نزاع أوكرانيا.. معركة حول القواعد التي تحكم الاقتصاد العالمي

في عام 2013، كان الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش على وشك توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، في خطوة كانت كبيرة نحو الاندماج مع الاقتصاد العالمي.

لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أراد أوكرانيا في كتلته الاقتصادية المنافسة، وهي «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، ورد على محاولة توقيع تلك الاتفاقية، بوقف الواردات الأوكرانية، وهدد بفرض مزيد من الرسوم على إمدادات الغاز الطبيعي.


ضغوط روسيا

خضعت أوكرانيا لضغوط روسيا، وتخلى الرئيس يانوكوفيتش عن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ما أثار موجة من الاحتجاجات الضخمة في شوارع أوكرانيا أدت إلى الإطاحة به، وأتت بحكومة موالية للغرب، ما دعا روسيا إلى الرد في عام 2014 بضم «شبه جزيرة القرم»، وإثارة التمرد في منطقة «دونباس الشرقية» بأوكرانيا.
 

معركة «قواعد»

يوضح النزاع التجاري أن الانقسام المتزايد بين روسيا والغرب هو معركة حول القواعد التي تحكم الاقتصاد العالمي، بقدر ما هي معركة حول التحالفات العسكرية ومنشآت الصواريخ.

لفترة من الوقت بعد الحرب الباردة، انتصرت العولمة في العواصم الغربية. وبدأت قوى السوق هي التي تحدد أين ستتدفق السلع والخدمات ورأس المال والمعرفة، وليس الحكومات أو الأيديولوجيا أو مجالات النفوذ، وهي الرؤية التي يرفضها الرئيس بوتين.

فبالنسبة للرئيس بوتين، يجب أن يعكس التكامل الاقتصادي الروابط الجغرافية والثقافية والاستراتيجية. وقال العام الماضي إن «أوكرانيا وروسيا تطورتا كنظام اقتصادي واحد على مدى عقود وقرون، نحن شركاء اقتصاديون ونتكامل بشكل طبيعي».

وأضاف أن أوكرانيا وروسيا، مثل كندا والولايات المتحدة، أو النمسا وألمانيا، «قريبتان من التكوين العرقي والثقافة، واللغة، مع حدود مشروطة وشفافة».


الجغرافيا والسياسة

تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن تحديد الجغرافيا السياسية للعلاقات الاقتصادية ليس فكرة جديدة. فطوال فترة الحرب الباردة، انقسم جزء كبير من العالم إلى تكتلان اقتصاديان: تكتل ديمقراطيات السوق الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وتكتل الاقتصادات المخططة مركزياً بقيادة الاتحاد السوفيتي، وهذان التكتلان بالكاد يتاجرا مع بعضهم بعضاً.


لكن الاعتبارات الجيوسياسية دفعت السياسة التجارية الأميركية إلى دعم إنشاء الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (سبقت منظمة التجارة العالمية)، وخفضت تعريفاتها، ودفعت أوروبا الغربية إلى دمج الجميع في خدمة تقوية الديمقراطيات الغربية ضد الشيوعية.

مع نهاية الحرب الباردة، تلاشت الخطوط الفاصلة الأيديولوجية، فعندما تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، سرّعت الصين إصلاحات السوق والانفتاح على العالم.


الصدام حول التجارة

وكتب الاقتصادي الكبير، دوج إروين في كتابه: «الصدام حول التجارة: تاريخ السياسة التجارية الأميركية»: «لم تعد الاشتراكية نموذجاً اقتصادياً لمعظم البلدان النامية، فقد شرع العديد منها في إجراء اصلاحات تضمنت الانفتاح على التجارة الدولية».


ومثال على ذلك اندفاع المكسيك إلى السعي وراء ما أصبح في النهاية اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية مع الولايات المتحدة وكندا مع نهاية الحرب الباردة.


كما أن منظمة التجارة العالمية ظهرت إلى حيز الوجود في عام 1995، مصحوبة بتخفيضات شاملة في التعريفات والإعانات، وغيرها من العوائق التجارية، وانضمت الصين للمنظمة في عام 2001 وروسيا في عام 2012.

 

«عولمة حتمية»

رأى الكثير في الغرب في نهاية الحرب الباردة دليلاً على أن الأسواق الحرة وسيادة القانون من القيم العالمية. وعندما بدأ الاتحاد الأوروبي في قبول دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق في عضويته، اعتقد عدد قليل من مسؤوليه أن هذه ليست حيلة جيوسياسية تستهدف روسيا، لكنها نتاج «عولمة حتمية»، كما قال المؤرخ في جامعة كولومبيا، آدم توز، الذي رأى أن الأوروبيون الشرقيون لم يؤيدوا هذا الرأي، واعتقدوا أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، و«حلف ناتو»، كان «وسيلة لتأمين أنفسهم ضد روسيا»، ورأت روسيا الشيء نفسه، ما جعلها ترفض النظر إلى «ناتو» والاتحاد الأوروبي ككيانين منفصلين.

وقال توز إن الاتحاد الأوروبي قد يشكل تهديداً أكبر لأنه بينما يمكن لروسيا التنافس عسكرياً مع «ناتو»، فإنها لا تستطيع التنافس مع الجاذبية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لأوروبا.


تقويض التجارية

في العقد الماضي، ومع اشتداد استياء بوتين من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، أصيب الغرب بخيبة أمل من التجارة. ولم يجعل التكامل الاقتصادي، روسيا أو الصين أكثر ليبرالية، إذ ضاعفتا من الاستبداد ورأسمالية الدولة.

وبدلاً من أن تخمد التجارة، التنافس الجيوسياسي، أدى هذا التنافس الجيوسياسي إلى تقويض التجارة، وهو ما بدا عندما تذرع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب بالأمن القومي لفرض تعريفات جمركية على واردات الألمنيوم والصلب، وفرض رسوم جمركية شديدة على الصين وحظرها من الوصول إلى التقنيات الرئيسة.


عجز دولي

لقد عجزت منظمة التجارة العالمية عن وقف الخلافات التجارية، بل أججتها في بعض النواحي. فعندما منعت روسيا البضائع الأوكرانية من العبور عبر أراضيها إلى أسواق أخرى، وهو ما يعد انتهاكاً لقواعد التجارة، حكمت منظمة التجارة العالمية أن روسيا لها الحق في ذلك ضمن حقوقها المتعلقة بالأمن القومي.

وقالت المسؤولة السابقة بمنظمة التجارة العالمية، جينيفر هيلمان: «ستنهار جميع قواعد التجارة، لأن الجميع يستطيعون فعل أي شيء باسم الأمن القومي».

قد ينجح بوتين في إعادة تشكيل النظام الذي أفرزته الحرب الباردة للكتل الاقتصادية الشرقية والغربية. لكن على الرغم من ذلك، فإن اتحاده الاقتصادي الأوراسي غير مهم، وله وزن اقتصادي أقل بالنسبة للبلدان الأخرى، باستثناء السلع.

 

تويتر