من أفلام صاحب «سايكو» ومهووسي جمع الكتب والمقتنيات المتعددة

اكتشاف فيلم صامت لهيتشكوك يعود إلى عام 1923

صورة

ما أن يرد ذكر المخرج الإنجليزي ألفريد هيتشكوك، حتى تتصاعد نسبة الإدرينالين، وتبدو الأجواء ملبّدة، وعلى أحد ما أن يكتشف شيئاً ما، وأن يحل ما يبدو عصياً على الحل، ولعل هذه الأسطر التي بدأت بها متأتية من خبر تداولته وسائل الإعلام عن اكتشاف فيلم لهذا المخرج يعود إلى عام 1923 وله أن يكون أول أفلامه، ومع قراءة الخبر تبدو الحمى «الهيتشكوكية» مغرية بالاستسلام لها، وإن كنا دائماً في صدد اخبار مماثلة، كما هي الحال مع فيلم لتشارلي شابلن اكتشف منذ شهر تقريباً، أو حتى قصة الاكشتافات المتوالية التي عشناها مع فيلم فريتز لانغ «ميتروبوليس» ،1927 وقد شاهدنا أكثر ما يمكن تجميعه من نسخته الأصلية في برلين العام الماضي، بعد رحلة طويلة وشاقة في تجميع المقاطع المحذوفة منه كونه تعرض للتقصير والحذف في كل مكان عرض فيه.

قصص اكتشاف أشياء مفقودة تصعد الحس البوليسي، فكيف الحال مع هيتشكوك؟ فأنا وبمجرد قراءة الخبر في جريدة «الغارديان» انتبت بشعور وهمي بأنني في صدد قصة مشوقة، وقد كنت مصراً على هذا الوهم، حتى وإن لم يكن ذلك صحيحاً، وأهمية الخبر الأولى والأخيرة هو الاكتشاف بحد ذاته، والذي يتمثل بفيلم صامت بعنوان «الظل الأبيض»، وله أن يكون أول أفلامه التي يروي فيها قصة أختين توأمين تلعب دورهما بيتي كومبسون، إذ إن الأولى خيّرة بينما الثانية شريرة، ولكم أن تقولوا كم هي مكررة هذه الميلودراما لكن ليس في عام .1923

اكتشف هذا الفيلم في نيوزيلندا في أرشيف الأفلام بنيوزيلندا، وذلك عبر رجل اسمه جاك مورتف كان عارض أفلام وجامعاً لأشياء كثيرة، وقد قام بإرسال مجموعة الشرائط التي لديه عام ،1989 وجاك هذا مهووس بالتجميع: طوابع وعملات وبطاقات، لتكون هذه الأخيرة من أكثر ما قام بتجميعها وتحديداً ما يعرف بـ «بطاقات السجائر» أي تلك البطاقات الصغيرة التي كانت تصدرها شركات السجائر لشخصيات ونجوم سينمائيين ورياضيين، التقليد الذي اتبع منذ عام 1883 في بريطانيا وأميركا، حيث إن البحث عن مهتمين بهذه الهواية سيضعنا أمام نتائج مذهلة على الإنترنت، ويرد في الخبر أن جاك كان يملك واحدة من أكبر مجموعات هذه البطاقات التي كان يزوره أناس كثر مهتمون بذلك من حول العالم.

أمام معالجة نسخة فيلم هيتشكوك والتي تضيء بدايات هذا المخرج، فإن غواية أن يكون الاكتشاف «هيتشكوكيا» مازالت واردة، بدءاً من شخصية من كان يقتني هذا الفيلم وصولاً إلى الأختين التوأمتين اللتين عليهما أن يكون تجسيداً لما على الدكتور جيكل والمستر هايد، وفي تتبع لذلك تصحو أفلام هيتشكوك الأكثر شهرة وفي مقدمها «سايكو»، والخرق الذي تحقق في ذلك الفيلم على صعيد السيناريو أولاً، حيث ليلى (فيرا مايلز) التي نمضي معها في بداية الفيلم بوصفها الشخصية الرئيسة في الفيلم سرعان ما تقتل، ويتحول الفيلم إلى نورمان (أنتوني باركنز) أي القاتل الذي يصبح شخصية الفيلم الرئيسة، وتصبح الأحداث متمركزة حوله وصولاً إلى النهاية، كما لو أن الضحية سلّمت الفيلم إلى قاتلها، وبالتالي انتقلنا من عالم الضحية التي تهرب وقد سرقت مبلغاً من المال إلى عالم نورمان القاتل المضطرب نفسياً.

