يفتقر إلى المنطق.. ويعاني مشكلات في التفاصيل

«ديموليشن» يهدم نفسه.. ويغرق في الفوضى

صورة

خلال الدقيقة الأولى من فيلم «ديموليشن» (هدم)، نلتقي بطل الفيلم ديفيس ميتشيل (جيك ييلنهيله)، الجالس إلى جانب زوجته جوليا (هيذر ليند)، التي تقود سيارة، ويتجاذبان أطراف الحديث. نراها غير مركزة في القيادة، وتنظر إلى زوجها فترات تصل إلى أربع أو خمس ثوانٍ، نعلم تماماً ما سيحدث لأنه حدث ربما 100 مرة في تاريخ السينما؛ وبالفعل يقع حادث، وننتقل إلى المستشفى.

المشكلة ليست في البداية الضعيفة فقط، بل تمتد بتفاوت إلى آخر الفيلم، إذ نلاحظ أن ديفيس لديه مشكلة، لكن لا نعرف طبيعتها بالضبط، والأضعف من ذلك أن الفيلم ينتهي دون أن يترك اهتماماً لدى المشاهد.

نرى فيل (كريس كوبر)، والد جوليا، يبلغ ميتشيل بوفاة زوجته، لا نرى اهتماماً لدى الأخير بوفاة زوجته، لكنه يتوجه بكل بساطة إلى آلة بيع الشوكولاتة ليشتري كيس حبات «إم آند إم» (رغم تلقيه خبر وفاة زوجته قبل قليل!)، ثم يواجه ميتشيل مشكلة مع الآلة، إذ يعلق الكيس فيها فيذهب ليشكو عند موظف الاستقبال، الذي يخبره بأن الآلة من اختصاص شركة خارجية وليس المستشفى، فيقرر ميتشيل أن يكتب رسالة شكوى إلى الشركة.

• المشكلة ليست في البداية الضعيفة فقط، بل تمتد بتفاوت إلى آخر الفيلم، إذ نلاحظ أن ديفيس لديه مشكلة، لكن لا نعرف طبيعتها بالضبط، والأضعف من ذلك أن الفيلم ينتهي دون أن يترك اهتماماً لدى المشاهد.


نكهة أوروبية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/04/474244.jpg

فنياً، الفيلم يحوي نكهة سينما أوروبية، أو أقرب إلى الأفلام المستقلة، من خلال اهتزازات الكاميرا الشديدة إلى درجة من المستحيل معها تجاهل ذلك، حتى في اللقطات التي من المفترض أن تكون ساكنة (لقطة ميتشيل مستلقياً في سرير)، نلاحظ اهتزازاً مزعجاً.

هذا النوع من الأفلام من المفترض أن يغمس المشاهد في عقل الشخصية، لكن «ديموليشن» يغمس المشاهد في فوضى عارمة.

يأتي ميتشيل بورقة، ويمسك قلماً، ويبدأ في كتابة رسالة تجاوز فيها موضوع الشكوى، وقرر سرد قصة حياته! ونعلم من خلال القصة كيف تعرف إلى زوجته، ثم حصل على وظيفته في مصرف استثمارات، لأن والد زوجته يدير المصرف، ويريد أن يحضر ميتشيل لتولي المهمة من بعده.

ويستمر ميتشيل في سرد قصة حياته (في رسالة الشكوى إلى شركة آلة بيع الشوكولاتة!) فيخبرهم عن زوجته الراحلة جوليا اللطيفة الرائعة التي اهتمت به، وعن وظيفتها في رعاية الأطفال ذوي الإعاقة.

يرسل ميتشيل الرسالة، ثم يقرر إرسال أخرى دون انتظار الرد، ويكمل سرد قصته فيخبرنا (وكذلك شركة آلة بيع الشوكولاته) بأنه لم يحب زوجته، ولم يشعر بأي شيء عندما تلقى خبر وفاتها.

على الجهة الأخرى، لدينا كيرين مورينو (ناعومي واتس)، موظفة الشركة التي تلقت رسائل ميتشيل وقرأتها، ثم تأثرت وبكت، وقررت أن تلاحقه وتراقبه، قبل أن يكتشف الأخير ذلك، ثم تنشأ علاقة صداقة بينهما.

