الفيلم الثالث في المسيرة السينمائية لنجيب بلقاضي

«اللقيط».. الحب وسط كل هذا الحرمان

السلطة في «اللقيط» تحمل الكثير من الإسقاطات عن تونس وأقطار عربية عدة. من المصدر

ضمن مسابقة «آفاق جديدة» في الدورة السابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي، عرض، أول من أمس، فيلم المخرج التونسي نجيب بلقاضي «باستاردو» أو «اللقيط»، الذي يتناول جوانب عدة في النفس البشرية، خصوصاً إذا ما أصبحت صاحبة سلطة، هذه السلطة التي اسقط عليها بلقاضي الكثير مما يجري حالياً، ليس فقط في تونس بل في أقطار عربية عدة. الفيلم ومدته 108 دقائق من بطولة نخبة من الممثلين التونسيين.

تدور أحداث الفيلم حول الشخصية الرئيسة فيه (محسن) الذي وجد في سلة قمامة، يتبناه رجل طيب، ينتمي إلى مدينة أو بالأحرى إلى حارة شعبية فقيرة يسيطر عليها رجل وزوجته، يأخذ الإذن منهما للاحتفاظ بالطفل، لكن المرأة تصر على أن يقرن الى جانب اسم (محسن) كلمة «باستاردو» وتعني بالعربية اللقيط.

فيلم ثالث

في هذه المدينة العشوائية يبدأ بلقاضي في فيلمه الذي يعد الثالث في مسيرته السينمائية بعد فيلمه القصير «تصاور - 2005» وشريطه الوثائقي الطويل «كحلوشة» عام 2006، في تعريف المشاهد بالشخصيات الموجودة داخل كل هذا الفقر والحرمان، فبعد (محسن) وسائق التاكسي وخضرا وابنها المدلل المسيطر على كل موارد المدينة، على الرغم من حبه للأرنب الذي جعل (محسن) وهم صغار يوشمه على زنده، والفتاة التي تسكن الحشرات جسدها، حيث كانت حديث الصحافة وهي طفلة كمعجزة، وهذه الفتاة تحديدا هي التي تمثل الحقيقة المطلقة لمجتمع يسيطر عليه الجشع وحب السلطة في مشاهد عدة.

يكبر «محسن» وتنقل الكاميرا وهو يقصد العمل في مصنع أحذية، في ظل جريمة سرقة شهدها هذا المصنع، والشاهد الوحيد فيها هو (محسن) الذي لا يقبل الشهادة ضد المرأة التي تسكن قلبه، والتي استغلت حبه بأن قامت بسرقة مجموعة كبيرة من الأحذية جعلتها تفتح مشروعها الخاص، ومن أمام (محسن) الذي لاذ بالصمت حباً فيطرد من عمله.

يعود (محسن) إلى المنطقة العشوائية التي يعيش فيها، وكأنها دولة داخل دولة، تغلق بباب كبير، يفتح في حال اذا الساكن فيها يحمل سداد دينه عن ايجار أو خدمة من قبل المرأة الشريرة التي ظهرت في بداية الفيلم واسمها (خضرا).

يدخل محسن بوابة المدينة المليئة بالفقر والجوع وبعض الفرح المنوط بشخصية سائق التاكسي الحالم دوماً بتغيير الحال.

داخل هذه المدينة العشوائية يبدأ بلقاضي في فيلمه الذي يعد الثالث في مسيرته السينمائية بعد فيلمه القصير «تصاور - 2005» وشريطه الوثائقي الطويل «كحلوشة» عام 2006، في تعريف المشاهد بالشخصيات الموجودة داخل كل هذا الفقر والحرمان، فبعد (محسن) وسائق التاكسي وخضرا وابنها المدلل المسيطر على كل موارد المدينة، على الرغم من حبه للأرنب الذي جعل (محسن) وهم صغار يوشمه على زنده، والفتاة التي تسكن الحشرات جسدها، حيث كانت حديث الصحافة وهي طفلة كمعجزة، وهذه الفتاة تحديداً هي التي تمثل الحقيقة المطلقة لمجتمع يسيطر عليه الجشع وحب السلطة في مشاهد عدة.

الثورة هنا ليست الثورة التي بتنا نقرنها بما حدث في منطقتنا العربية منذ ثلاث سنوات وأكثر، بل الثورة في داخل المدينة بدأت من دون الابتعاد عن الاسقاط على الحال الذي نعيشه، بعد أن قرر سائق التاكسي و(محسن) أن يدخلا شبكة اتصالات خيلوية الى المدينة، بجهاز «جي إس إم» الذي يتحكم بقطع الاتصال وإعادته، وهنا بداية الحكاية.

