في يومه العالمي ..من وراء هذه الإبتسامة

الوجه المبتسم، أو ما يعرف بـ«هابي فيس»، أو «إيموشن سمايلي»، هو رمز تعبيري يمثل وجه إنسان مبتسم، سعيد وهادئ، اشتهر بلونه الأصفر وببساطة تكوينه، حيث إن العينين مرسومتان على شكل نقطتين، والفم على شكل نصف دائرة إلى الأعلى، كي يبدو ضاحكاً.

وقد استعمل الناس هذا الرمز، للتعبير عن مشاعر عدة، وتحول خلال سنوات قليلة إلى أيقونة عالمية، ترمز إلى السعادة والطاقة الإيجابية، كما أصبح مصطلحاً لغوياً رقمياً، يتداول - بشكل واسع - في مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي .

ويعود ابتكار الوجه الأصفر المبتسم إلى عام 1963 من القرن الماضي، عندما قامت إحدى شركات التأمين الأميركية في مقاطعة ووستر، بولاية ماساتشوستس الأميركية، بالاستحواذ على شركة أخرى، وتسببت هذه العملية الانتقالية في إصابة موظفي الشركة المستحوذ عليها بالإحباط والتوتر، والخوف من التسريح وتقليص حقوقهم، ما أثر في أدائهم وفي أرباح الشركة، الأمر الذي دفع بإدارة الشركة إلى البحث عن وسيلة، تساعدهم في حل هذه المشكلة، فتعاقدت مع مصمم الغرافيك هارفي روس بول، الذي كان يعمل فناناً حراً، وطلبت منه أن يصنع رمزاً وشعاراً بسيطاً، يتم وضعه على بطاقة الشركة، لرسم الابتسامة على وجوه الموظفين، ولتبديد مخاوفهم ورفع معنوياتهم. وخلال عشر دقائق، وعلى ورقة بيضاء، خطَّ بول دائرة تمثِل وجه الإنسان، ووضع مكان العينين نقطتين، وبدلاً من الفم وضع قوساً يتجه طرفاه إلى الأعلى، ليمثل فماً مبتسماً .

ولقد حقق هذه الوجه نجاحاً مذهلاً لهذا الشعار، إلا أن هارفي لم يطلب تسجيله كعلامة تجارية، أو كحقوق طبع خاصة به، ولم يكسب منه سوى 45 دولاراً أميركياً ثمن تصميمه فقط، وكذلك لم تحصل الشركة على أي أرباح من هذا التصميم، لأنها كانت تنشره على سبيل الدعاية فقط.

أرباح بملاين الدولارات

والتقط الأخوان برنارد موراي وبرنارد سباين في فيلادلفيا الفكرة، وكانا يمتلكان محلاً للهدايا، وكان السعي نحو السعادة اتجاهاً سائداً، لمجابهة مخلفات الحرب الأميركية على فيتنام - خلال فترة السبعينات - على أسر الجنود، ومعنوياتهم، فقام الأخوان باستغلال الوجه المبتسم، وأضافا إليه عبارة «ليكن يومك سعيداً»، ونجحت الفكرة بشكل غير متوقع، محققة مبيعات خيالية، لدرجة أنهم، في عام 1971، باعوا من هذه الأزرار 50 مليون قطعة، وصار هذا الوجه شعاراً عالمياً، وبدأ بالظهور على القمصان والقبعات والمغلفات والبطاقات البريدية وعلب الكبريت، حتى أن مكتب البريد الأميركي أصدر طابعاً يحمل هذا الرمز، حسب ماذكرته هيئة الاذاعة البريطانية «البي بي سي» وعلى الرغم من اعتراف الإخوان بحقوق ملكية

هارفي بول للشعار، وأنه من رسم الوجه الأصفر، فإنهما قاما بتوظيفه رسمياً والترويج له على المحطات التلفزيونية، على أنه ملك للشركة، دون تسجيل حقوقه لصالحها .

وفي عام 1972، قام الصحافي الفرنسي فرانكلين لوفراني بتسجيل الوجه الأصفر المبتسم كعلامة للاستخدام التجاري، وذلك بعد أن قام باستخدامها كأيقونة على صفحة خاصة، لنشر وترويج الأخبار الجيدة والإيجابية في جريدة «فرانس سوار» معنونة تحت شعار: «خصص جزءاً من وقتك، لكي تبتسم».

ولم يمضِ وقت طويل حتى حظي هذا الترويج بجاذبية، وقام بتأسيس علامة وشركة سمايلي، التي أصبحت واحدة من أفضل 150 شركة مانحة للتراخيص على مستوى العالم، ومسجلة في أكثر من 100 بلد، ونجح في إحداث طفرة في مجال البيع بالتجزئة، حيث تتجاوز أرباح الشركة أكثر من 200 مليون دولار سنوياً، كما تقوم ببيع أكثر من 13 مليون منتج سنوياً حول العالم.

وفي عام 1996، استلم نيكولا ابن فرانكلين لوفراني إدارة الشركة، وحولها إلى إمبراطورية، من خلال اقتحام مجال التكنولوجيا والتقنية، حيث بدأ في استخدام الوجه الأصفر كرمز تعبيري أكثر تطوراً، بتأسيس أول دليل مصطلحات تعبيرية للشعار بفئات مختلفة من الوجه الغاضب والمزاجي والمتعجب، وتم نشر هذه الرموز كملفات على الإنترنت، وتنزيلها على الهواتف المحمولة، ومواقع الدردشة، ومنصات التواصل الاجتماعي، على ما بات يعرف بـ«الإيموجي».وتستفيد الشركة من أرباح طائلة من بيع حقوق النشر والملكية لكبرى شركات الاتصالات ومواقع الإنترنت، التي تستخدم هذه الرموز .

ورغم حرص شركة سمايلي على تطبيق سياسة حقوق الملكية، فلم يعترف نيكولا فرانكلين بمجهود وملكية هارفي بول للوجه المبتسم، وأنكر ذلك، وأكد أن رمز الابتسامة بديهي، ولا يمكن أن ينسب لأي جهة، كما يزعم أن أول شعار مبتسم يرجع إلى حفريات عثر عليها في كهف فرنسي، تعود إلى 2500 قبل الميلاد .

ابتسامة العالم

لم يستفد هارفي روس بول من أموال الوجه الباسم، ولم يهتم بشهرته، وترك عمله في حقل الدعاية والإعلان، وعاد إلى الجيش الأميركي، ليمضي فيه أكثر من 30 سنة، حتى تقاعد برتبة كولونيل، وقرر إنشاء مؤسسة «ابتسامة العالم» الخيرية،وتوفي بول عام 2001م، بعد حياة حافلة اختصرت عظمتها في عشر دقائق، من صباح مشرق عام 1963 .

تويتر