينما.

«بارانورمال آكتفيتي» تم تصويره عام 2007 في 10 أيام بميزانية بلغت 15 ألف دولار، وعند عرضه في مهرجان «سلامدانس السينمائي» أحدث ضجة، ما دفع إلى عرضه بشكل محدود في دور السينما الليلية فقط في المدن الصغرى. قرر الاستوديو (باراماونت)، بعد ذلك، التعاون مع شركة متخصصة في الترويج للحفلات لصنع حملة تسويقية له. كانت الحملة عبارة عن سؤال من الشركة للجمهور عن طريق «تويتر» إن كانوا يريدون مشاهدة الفيلم في الصالات الكبرى والمدن الرئيسة في الولايات المتحدة، فجاءت الإجابة بنعم من مليون شخص متحمس، فقررت الشركة عرضه في 160 صالة، ما حقق أرباحاً بلغت 7.9 ملايين دولار في إجازة نهاية الأسبوع، ما حطم الرقم القياسي كأعلى فيلم يحقق أرباحاً يعرض في أقل من 200 صالة. وإجمالاً، حقق الفيلم أرباحاً فاقت 193 مليون دولار، وكل ذلك بسبب الحملة الشهيرة على الإنترنت باسم «Tweet your scream» أي «غرّد بصرختك».

وفي نهاية المطاف حققت الأفلام الثلاثة (بلير ويتش بروجيكت وكلوفرفيلد وبارانورمال آكتفيتي، أصبحت ثلاث سلسلات في ما بعد) أرباحاً فاقت توقعات أكثر المتفائلين حيالها رغم اختلاف أساليب التسويق، لكنها كلها عبر الوسط نفسه: الإنترنت.

سرية

ما سبق يعيدنا إلى «بلير ويتش 2016»: فيلم وظف أساليب تسويق تقليدية وعبر الإنترنت، كما فعل الجزء السابق، وكذلك أحدث ضجة في مهرجانات الأفلام، كما فعل «بارانورمال آكتفيتي»، وفوق كل هذا حافظ على مستوى من السرية، كما فعل كلوفرفيلد، وذلك بتسويقه كفيلم رعب أصلي بعنوان The Woods أو الأدغال، قبل الكشف عن هويته الحقيقية بعد عرضه في مؤتمر سان دييغو للكومكس هذا العام.

المثير للاهتمام أن طرح فيلم 10 «كلوفرفيلد لين» هذا العام (الجزء الثاني من كلوفرفيلد، وليس ضمن صنف أفلام لقطات تم العثور عليها) أحيطت به سرية تامة لم ترفع إلا قبل عرضه بشهرين. السؤال هنا هو بعد أن لعب «بلير ويتش بروجيكت» على عامل ادعاء الواقعية من أجل جذب الانتباه، فهل ستتمكن الأفلام المقبلة في المستقبل من اتباع الخطى نفسها؟ إجابة مبدئية: نعم ممكن، لكن سيكون صعباً للغاية. السبب هو انتشار نظريات تدّعي أن شركة «باد روبوت» المنتجة لفيلم «كلوفرفيلد» تحضّر الآن لصنع فيلم خيال علمي أصلي بعنوان (جسيم أولي) هو في الحقيقة الجزء الثالث من كلوفرفيلد لكنه متخفٍّ وراء ذلك العنوان.

لكن لطالما تعرضت أفلام صنف «لقطات تم العثور عليها» لانتقادات، كون هذا الصنف محدود جداً بأسلوب واحد لا يستطيع تغييره. وهو ما دفع أفلاماً أخرى لمحاولة الخلط بين اتجاهين فرعيين من سينما الرعب في محاولة منها لإضافة بعد جديد عليه. فمثلاً تم استخدام تسجيل فيديو قديم كجزء من السيناريو في فيلم The Quiet Ones. أفلام أخرى من الصنف ذاته وظفت التقنية الحديثة كأن يتم تفريغ الفيلم من كاميرات مراقبة أو كاميرا آيفون أو حتى كاميرا الكمبيوتر، كما شاهدنا في بارانورمال آكتفيتي 4 وأنفريندد، وكلها محاولات لإضافة بعض التغيير ليس إلا.

بلير ويتش 2016 اتبع المعادلة نفسها بإدخال تقنية حديثة: أجهزة تسجيل صوتية، طائرة دون طيار، وغيرها ضمن السيناريو، لكن رغم ذلك لم يتمكن من تجنب الانتقادات أن تلك التقنية لم تسهم إطلاقاً في تطوير الفكرة أو إضافة أي جديد، بل حتى فشلت في التغلب على ساحرة! بالتالي فإن الفيلم لايزال متهماً بمحدودية الفكرة وضحالة مادته لتحقيق الوفاء التام للفكرة الأصلية، التي يعتبر المخرج آدم وينغارد أحد أشد المعجبين بها. كل ما حصل عليه الجمهور من خارج دائرة عشاق الفيلم الأصلي هو لقطات مهزوزة لم تمكنهم حتى من رؤية شكل الساحرة بوضوح، رغم أن أجهزة التصوير المستخدمة حديثة جداً.

محاولات

رغم أن صنف «لقطات تم العثور عليها أو المكتشفة» مرتبط بشكل كبير بسينما الرعب إلا أنه كانت هناك محاولات لدمجه مع أصناف أخرى خارج سينما الرعب، خصوصاً في العقد الماضي عندما شاهدنا فيلماً من هذه النوعية عن أناس يكتسبون قوى خارقة، مثل «كرونيكل» أو أفلام مراهقين «بروجيكت إكس» أو أفلام شرطة، مثل The End of Watch - «نهاية المناوبة»، أو حتى أفلام خيال علمي للأطفال تحاكي نظيراتها في الثمانينات، مثل Earth to Echo.

بنظرة متفحصة إلى كل هذه الأفلام، نلاحظ أن بعضها صنع بهذه الطريقة لأسباب تتعلق بقصته مباشرة، مثل أنفريندد (عن التنمّر عبر الإنترنت)، لكن الأفلام الأخرى تميل إلى استغلال مزايا الصنف لتضمن صناعته في حدود ميزانية منخفضة، بينما كان بالإمكان أن تصنع بالطريقة التقليدية مثل As Above, so below.

بالمقارنة، «بلير ويتش» يوظف الأسلوب كإشارة للفيلم الأصلي، كونه يتفرع منه، لكنه يتطلع إلى الظهور بصورة منقحة أو نقية أكثر من الفيلم الأصلي، وربما أكثر مما تتطلبه معايير الصنف، لكن السؤال هل يطور ذلك من مادة العمل؟

المخرج آدم وينغارد وكاتبه المفضل سايمون باريت لهما تاريخ مشترك في تطوير الأفلام بمزج القديم بأفكار مبتكرة، مع إضافة عناصر صادمة ممثلة بقلب قيم سياسية أو مجتمعية، وشاهدنا ذلك من خلال فيلميهما You’re Next أو «أنت التالي» وThe Guest أو الضيف، وهذا الأخير خير تجسيد لهذا الوصف.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

وينغارد وباريت لا يفعلان الشيء نفسه تماماً مع «بلير ويتش»، حيث إنه لا يحمل سمات أفلام قديمة، كما الفيلمان المذكوران آنفاً، بل هو يبني مباشرة على الأساس الذي تركه الفيلم الأصلي والأفلام اللاحقة المتأثرة به من جميع النواحي: من الأسلوب وانتهاء بعملية تسويقه، لكن رغم ذلك فإن «بلير ويتش» ينتهي دون التلميح أو إضافة جديد أو على الأقل الإشارة إلى ما هو التالي.

تويتر