الإمارات كانت سباقة إلى اتخاذ خطوة مبتكرة في هذا المجال

الذكاء الاصطناعي يساهم بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصادي العالمي عام 2030

أظهرت مؤخراً دراسة، أجرتها شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" في بريطانيا، أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم بنحو 15.7 تريليون دولار أمريكي في الاقتصادي العالمي بحلول عام 2030، وتوقعت أن تصل حصة منطقة الشرق الأوسط من هذه الفوائد الثمينة إلى نحو 2% بواقع 320 مليار دولار، مع تحقيق دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لأكبر هذه المكاسب.

وبات من المستحيل الحديث عن تقنية المعلومات أو الشركات اليوم دون التطرق إلى قضية الذكاء الاصطناعي. فقد أنجز هذا الابتكار الجديد نقلة نوعيّة في طريقة سير الأعمال كتلك التي سادت منذ نحو قرن من الزمن عندما استبدلت الآلات البخارية بتلك الموصولة بالمقابس الكهربائية، وتجلّت أهمية الذكاء الاصطناعي في استطلاع أجرته مؤسسة جارتنر للأبحاث في شهر يناير من العام الجاري، وكشفت عن تبنّي 37% من المؤسسات للذكاء الاصطناعي في جانب من جوانب عملها، في الوقت الذي صعدت فيه أهمية حلول تجارب العملاء إلى الواجهة بوصفها أكثر المجالات التي تعزز قيمة الشركات كونها تقدّم تجربة شخصية ومتينة.

وبحسب المدير التنفيذي لكانون الشرق الأوسط، أنوراغ أغروال، يكتسب الذكاء الاصطناعي أهمية متصاعدة ويحفز قابلية المستثمرين العالميين، حيث تسعى الدول الأوروبية جاهدةً لمواكبة وتيرة التحول المتسارعة في كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولا يختلف هذا الوضع كثيراً في منطقة الشرق الأوسط، حيث أدركت الشركات والحكومات حاجتها إلى الدخول في عالم الذكاء الاصطناعي أو تحمّل مغبّة التخلف عن هذا الركب السريع. ومن هذا المنطلق، سارعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ خطوة مبتكرة في هذا المجال تجسّدت بتعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي، لتبدأ بعض الدول الأخرى تحذوا بحذوها، في حين منحت المملكة العربية السعودية الجنسية إلى روبوت.

ومن السهل علينا إدراك سبب التعقيدات التي واجهت الشركات خلال العقد الماضي على الأقل، في كيفية الاستثمار في تقنيات قادرة على الاستمرارية في ظل ما يشهده قطاع الأعمال من وتيرة تطور تقني متسارعة. فقد عكفت المؤسسات في ذاك الوقت على إنفاق ميزانيات ضخمة للتقنيات الجديدة، ولم ترغب بأخذ خيار استبدال هذه التقنيات بالكامل في غضون ثلاثة أعوام. لذلك جاء الذكاء الاصطناعي ليقدم حلولاً تقنية جديدة قادرة على مواكبة مشهد التطور بكل جوانبه.

فرص الذكاء الاصطناعي تكمن في فهمه
ويجب على المؤسسات التعرّف عن كثب على جلّ المزايا الكامنة في الذكاء الاصطناعي وما يمكنه أن يضيفه على عملها إن أرادت تبنّيه في مجمل عملياتها. وتوضح مؤسسة جارتنر في مخطط بياني بأن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى ما يتراوح بين عامين إلى خمسة أعوام ليبلغ ذروته. وفي ظل اقترابنا اليوم أكثر من بلوغ هذه الذروة، بات من الأهمية بمكان التعرّف على إمكانيات الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بمخرجات الأعمال. فالعديد من التقنيات السابقة لم تترك أثراً ملموساً لدى الشركات والمؤسسات على الرغم من بلوغها ذروتها. وهنا بالضبط تكمن التحديات والفرص، فالتفكير مليّاً في سبل إدخال قدرات الذكاء الاصطناعي في محفظة الخدمات والمنتجات التي تمتلكها الشركات من شأنه أن يقدم قيمة راسخة.

أحد أبرز الأمثلة على سبل تحسين العمليات الحالية للشركات، هو إضافة مستوى من الذكاء على عمليات تحليل البيانات. فمن خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي على أدوات ذكاء الأعمال التقليدية، نحصل على معلومات قادرة على رسم ملامح رؤى قيّمة يمكنها التنبؤ بالقادم بدلاً من إخطار الشركات بما قد جرى بالفعل. وفي هذه الأثناء، تسارع الشركات إلى استخدام حلول أتمتة العمليات الروبوتية، والتي تمثّل تطوراً عن أدوات أتمتة سير العمل التقليدية، وذلك سعياً إلى تسخير الذكاء الاصطناعي لمحاكاة السلوك البشري وأداء مهام أكثر تعقيداً على غرار كسب المعرفة واستخلاصها، وإدراك الأنماط المختلفة للسلوك والتأقلم مع الطبيعة الإنسانية بمرور الوقت. وقد وصفت "شركة ماكنزي" هذه الحلول بكلمات بسيطة مفادها "حلول أتمتة العمليات الروبوتية تخلّص الإنسان من الروتين" حيث تتولى المهام الروتينية والأعمال اليدوية وتمنح العمال مساحة من الحرية للقيام بمهام تضيف القيمة ونشاطات مجزية. وقد كشفت أيضاً "شركة ماكنزي" أن الشركات التي قامت بالفعل بتبني هذه الحلول شهدت زيادة في معدل عائداتها على الاستثمار، بنسبة تراوحت بين 30 لتصل حتى 200 بالمئة في عامها الأول.

