فيلم للمخرجة هالة خليل عن ثورة 25 يناير المصرية

«نوّارة».. يرصد حياة فقيرة بيـــن زمانين

حصلت الفنانة منة شلبي بطلة فيلم «نواّرة» على جائزة أفضل ممثلة في الدورة 12 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، إذ شارك فيلم المخرجة هالة خليل، في عرضه الأول، في مسابقة المهر للأفلام الطويلة بالمهرجان. ويتناول حياة فتاة فقيرة بين زمانين، ما قبل ثورة 25 يناير المصرية وما بعدها، ويرصد التحولات الاجتماعية والنفسية التي تمر بها. ويجمع في بطولته محمود حميدة وشيرين رضا وأمير صلاح الدين ورجاء حسين وأحمد راتب، وهو التعاون الفني الثاني بين منة شلبي والمخرجة، بعد فيلم «أحلى الأوقات» عام 2004.

وتصور أحداث الفيلم الذي أنتجته شركة «ريد ستار» وكتبته المخرجه نفسها، قصة الفتاة نوّارة التي تعيش في أكثر المناطق فقراً في القاهرة، التي يسميها المصريون «العشوائيات». وتنتظر الفتاة المخطوبة قبل أربع سنوات بفارغ الصبر لحظة زفافها، ليجمعها مع حبيبها بيت واحد.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تدور أحداث الفيلم في فترة الثورة المصرية عام 2011، ويرصد حياة نوّارة التي تعمل خادمة في أحد البيوت ضمن مجمع سكني مغلق «كومباوند»، تمثل أحلام وطموحات الطبقة الفقيرة التي تنتمي إليها، خصوصاً بعد إسقاط حكم محمد حسني مبارك، وكيف عاش الأمل بين الفقراء وهم يتابعون نشرات الأخبار، ويزغردون على كل خبر له علاقة بالقبض على متهم بالفساد وتجميد أمواله، لأنهم صدقوا الإعلام عندما كان يؤكد لهم أن كل هذه الأموال سيتم توزيعها عليهم.

في المقابل، ترصد كاميرا هالة خليل، وبعيداً عن العشوائيات، يوميات نوارة، لكن في منطقة الأغنياء، وعلاقتها مع أصحاب المنزل الذي تعمل فيه خادمة، والتوتر الذي يعيشونه بسبب سقوط مبارك، لكن توترهم من نوع مختلف لارتباط مصالحهم بالحكم السابق، كما أنهم باتوا من الملاحقين أمنياً لمعرفة مصادر ثرواتهم.

الفيلم يصوّر حياة طبقتين اجتماعيتين وعلاقتهما مع الثورة المصرية، والطرف المشترك بينهما هو يوميات نوارة التي تسير كل يوم في رحلة بين الطرقات الوعرة إلى مستشفى حكومي، لتطمئن على حماها الذي يرقد على الأرض لعدم توافر سرير له في المستشفى.

تجلس نوارة خلف خطيبها على دراجته النارية البسيطة، يسرقان بضع مداعبات وابتسامات عابرة، إلى أن تصل إلى بوابة منزل العائلة التي تخدم عندها.

وينتقل الفيلم إلى منحى مختلف لرصد مشاعر متناقضة، بين الفقراء الحالمين بتحسن حالهم، والأغنياء المرتبطين بمصالح مع الحكم السابق.

في مشهد جمع نوارة أمام صاحب المنزل الذي سألها عن رأيها في الثورة، فأجابته «إحنا شلنا مبارك، طلعنا كبار قوي»، وأشارت إلى أنها لم تنزل إلى ميدان التحرير إلا عند الاعلان عن إسقاط حكم مبارك.

وفي مشهد آخر، وضمن يومياتها وقبل الوصول إلى المنزل الذي تخدم فيه، تتعطل حركة السير بسبب مظاهرة جديدة تطالب بإطاحة الفاسدين، فتنزل نوارة من الحافلة، وتطلب من متظاهرين أن يفسحوا الطريق لمرور الحافلة، فتقف أمامها متظاهرة وتقول لها بنبرة استعلائية «إحنا عاملين المظاهرة دي عشانكم وعشان تقدروا تعيشوا».

