الحيوية الديموغرافية وراء الطفرات الاقتصادية في الولايات المتحدة

تغيير سياسات الهجرة يعزّز نمو الاقتصاد الأميركي

صورة

على مدار القرن الماضي، كانت هناك لحظتان مهمتان غيّرتا وجه الولايات المتحدة وجعلتاها رائدة الاقتصاد العالمي، وهما الطفرة الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وثورة تكنولوجيا المعلومات في التسعينات.

وفي كلتا الحالتين، أزالت الولايات المتحدة العديد من أشكال التمييز والعوائق الأخرى، لتسخير مواهب الفئات المهمشة والترحيب بالمواهب الجديدة، عبر سياسات الهجرة التي ضخت الحيوية الديموغرافية في الاقتصاد.

سياسة الهجرة

ولمواصلة مسار أميركا التصاعدي في القرن الـ21، يجب على البلاد عكس اتجاه تراجعها الديموغرافي الحالي، من خلال سياسات الهجرة، إذ تقول الباحثة في جامعة «جورج ميسون» في الولايات المتحدة، شيخة دالميا، في مقال لها بصحيفة «نيويورك تايمز» إن «المخرج الأسرع لمواجهة تراجع عدد السكان قد يكون تخلي الحكومة الفيدرالية عن احتكارها لإجراءات الهجرة، والسماح لحكومات الولايات المحلية بجلب العمال من أي مكان في العالم، بناءً على احتياجاتهم الوظيفية، ودون الخضوع لنظام الحصص الفيدرالية المتبع حالياً».

وسجل عدد سكان الولايات المتحدة خلال العقد الماضي نمواً، اعتبر ثاني أبطأ معدل منذ أن بدأت الحكومة عملية إحصاء السكان في عام 1790، كما يعتبر الأبطأ منذ ثلاثينات القرن الماضي، بحسب مكتب الإحصاء الأميركي. وتشير الباحثة إلى أن الولايات المتحدة تواجه انهياراً سكانياً، ذلك أن معدل الخصوبة في الولايات المتحدة يبلغ الآن 1.73 طفل لكل امرأة، وهو على قدم المساواة مع معدل الخصوبة في الدنمارك وبريطانيا. ولفتت إلى أن انخفاض النمو السكاني يعني أن نسبة الشباب إلى كبار السن تنخفض، وهي ليست معادلة لاقتصاد ديناميكي أو دولة تنافسية. فالعمال الشباب هم محرك الرأسمالية، والأكثر قدرة على الحركة، والانتقال إلى الأماكن التي سيكونون فيها أكثر إنتاجية، وهذا ما امتلكته أميركا بوفرة بعد الحرب العالمية الثانية.

التجربة الكندية

ووفقاً لدراسة أجرتها المؤسسة الوطنية للسياسة الأميركية، فإن أكثر من نصف الشركات الناشئة البالغ عددها 91 شركة، التي أصبحت شركات بقيمة مليار دولار، كان لديها مؤسس مهاجر واحد أو أكثر.

وقال الباحث في معهد «أميركان إنتربرايز»، ليمان ستون، إنه «من الصعب إنتاج جيل جديد من المواليد في عالم يسهل فيه تحديد النسل. وبدلاً من ذلك، قد تنسخ الولايات المتحدة سياسات الهجرة في كندا، التي تهدف صراحة إلى تعويض شيخوخة السكان، وانخفاض معدلات المواليد».

ففي عام 1998، بدأت كندا برنامجها الإقليمي للهجرة، الذي يمنح معظم المقاطعات حصة من استقدام العمالة بناءً على عدد سكانها، إضافة إلى المهاجرين الذين تعترف بهم الحكومة الفيدرالية. وتضع المقاطعة معايير الاستقدام بناءً على احتياجاتها من العمال، ويمكنها رعاية المهاجرين من أي مكان في العالم للحصول على الإقامة الدائمة، بشرط اجتيازهم شروط محددة. ويبلغ متوسط وقت إنجاز طلب الهجرة لهذا البرنامج 18 شهراً، وهو على النقيض في الولايات المتحدة، حيث ينتظر المهاجرون أصحاب المهارات العالية سنوات للحصول على تأشيرات العمل.

وعلى الرغم من أن المهاجرين الذين ترعاهم مقاطعة كندية يتمتعون، من حيث المبدأ، بحرية الانتقال إلى مقاطعة أخرى في أي وقت، فإن معدل البقاء لمدة خمس سنوات في العديد من المقاطعات يزيد بنسبة 80%، وفقاً لتقييم أجرته الحكومة الكندية عام 2017. وذلك لأن التطابق الدقيق بين المهارات وسوق العمل المحلية، يضمن دقة التوظيف، ما يزيل السبب الرئيس وراء مغادرة المهاجرين للمقاطعة التي استقبلتهم.

وهنا، يجب على أميركا أن تبدأ نسختها الخاصة من هذا البرنامج، بحيث يتم إخراج البيروقراطيين الفيدراليين من أعمال التخطيط المركزي لسوق العمل للبلد بأكمله، فالولايات التي تتفهم أسواق العمل الخاصة بها ستقوم بعمل أفضل بكثير في العثور على موظفين مناسبين لأعمالهم.

كسر الحواجز

يقول الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، فيرنون سميث، إن «القوى العاملة الأميركية قبل الحرب كانت ثابتة تماماً»، مشيراً إلى أن النقص في عدد الرجال في المنازل خلال الحرب، أدى إلى كسر الحواجز التي أبقت المراهقين والنساء والأميركيين من أصول إفريقية خارج القوى العاملة.

وأضاف أنه «بعد الحرب، دخل شباب في القوى العاملة، واكتسبوا مهارات وخبرات قيّمة، كما ازدادت نسبة مشاركة المرأة في العمل 50% في الفترة بين 1940 و1945. كما أدى نقص الرجال إلى إتاحة الفرص للعمال من أصول إفريقية»، مشيراً إلى أن حقبة نشاط الحقوق المدنية في الستينيات أزالت العديد من الحواجز الرسمية التي تمنع مشاركة الأميركيين من أصول إفريقية القوية في الاقتصاد، كما أدى إلغاء «قانون جونسون-ريد» لعام 1924، الذي منع استقدام المواهب الأجنبية إلى قدوم 58.5 مليون مهاجر جديد على مدى السنوات الـ50 التالية، منهم 25 مليون آسيوي، بينهم متخصصون في مجال التكنولوجيا الفائقة من الصين والهند، حيث ساعدت ابتكاراتهم في تعزيز ثورة المعلومات التي غيّرت العالم.

تويتر