‏‏‏فيلم تتأسس بنيته على إملاءات أخلاقية مجردة

«الفرح».. «كباريه» الواقع الترفيهي‏

«الفرح» يستفيد من العشوائيات لعرض قصة واقعية. أرشيفية

‏‏«البلطجية» في كل مكان، إنها شريعة الغاب، والمال هو المتحكم في كل شيء، ومع هكذا معطيات يمسي التنقيب عن القيم كالتنقيب عن الذهب الأصفر والأسود، تنقيب له أن يخرج علينا بفيلم يعيد فيه المخرج المصري سامح عبدالعزيز وشريكه كاتب السيناريو أحمد عبدالله ما حققه في «كباريه» لنراه مجدداً في «الفرح» المعروض حالياً في دور العرض المحلية بالاعتماد في كلا الفيلمين على العنوان، بمعنى أن «الكباريه» التي كانت بؤرة الفيلم الدرامية وملتقى شخصيات الفيلم ستستبدل بـ«الفرح» هذه المرة، ليكون كما «الكباريه»، وكلا أحداث الفيلم ستقع في 24 ساعة، «هيصة» الكباريه ستنقلب إلى انفجار، بينما ينــقلب «الفرح» إلى مأتم، في الفيلم الأول يكتفي أحمد عبدالله بنهاية مآســـاوية مفتوحة على تدخلات أخلاقية تكتب النجاة للتائبين توبة نصوحة، بينما يكون «الفرح» بنهايتين، الأولى افتراضية والثانية يفترض أنها حقيقية، من دون أن يغيب البعد الأخلاقي والديني عن تقرير ذلك.

الكارثة الكبرى التي يقع فيها الفن تتمثل بتأسيس البنية وفق إملاءات أخلاقية مجردة، وتعقب ذلك على اعتباره الحق كل الحق، وخصوصاً إن كان الحديث عن واقعية ما، فسرعان ما ستكون في فيلم «الفرح» شكلاً من أشكال الزينة، بمعنى أن الواقع الفج والقاسي الذي يقدمه الفيلم ويتعقبه سيكون نقطة ارتكاز الفيلم الرئيسة على اعتباره خلفية أو ديكور تخرج منه كل الشخصيات مع فتح الباب على مصراعيه أمام الترفيه، بمعنى أن الواقع المصري في العشوائيات والأحياء الفقيرة أصبح مثل أفلام لا عد ولا حصر ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة، يأتي بمثابة مساحة مغرية لتقديم شخصيات فريدة وأخرى مضحكة وسلوك مسلٍ إلى حد بعيد، وعليه تمسي السينما الواقعية هنا واقعية في ذلك، وليأتي المحتوى على افتراق معها في العمق، إنه استثمار في البؤس وأخلاقياته، رصد له قد يدفع المشاهد البائس للتعايش معه بوصفه محتكم إلى جماليات تقوده إلى الاحتفاء به، إنه لا يرى بؤسه بقدر ما يرى المسلي في هذا البؤس.

قصة الفيلم ترتكز على «الفرح» الذي سيقيمه زينهم (خالد الصاوي)، الفرح وهمي فهو متزوج أصلاً وما يسعى إلى تحقيقه هو جمع «نقوط» يمكنه من شراء «ميكرو باص»، وعليه فإن الفرح سيكون فرصة لاسترداد قيمة ما دفعه زينهم من «نقوط» أفراح المدعوين، وعلى شيء يشبه مبدأ الجمعية التي يديرها حبشي (محمود الجندي)، وعليه فإن زينهم مضطر إلى استئجار كل شيء بما في ذلك العروس والعروسة، مع لوازم الحشيش والكحول وغيرها من لوازم تقدم فرحاً شعبياً لائقاً.

يترك ما تبقى من الفيلم للشخصيات التي سيجمعها هذا الفرح والتي لكل منها قصتها وما يؤرقها، وعليه تمسي مشكلات الشخصيات المتأتية من واقع لا يعرف الرحمة هي شاغل الفيلم بالمعنى التسطيحي لها، وبما يمنحنا ترفيها مختلطاً بالأغاني التي يصدح بها من يصدح، فعبدالله (ياسر جلال) وجميلة (جومانا مراد) العروس والعروسة الوهميين يعيشان كابوس «البكارة المفتقدة» ومأزق الحلال والحرام، مع أن علاقتهما «شرعية»، وعلى شيء من اختلاق مأزق مفتعل ينتهي بنهايتين كما كل شيء في الفيلم، الأولى أن عبدالله سيقول لها: أنت زوجتي ولينطحوا رؤوسهم في الحائط وهذا صحيح من البداية، والنهاية الثانية تكمن في إقدام الدكتور الذي من المفترض أنه سيعيد لها البكارة على محاولة الاعتداء عليها، وفي كلا الحالتين يبقى التمركز حول البكارة بكل الوصفات الأخلاقية الجاهزة، والانفعال المبالغ به لجميلة هو المهيمن، بينما مقدم الفرح العسلي (ماجد كدواني) الذي يرحب بالضيوف بـ«رئيس الجمهورية وقائد معركة عين جالوت» وغير ذلك، يعيش مأزقاً مع والده، وآخرين كثر بمن فيهم زينهم وعلاقته بأمه (كريمة مختارة) التي تمارس الوعظ على الراقصات مع أنها متواطئة مع الفرح أساساً القائم على الكذب، وصولاً إلى موتها الذي يشكل نقطة التصعيد الدرامي في الفيلم، والذي يقود مخرجه وكاتبه إلى نهايتين قد يشعر المشاهد بأنهما قائمتان تحت عنوان «رضى الأم»، ولكم أن تصدقوا أو ألا تصدقوا، إنه مربط الفرس في النهاية، بين أن يكمل زينهم الفرح أو أن يوقفه ويستجيب لموت أمه ويعطي الحزن حقه بما يليق بها، وعلى هذين الخيارين تتشعب نهاية الفيلم إلى نهايتين، الأولى حزينة ومآساوية والثانية سعيدة.

يمكن تصنيف كل شخصية بالفيلم بصفة، فسميرة (دنيا غانم) مسترجلة، لكنها تقع في الحب فتطرأ عليها بعض التعديلات، نوجه (سوسن بدر) راقصة على أهبة التوبة، صلاح وردة (صلاح عبدالله) مونولجست فاته الزمن ولعله الشخصية الأميز كونها تقول الكثير تحت تأثيرات المتغير في الزمن، وشوقي (حسن حسني) الضعيف المتمركز حول «الفياغرا» وزوجته الشابة بمجانية واضحة.

ينتهي الفيلم وينفض العرس الذي ينقلب إلى مأتم، كما في أفلام كثيرة، السيناريو والحوار كما «كباريه» مكتوبان بتقنية عالية، ويبقى المحتوى حجر عسرة كبيرة، كون الفيلم لن يتوانى عن تقديم محاكمات أخلاقية في الخفاء، ودائما بالاتكاء على الديني، كما هي نهاية «كباريه» الكارثية.

نهاية يمكن القول إن الواقع واقع، إما أن نتمرد عليه أو أن نتصالح معه، ولعل التصالح هو صيغة الفيلم الأكبر في تناغمه مع بنية ترفيهية، وهذا التصالح لا يتم إلا بالاتكاء على صيغ غيبية دينية، فمع رضى الأم لا حاجة للفقراء والتعساء لأن تتغير حياتهم!‏

تويتر