وعندما تتعمق العلاقة بينهما، يتعرف ميتشيل إلى كريس ابن كيرين (جودا لويس)، فيصبحان صديقين في قصة تتفرع من القصة الرئيسة للفيلم. بعد ذلك نرى الفيلم ينتقل بين ثلاث قصص: الأولى تتناول علاقة ميتشيل بعائلة زوجته المتوفاة وكيف أصبحت جافة، والثانية الصداقة بين ميتشيل وكيرين، والثالثة فرعية تتناول كذلك الصداقة بين ميتشيل وكريس.

لدينا هنا فيلم بشخصية مركزية معقّدة وقصة ضعيفة مشتتة مليئة بالثغرات. بداية دعونا نفترض أن ميتشيل كان سجيناً في زواجه مع جوليا، وأنه فعلاً لم يكن يحبها لكنه استمر في زواجه بسبب مصالحه مع عائلتها، ثم حررته وفاتها والآن هو يستطيع الاستمرار في المصرف والارتباط بأخرى لو أراد، لكن مشكلة هذه الفرضية أن المخرج جان مارك فالي (أخرج الفيلم الجميل Dallas Buyers Club عام 2013)، ينسفها بمشاهد «فلاش باك» من خيال ميتشيل مع زوجته، فنظن أنه يحبها رغم أنه اعترف في رسالة الشكوى بعكس ذلك.

لدينا مشكلة ثانية، ميتشيل شاب في القرن 21، فما الذي يجعله يكتب رسالته بطريقة بدائية (ورقة وقلم)، ويرسلها إلى صندوق بريد الشركة، رغم أننا نراه ممسكاً بجهاز «آي فون» في يديه، ونحن نعلم أن الجهاز غالباً متصل بشبكة الإنترنت! ربما تكون الإجابة أن الرجل انفصل عن الواقع عند تلقيه خبر وفاة زوجته، لكن لا دليل يشير إلى ذلك لأنه اعترف بأنه لا يحبها، واتجه إلى آلة بيع الشوكولاتة في سلوك يعكس لا مبالاته!

دعونا نرسخ فرضية انفصاله عن الواقع، لعلنا نفهم دوافع هذه الشخصية، لكن المخرج يأتينا بمشهد آخر لميتشيل جالساً في مكتبه، يبحث عن صورة لكيرين في محرك البحث «غوغل»! ألم يكن منطقياً من البداية أن يأخذ ميتشيل اسم الشركة ثم يراسلها بعد ذلك بالبريد الإلكتروني! إذاً ميتشيل ليس منفصلاً عن الواقع، لكن إرسال الرسائل بطريقة بدائية لا معنى له، وأيضاً سرد قصة حياته في الرسائل غير واقعي.

لدينا مشكلة ثالثة، في أحد المشاهد يقرر ميتشيل شراء مطرقة، ثم يذهب إلى منزله بصحبة كريس ابن كيرين، ويشرعان في تحطيم الأثاث! المشكلة أن المنزل يقع في حي هادئ، ومن المستحيل ألا يلاحظ أحد، أو ألا يسمع أحد أصوات التحطيم!

ولدينا أيضاً مشكلة رابعة، بعد مشهد التحطيم يقول ميتشيل إنه اشترى «بولدوزر» من موقع e-bay الإلكتروني! ثم يصل «البولدوزر» إلى موقع البيت (نستغرب استخدام ميتشيل المركبة دون المرور في إجراءات التسجيل لدى إدارة المرور)، ويقودها ميتشيل ويحطم منزله دون أن يلفت انتباه أحد في ذلك الحي الهادئ!

ولدينا مشكلة خامسة، كيف استطاع ميتشيل قيادة «البولدوزر» دون دروس تعليم، ومن المعروف أن قيادته تختلف عن قيادة السيارات؟!

وهناك مشكلة سادسة، أين الشرطة؟.. وأخرى سابعة، ألا يحتاج الهدم إلى تصريح؟ وثامنة، المشاهد لا يعلم شيئاً عن خلفية ميتشيل نفسه؛ وبالتالي لا يفهم دوافع تصرفاته.. وتاسعة، ميتشيل يعود لاستخدام منزله بصورة طبيعية مستخدماً الكهرباء والماء، رغم أنه حطم جزءاً كبيراً منه!

أحياناً يكون من السهل التغاضي عن كل هذه التفاصيل أو المشكلات، لو كان الفيلم جيداً لكن «ديموليشن» حالة فريدة من نوعها، شخصية جيدة يؤديها ممثل شاب قوي مقتدر، أثبت نفسه في أدوار أصعب من هذا مثل Nightcrawler وEnemy، لكنها تدور في قصة ضعيفة جداً، وبالتالي ظهرت مشتتة تائهة.

تويتر