(محسن) الذي أعطى فرصة للناس بأن تتكلم مع بعضها عبر أجهزة صغيرة الحجم، جعلتهم لا يكترثون فجأة بديكتاتورية خضرا وابنها، مهما علا صوتها وهي ذات الوجه القبيح والصوت الرجولي، مشهد يعتبر الأجمل، حيث لم يصبح (محسن) لقيطاً بل أصبح محقق الأحلام، ومنحه المقعد الذي لم يكن سوى ابن خضرا يجلس عليه، وهتافات ودعوات له بطول العمر.

(محسن) الطيب، وسائق التاكسي، حائران في هذا التقلب بالحال، واعدين نفسيهما بألا يتغيرا تجاه حب الناس، لكن كرسي السلطة يغير الكثير من النفوس، خصوصاً اذا كانت من النفوس المنبوذة يوماً ما.

يقتل سائق التاكسي من قبل ابن خضرا، ويظل (محسن) وحيدا غاضبا من عدم اكتراث الناس لهذه الجريمة خوفاً وخنوعاً لابن خضرا، الذي يظهر أمام العلن كشرس يستخدم كلابه على البشر، لكنه في الحقيقة يحمل قلب أرنب مثل الوشم على زنده، والقوة يستمدها من أمه خضرا فقط.

لم تستطع خضرا وولدها السيطرة على المدينة بعد دخول التكنولوجيا فيها، فلم تعد المدينة معزولة، حتى فتيات الليل في المدينة من خلال الهواتف النقالة امتد نشاطهن خارج الباب، من خلال رنة أو رسالة بالعنوان. في هذه الأثناء تنقلب حال (محسن) المشتاق إلى صديقه، والذي يظهر له كل يوم فوق السطح إلى جانب جهاز الإرسال الكبير، يحكي معه وينصحه، لكنّ ثمة شيئاً تغير في نفس (محسن)، الذي طردته الفتاة التي فقد عمله من أجلها من خلال موظفة عندها اهدته حذاء، هذه الفتاة هي الحلم الأكبر لمحسن، يريد الحصول عليها لذلك يحتاج إلى أن يكبر، وبالفعل يكبر وتزيد تجارته التي تحارب كل يوم من قبل خضرا وابنها من خلال تكسير محله ورش المياه على الأجهزة، لكن الحل يأتي من خلال فتاة الحشرات التي يقيم ابن خضرا علاقة سرية معها بعيداً عن عين خضرا، والتي تقوم بقتله لكنه لا يموت بل يصاب بغيبوبة.

فترة الموت السريري تتحول الى فترة الصحو مرة أخرى لابن خضرا، جعلت من (محسن) مسيطرا كاملا على المدينة، واصبح شرساً في تعامله مع الناس وجشعاً، حتى إن والده الذي تبناه ترك المنزل ورحل.

تستمر الأحداث وتكبر امبراطورية (محسن)، لكن هذا الشيء لم يعجب خضرا التي استعانت بقوة خارجية تمثلت بالحارة المجاورة.

تعود خضرا لتداوي ابنها الذي تريده أن يعود الى الحياة، وتقنعها جارتها بضرورة تحضير جلسة للأرواح، في تلك الأثناء يقرر (محسن) أن يضع ملصقا كبيرا لصورة محال مرجان وصاحبته تلك الفتاة التي ملكت قلبه ولم يستطع الوصول اليها، كل يوم يجلس وقد اصبح يلبس النظارات الطبية ويستند إلى عكاز على الرغم من صغر سنه، عجوز على بجسم شاب، لكن الثقل والتحولات والشخصية جعلته ينحني بينه وبين نفسه، وقطته التي لم تتحمل هي الأخرى تغيرات ربيبها فماتت وانتقلت الى السطح الى جانب سائق التاكسي.

وعند اقتراب نهاية المشهد يعود ابن خضرا إلى الحياة مرة أخرى، ويقرر قتل محسن صديق طفولته، بدعم من والدته، مع أنه يعلم أن فتاة الحشرات هي التي قتلته، يصرخ في الشارع حاملا سكينا ويصل الى بيت (محسن) الذي يكون ميتاً، يقترب منه ويحضنه ويبكي. لينتهي المشهد على (محسن) وسائق التاكسي والقطة يجلسون على حافة السور فوق السطوح ينظرون الى الملصق، وصورة الحبيبة ترتدي الحجاب.

 

تويتر