قصة الفيلم التي كتبتها المخرجة نفسها ذكية، لكن تناول الفيلم من الناحية البصرية وتسلسل الأحداث لم يكن متماسكاً، ودرجة فهم المبتغى منه لم تظهر إلا بنهايته. وهذا النوع من إدارة الأفلام قد يضع المتلقي في حيرة من أمره، خصوصاً أن الحكاية ترصد يوميات بكل تفاصيلها. وتظل الكاميرا ترصد كل الحكايات كي تصل إلى النهاية.

في فيلم «نوارة» استطاعت الفنانة منة شلبي تقديم شخصية مختلفة عما قدمته سابقاً، ولم يكن حصولها على جائزة أفضل ممثلة مفاجأة، إذ ظهرت في الفيلم بشكل ناضج، وأبدعت في التعامل مع شخصيتها بشكل واضح، كونها تلعب دور الرابط الأساسي بين الشخصيات وبين الأماكن في الفيلم.

في المقابل ومع أن الدور كان بسيطاً، فإن الفنانة شيرين رضا استطاعت من خلال دورها التأكيد على خصوصيتها، والتي عادة ما تترك أثراً في المتلقي.

كما أبدع الفنان محمود حميدة الذي أدى دور الرجل الفاسد في الفيلم، وكان طوال الوقت يؤكد أنه سيعود لأن الكبار لا يصغرون، في إشارة الى أن ما حدث من إرهاصات الثورة، حسب تعبيره، ما هو إلا مرحلة مؤقتة، وأن كل شيء سيعود كما السابق.

تتواصل حكاية الفيلم وهو يصور منطقة العشوائيات التي تعيش فيها نوارة مع جدتها وتتشاركان مع الجيران حمّاماً واحداً وتلفازاً واحداً ومدخل باب واحداً. وكان الماء هاجس جدتها التي آمنت بالثورة.

وحول علاقة نوارة مع خطيبها، اختارت المخرجة هالة خليل أن يكون خطيب نوارة الممثل النوبي أمير صلاح الدين، فهي على ما يبدو أرادت إيصال فكرة التحول في الطبقات الفقيرة حتى قبل قيام الثورة، وأن الرابط المشترك بين البشر يلغي كثيراً من الحدود والعوائق.

الحدث الأهم في الفيلم يظهر في الربع النهائي منه بعد سلسلة أحداث غير مترابطة، فبعد أن قررت العائلة الغنية الهرب، تجبر صاحبة المنزل نوارة على البقاء في المنزل حتى عودتهم المنتظرة، حتى لا يعتقد الجيران أنهم هربوا، وتترك صاحبة المنزل مبلغاً من المال هدية لنوارة.

أصبحت نوارة تعيش في المنزل الكبير، وصار خطيبها يتردد عليها ليؤكد أن المجمع السكني لم يعد بمأمن، والدليل أنه يدخله دون أي عائق. وفي لحظة لها علاقة بحدث غير مجرى القصة كلها، يقرر الحبيبان الزواج الفعلي في ذلك المنزل الكبير، ويعيشان ساعات قليلة حياة لم تكن حتى بخيالهم. ومع وجود المبلغ الكبير، عاشت نوارة وخطيبها حلم الغد في توفير مسكن لهما، لكن لم يتوقعا أن يكون هذا المبلغ هو سبب هلاكهما، فقد دهم الأمن المنزل ووضع يده على الممتلكات، وعلى المبلغ الذي بحوزة نوارة التي باتت متهمة بسرقته.

الفيلم ببساطة يحكي أسباب قيام الثورة في مصر، وما آلت إليه، وأن الظلم وصل إلى حد عدم تصديق من آمنت بالثورة وهي نوارة بأنها لم تسرق المال، بل كان هدية من صاحبة المنزل التي أصبح هاتفها “لا يمكن الاتصال به”.

تويتر