المواهب الإماراتية والقطاعات الناشئة

بلا شك، أسهمت المزايا التي تقدمها الوظائف الحكومية في جذب عدد كبير من الشباب الإماراتيين، ممن يمتلكون مواهب إبداعية مميزة ومتعددة، وذلك بكل تأكيد يعتبر أمراً إيجابياً من ناحية أنّ هؤلاء الشباب سيسهمون في تطوير برامج العمل الحكومي، كونهم أكثر انفتاحاً على تبني نماذج العمل الجديدة. ولكن هناك مسألة غاية في الأهمية، ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وهي أن توجه هذه المواهب الطموحة نحو العمل في القطاع العام، من شأنه أن يفقد القطاعات الناشئة الأخرى فرصة الاستفادة من الإمكانات والأفكار المبدعة، التي أثبت من خلالها شباب الإمارات قدراتهم على صنع الفارق.

وفي الوقت الذي يشهد فيه مجال التوظيف عبر قطاعات الأعمال في دولة الإمارات تطورات عديدة، يبرز قطاع الخدمات والعمليات الإبداعية على وجه الخصوص، ليكون حاضنة للمواهب الشابة، وبديلاً يمكن من خلاله إحداث التغيير المطلوب.

وباعتبارها قد انضمّت حديثاً إلى شبكة «اليونيسكو» للمدن العالمية المبدعة، باتت دبي أول مدينة مبدعة في التصميم على مستوى الشرق الأوسط، ما يمثل دليلاً على رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي أكد مراراً على أهمية تعزيز نمو قطاعات متنوعة، مثل قطاع التصميم وغيره، لتشجيع الإبداع والابتكار وخلق فرص نمو جديدة، من خلال إشراك المواهب الشابة.

والسؤال هنا، ماذا لو كان لدينا منظومة إماراتية متكاملة من المصممين والفنانين والحرفيين والمصورين وصانعي الأفلام في خضم هذا الاقتصاد الإبداعي المزدهر؟ الجواب بكل تأكيد هو أننا سنشهد مزيداً من التقدم عبر كل المجالات، وترسيخاً لمكانة دولة الإمارات على الخريطة العالمية كعاصمة للإبداع والابتكار. ويمكن أن تلعب مشاركة المواهب الإماراتية دوراً محورياً في دفع عجلة القطاع الإبداعي، خصوصاً أن هذا القطاع مهيأ تماماً لمزيد من الازدهار، إلى جانب كونه قابلاً لاستيعاب المزيد من الأفكار الملهمة. ومن شأن تمكين الإماراتيين في المجال الإبداعي أن يسهم في تحسين بيئات العمل المستقبلية، وتغيير نماذج الأعمال التقليدية عبر القطاعات بشكل كامل. وتعتبر مشاركة المواهب الإماراتية المبدعة من فنانين وغيرهم في المعارض الفنية العالمية الشهيرة، مثالاً واضحاً على الإمكانات الهائلة التي يمتلكها أبناء الإمارات.

وأسهمت المؤسسات والمراكز الفنية ومبادرات ومناهج ونوادي التصميم والفنون المعاصرة، مثل مركز «تشكيل»، و«حي دبي للتصميم»، و«السركال أفينيو» على سبيل المثال، في إتاحة المجال نحو دخول كوكبة من المبدعين الإماراتيين في المجالات الإبداعية، إلى جانب مساهمتها في صقل مهارات العديد من المواهب المحلية.

وفي حين أن إدارة القطاع الحكومي تتطلب وجود إماراتيين أكفاء يسهمون في تحقيق رؤية القيادة الإماراتية نحو تأسيس اقتصاد متنوّع قائم على المعرفة، فإن تحقيق التوازن في رأس المال البشري يُعدّ أمراً مهماً وحاسماً، إذا ما أردنا ضمان منظومة متكاملة ومتميزة من المواهب الإماراتية، عبر جميع المجالات والقطاعات الحيوية.

وكان الوالد المؤسّس لدولة الإمارات، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، مؤمناً بقدرات أبناء الإمارات، ومدركاً أنهم يمثلون حجر الزاوية في تحقيق الازدهار والتقدم المستقبلي، حيث أكد في أحد أقواله الخالدة على مر العصور «بغض النظر عن عدد المباني والمؤسسات والمدارس والمستشفيات التي نبنيها، أو عدد الجسور التي نشيّدها، تبقى كل هذه المنشآت مادية. أما الروح الحقيقية التي تكمن وراء التقدم فهي الروح البشرية، المتمثلة في الرجل القدير بذكائه وقدراته».

ودورنا الآن يكمن في تحويل كلمات هذه الرسالة المؤثرة والحكيمة إلى واقع ملموس، من خلال منح الإماراتيين المبدعين والمبتكرين فرصاً مهنية متنوعة، يمكنهم من خلالها التعبير عن إمكاناتهم الهائلة، والتحلي بمسؤوليتهم تجاه المجتمع والأجيال القادمة، وقيادة قطاعات الأعمال في المستقبل. وعلى قادة الشركات الإماراتية العاملة في القطاع الخاص العمل أيضاً على وضع استراتيجيات فعّالة لاستقطاب المواهب المبدعة، وتمكينها من تحدي فرص العمل التقليدية، إلى جانب منح أبناء الإمارات أدواراً وظيفية مميزة، تساعدهم على اكتساب الشباب الثقة، لكي يبدعوا ويسهموا في قيادة سفينة الإمارات إلى بر الريادة والازدهار.

- قطاع الخدمات والعمليات الإبداعية حاضنة للمواهب الشابة.

النائب التنفيذي للرئيس للإعلام والاتصال المؤسسي «دو»

 

تويتر