الكساد يمكن أن يغير نمط الحياة

بدأت آثار الأزمة الاقتصادية على الحياة الاجتماعية تتضح، وذلك مع تزايد أعداد المسرحين من وظائفهم ووصول حجم خطط الإنقاذ إلى مليارات الدولارات، والسؤال الأهم في هذه الأيام ما الذي يمكننا عمله حالياً لتجنب آثار الأزمة؟ ولكن هناك أسئلة أخرى أشمل وتتعلق بمدى تأثر نمط حياتنا بالأزمة الحالية تحتاج إلى إجابة.

يؤثر الكساد في العادات الثقافية والاجتماعية، ولكن الآثار الاجتماعية للأزمات الكبرى تكون أكثر عمقاً. وقد اعتبرت مرحلة الكساد العظيم على سبيل المثال حقبة ذات طابع ثقافي واجتماعي خاص، ويتوقع المحللون أن تكون للأزمة الحالية آثار على العديد من جوانب حياتنا، بدءاً من الترفيه وانتهاءً بالصحة.

ففي الترفيه على سبيل المثال، أظهرت العديد من الدراسات أن ظروف العمل الصعبة تؤدي إلى زيادة إنفاق الأشخاص على تطوير مهاراتهم والتسلية المنخفضة الثمن. وخلال الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي انتشرت عادات ترفيه بسيطة مثل الاستماع إلى المذياع والألعاب الورقية البسيطة، واستمرت هذه العادات حتى فترة الخمسينات.

وخلال الأزمة الحالية، من المتوقع أن يتجه الجميع إلى النشاطات الأقل تكلفة، وربما يتحول هذا الاتجاه إلى عادة تستمر سنوات عديدة. وقد تتمثل هذه التغييرات بالاستمتاع بشكل أكبر بالمحتويات المجانية للانترنت أو العودة إلى هواية المشي بدل العطلات التي تكلف كثيراً.

وفي الكساد، يعاني الفقراء أكثر من غيرهم، ولكن اجتماعياً قد يكون الأثرياء هم الخاسر الأكبر في هذه الأزمة. حيث انخفض الانفاق الاستهلاكي للأثرياء وأصحاب الدخول المرتفعة خلال الأزمة الحالية إلى مستويات قياسية.

وقد تم توثيق هذا التحول في دراسة لأستاذي الاقتصاد في جامعة نورث ويسترن جونثان باركر وفيزينغ جيرغنسون ورد فيها أن «الأثرياء الذين استثمروا أموالاً طائلة في العقارات والأسهم تحملوا خسائر باهظة، ولكن الأسوء هو الانخفاض الكبير في عدد الموظفين من أصحاب الدخول المرتفعة، خصوصا في القطاع المالي».

وفي هذا السياق سنلاحظ انخفاض الإقبال على المطاعم الفاخرة على سبيل المثال وزيادة الاقبال على المكتبات العامة، وستكون الآثار المشابهة واضحة خلال الأزمة الحالية.

أما على صعيد الصحة، فقد تشهد معدلات الصحة تحسناً ملحوظاً خلال الأزمة في الولايات المتحدة ومجموعة من الدول المتقدمة، نظراً لانخفاض ضغوط العمل وانخفاض عدد الرحلات بالسيارة وبالتالي انخفاض معدلات الحوادث والانفاق على الكحول والتبغ. إضافة إلى إمكانية توافر المزيد من الوقت للتمرين والنوم وتناول الطعام المنزلي بدل مطاعم الوجبات السريعة.

وفي دراسة أجريت عام 2003 قال الخبير الاقتصادي في جامعة نورث كارولاينا كريستوفر روم إن «معدلات الوفاة تنخفض إذا ارتفعت معدلات البطالة»، ووجد أنه «في الولايات المتحدة تنخفض معدلات الوفاة بنحو 0.5٪».

أما ديفيد بوتس الذي درس تاريخ استراليا خلال الثلاثينات، فقد وجد أن «معدلات الانتحار ارتفعت بحدة خلال الثلاثينات، أما معدلات الصحة بشكل عام فقد تحسنت بشكل ملحوظ وانخفضت معدلات الوفاة الطبيعية».

ولكنه وجد خلال مقابلاته أن «العديد من الأشخاص لديهم ذكريات جميلة عن فترات الكساد»، إلا أننا يجب ألا نقفز إلى النتائج ونعتقد أن هذه الفترات ستكون طبيعية.

ويرى الطبيب النفسي في جامعة هارفرد دانيل غيلبرت أن «العديدين يمتلكون ذكريات خيالية عن هذه الفترات، على الرغم من أنها كانت متعبة جداً وعانوا فيها من الفقر والحروب». وفي هذه الأيام، نحن نعاني من الخوف والترقب لتتحول فيما بعد إلى ذكريات مهمة في حياتنا المستقبلية.

ولكن الكساد يعني صعود جيل أكثر حذراً، ويقول البروفيسوران ألريك مالميندر من جامعة كاليفورنيا بيركلي وستيفان ناغل من كلية ستانفورد للأعمال في دراسة لهما نشرت عام 2007 إن «الجيل الذي يعيش خلال فترة انخفاض عوائد الأسهم يتخذ عادة قرارات أكثر حذراً في الاستثمار حتى في عقود لاحقة»، كما وجدت الدراسة أن «الجيل الذي يعيش في مرحلة ارتفاع معدلات التضخم يبتعد عن التوفير وشراء الصكوك حتى بعد عدة عقود».

وفي كلمات أخرى، لن يتخذ شباب اليوم قرارات استثمارية طائشة في سوق الأسهم، وربما يضيعون فرصاً جيدة، ولكنهم على الأرجح لن يرتكبوا الكثير من الأخطاء.

وبنظرة عامة، نستطيع الاستنتاج بأن أمراً بالغ السوء حصل للاقتصاد الأميركي، إلا أن نظرة أكثر تعمقاً تظهر مدى عمق هذه التأثيرات وتعقيدها في نمط حياتنا. وستكون التغييرات الاجتماعية هي القصة الأبرز التي ستنقل عن هذا الكساد. 


ترجمة: محمود فنصة عن «نيويورك تايمز»

تويتر