إدراك حدود الإمكانات
ومن ناحية أخرى، يجب على الشركات إدراك الثغرات الموجودة في إمكاناتها الداخلية. فقد يكون هناك فرق شاسع بين أهدافها وقدرتها على تحقيق هذه الأهداف ضمن إطار زمني محدد. فالذكاء الاصطناعي هو مثل مجموعة من التقنيات المتنوعة، ومن منظور تقني ورؤية عمليات الشركة، يجب على قادة الشركات إدراك الإمكانات الحقيقية لشركتهم وما يمكنها القيام به على أرض الواقع قبل دخول الذكاء الاصطناعي حيز التنفيذ. وعلى سبيل المثال، قبل توظيف أمر على غرار التعلّم العميق، تحتاج الشركات إلى تنظيف بياناتها، لتجنب أي لغط قد يحصل نتيجة خلط بيانات مغلوطة بأخرى صحيحة والذي يقود لمخرجات غير صائبة في نهاية المطاف. ويمكن في الغالب نشر البيانات المؤسسية في وحدات تخزين عديدة لتكون متاحة لمجموعات العمل المختلفة حسب الأولويات المتنوعة.

ويمكن لتشكيل كوادر بشرية متنوعة في سياق قطاعات الأعمال المختلفة ودمج شرائح البيانات المتنوعة معاً أن يقود إلى تناقضات. فمستوى الاستثمار في الكادر البشري وعمليات الأعمال أمر يمتلك أهمية خاصة في حالات مثل اشتري لتدفع، أو التسويق، لضمان الدقة والامتثال بأحدث الإجراءات.

التغيير التدريجي
ومن المهم تجنّب إدخال تغيير جذري إلى مسار العمل، بل في المقابل، توظيف الذكاء الاصطناعي في سياقه. وكمثال على ذلك؛ يمكن لشركة متخصصة في قطاع التجزئة أن تبدأ بتطبيق خدمة ذكية لفرز المتصلين بمركز خدمة العملاء، لضمان معرفة متطلبات المتصل وتوجيهه إلى موظف الخدمة المناسب . وعلى المستوى المتوسط، يقوم العديد من تجار التجزئة بتأسيس روبوتات دردشة للإجابة على استفسارات العملاء، وهذا أمر يسخر إمكانات الذكاء الاصطناعي ليقدّم الإجابات الشافية للعملاء. وعلى المستوى الأكثر تطوراً، يمكن لتجار التجزئة أيضاً تسخير التعلم العميق للكشف بذكاء عن نشاطات الاحتيال على موقعهم الإلكتروني. ومن شأن وجود تقنية تتسم بالمرونة الفائقة أن تعود بمنافع جمّة على الشركات، حيث تمنحها القدرة على التحلّي بالانسيابية والسرعة، لكن تعزيز توظيف هذه التقنية يمنح المؤسسات القدرة على إثبات القيمة المحققة، وجمع آراء العملاء، والاستجابة لها حسب الحاجة.

الموهبة لا تمكن في التكنولوجيا وحسب
وفي نهاية المطاف، من المهم تذكر أن نجاح استراتيجية الذكاء الاصطناعي لا تكمن فقط في توظيف التقنية الصحيحة. بل يحتاج تحقيق هذا النجاح إلى غرس الثقافة المناسبة بقدر ما يتعلق بتوظيف التقنيات ذات التكلفة المرتفعة. والحل الأمثل لتحقيق ذلك هو القيام بتحديد أولويات الاستثمار في المواهب الجديدة، القادرة على تعزيز تدفق الأفكار الخلّاقة والابتكار. وعلى أية حال، يعتبر هذا الأمر تحدياً بحد ذاته. فالسوق في تنامٍ مستمر متجاوزاً توافر الخبرات الموهوبة. لذلك تحتاج الشركات إلى الاستثمار في تعزيز معرفة موظفيها، وترسيخ أساس صلب من الوعي والإدراك بين كوادرها البشرية، ولاشك أنه يمكن تحقيق ذلك بالتدريب والتأهيل المتواصلين.

مستقبل الذكاء الاصطناعي
وتحتاج الشركات لتبنّي الذكاء الاصطناعي على أكمل وجه إلى إدراك أنه لا يمكن اغتنام كامل إمكاناته بتوظيفه حسب الحاجة بدلاً من التعامل معه كركيزة أساسية في منهجية عملها. وتحتاج المؤسسات إلى البحث عن فرص الابتكار في الذكاء الاصطناعي ضمن نسيج أعمالها بكافة تفاصيله، وليس فقط بإدخال التكنولوجيا، ويمكن القيام بذلك من خلال غرس ثقافة قادرة على استيعاب الذكاء الاصطناعي بين الكوادر البشرية. وعقب تبنّي الذكاء الاصطناعي بالشكل المطلوب، تحظى الشركات بفرصة لا تقتصر فوائدها على تحسين المنتجات والخدمات الراهنة، بل تصوغ محفظة جديدة من الخدمات. وعلى أية حال، فإن الشركات بحاجة ماسة لامتلاك عين ثاقبة لتقييم الأسواق، وتبني هذه التقنيات التي بمقدورها تقديم نتائج ملموسة بحق لشركات اليوم.

 

تويتر