في فيلم «الظل الأبيض» نحن حيال امر شبيه بـ«سايكو»، حيث هذا الفيلم عائد إلى مقتنيات جاك المتوفى، بيما حفيدته تحدثنا عنه، ونحن لا نعرف إلا خطاً عاماً بسيطاً يتمثل بمسألة التوأم، وإيغالاً أكثر في استعادة أفلام هيتشكوك في استغلال لهذا الخبر يصحو شعور بأننا حيال «نافذة خلفية» 1954 السابق لـ«سايكو» بست سنوات، حيث جيمس ستيورات مصور فوتغرافي رجله مصابة فهو لذلك جالس في بيته لا يستطيع الخروج، وبالنظر من نافذته يقع على جرائم قتل يشهدها البيت المقابل له، إلا أن يكتشف اللغز الذي يتحول إلى كذلك من جراء دهاء ذلك القاتل الذي يخفي كل شيء متعلق بالجريمة التي يشهدها ستيوارت، ونحن كذلك مع فيلم هيتشكوك المكتشف نريد نافذة خلفية للتعرف إلى محتواها، وعادة ما توفرها المهرجانات الكبرى في العالم، بحيث يصبح معروضاً لمن يتوق للتعرف أكثر إلى بدايات هذا المخرج العظيم.

في ملمح قريب من شخصية مكتشف فيلم هيتشكوك جاك مورتف استعيد هنا فيلماً تركياً بعنوان «من 10 حتى 11» للمخرجة بيلين أسمر، تناولت فيه شخصية شبيهة تماماً بمورتف، أي شخصية الذي تتحول حياته إلى هوس في جمع الأشياء، حيث نتعرف إلى رجل عجوز من الطبقة الوسطى تتمركز حياته حول جمع الكتب والمجلات والعملات والطوابع والانتيكات والساعات، لا بل إن التحرك في بيته يجب أن يكون مدروساً كونه يحتوي على أكداس من كل شيء، ولنكتشف أيضاً أن شخصية الفيلم حقيقية وليست إلا الجد الحقيقي للمخرجة، الأمر الذي سيبدو مقنعاً جداً، كوننا سنقع على مقتنيات استثنائية، وبيته الذي يشكل موقع التصوير لن يكون من الوارد أن يكون مؤسساً فقط لتصوير فيلم.

بعيداً عن الخط الدرامي الجميل الذي تخط أسمر لشخصيتها وعلاقته ببواب البناية التي يسكنها، فإن شخصيات جامعي الكتب أو التحف أو أي شيء من هذا القبيل لطالما كانت مثيرة للاهتمام مثلما هو على سبيل المثال القريب جداً: باللبناني عبده مرتضى الحسين، الذي جمع مكتبة شخصية تحتوي على مليون كتاب، والذي نقرأ في أكثر من مكان مناشدة ورثتـه للمؤسسات الثقافية لتولي أمر الحفاظ على هذه المكتبة المدهشة التي تحتوي على مخطوطات نادرة، وصولاً إلى شخصية عجيبة تحضرني الآن أختم بها خارجة من رواية «ليلة الوحي» للأميركي بول أوستر، إذ تكون أي هذه الشخصية مهووسـة بجمـع أدلة الهواتف، بمعنى أن لديه أول دليل هاتف صدر في نيويورك ولغاية تاريخه، وصولاً إلى جمعها من شتى أرجاء العالم، بحيث تكون لديه مكتبة لا شيء فيها إلا أدلة الهواتف.

تويتر